Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 17-17)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَتَرَى ٱلشَّمْسَ } أي : أنت أيُّها المخاطب ، وليس المراد أنَّ من خوطب بهذا يرى هذا المعنى ، ولكنَّ العادة في المخاطبة تكون على هذا النحو . قوله : { إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } . قرأ ابن عامر ويعقوب " تَزْوَرُّ " بسكون الزاي بزنة تَحْمَرُّ . والكوفيون " تَزاوَرُ " بتخفيف الزاي ، والباقون بتثقيلها ، فـ " تَزْورُّ " بمعنى " تميلُ " من الزَّورِ ، وهو الميل ، و " زاره " بمعنى " مال إليه " وقول الزُّور : ميلٌ عن الحق ، ومنه الأزورُ ، وهو المائلُ بعينه وبغيرها ، قال عمر بن أبي ربيعة : [ الطويل ] @ 3494 - … وجَنْبِي خِيفَةَ القَوْمِ أزْوَرُ @@ وقيل : تَزورُّ بمعنى تنقبضُ من " ازْوَرَّ " أي : انقبض ، ومنه قول عنترة : [ الكامل ] @ 3495 - فَازْوَرَّ من وقْع القَنا بِلبَانهِ وشَكَا إليَّ بِعبْرةٍ وتَحمْحُمِ @@ وقيل : مال ، ومثله قول بشر بن أبي خازم : [ الوافر ] @ 3496 - يُؤمُّ بِهَا الحُداةُ مِياهَ نَخْلٍ وفِيهَا عن أبَانيْنِ ازْوِرَارُ @@ أي : ميلٌ . وأما " تَزاوَرُ " و " تزَّاوَرُ " فأصلهما " تَتزاورُ " بتاءين ، فالكوفيون حذفوا إحدى التاءين ، وبعضهم أدغم ، وقد تقدَّم نظائر هذا في { تَظَاهَرُونَ } [ الآية : 85 من البقرة ] و { تَسَآءَلُونَ } [ النساء : 1 ] ونحوهما ، ومعنى ذلك الميل أيضاً . وقرأ أبو رجاء ، والجحدريُّ ، وابن أبي عبلة ، وأيوبُ السَّختيانيُّ " تَزوَارُّ " بزنة " تحْمَارُّ " وعبد الله ، وأبو المتوكل " تَزوَئِرُّ " بهمزة مكسورة قبل راء مشددة ، وأصلها " تَزوَارُّ " كقراءة أبي رجاء ، ومن معه ، وإنما كرهَ الجمع بين الساكنين ، فأبدل الألف همزة على حدِّ إبدالها في { ٱلْجَآنَّ } [ الرحمن : 15 ] و { ٱلضَّآلِّينَ } [ الفاتحة : 7 ] . وقد تقدم تحقيقه آخر الفاتحة . و " إذا طلعت " معمول لـ " ترى " أو لـ " تَزاوَرُ " وكذا " إذا غَربَتْ " معمولٌ للأول ، أو للثاني ، وهو " تَقْرِضُهمْ " والظاهر تمحّضهُ للظرفيةِ ، ويجوز أن تكون شرطية . ومعنى " تَقْرضُهمْ " : تقطعهم ، لا تقربهم ؛ إذ القرض القطع ؛ من القطيعة والصَّرم ، قال ذو الرمَّة : [ الطويل ] @ 3497 - إلى ظُعنٍ يَقْرضْن أقْوازَ مُشرِفٍ شِمَالاً ، وعنْ أيْمانِهنَّ الفَوارِسُ @@ والقَرْضُ : القطعُ ، وتقدم تحقيقه في البقرة ، وقال الفارسي : " معنى تقرضهم : تعطيهم من ضوئها شيئاً ، ثم تزول سريعاً ، كالقرض يستردُّ " وقد ضعِّف قوله ؛ بأنه كان ينبغي أن يقرأ " تُقرضُهمْ " بضمِّ التاء ، لأنه من أقرضَ . وقرىء " يَقْرضُهمْ " بالياء من تحت ، أي : الكهف ، وفيه مخالفةٌ بين الفعلين وفاعلهما ، فالأولى أن يعود على الشمس ، ويكون كقوله : [ المتقارب ] @ 3498 - … ولا أرْضَ أبْقلَ إبْقَالهَا @@ وهو قول ابن كيسان . و " ذات اليمينِ " و " ذاتَ الشِّمالِ " ظرفا مكانٍ بمعنى جهة اليمين ، وجهة الشِّمال . فصل قال المفسرون : " تَزاوَرُ " بمعنى " تَمِيلُ " وتعدل عن كهفهم { ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } ، أي : جهة ذات اليمين ، وأصله أنَّ ذات اليمين صفة أقيمت مقام الموصوف ؛ لأنَّها تأنيث " ذو " في قولهم : " رجلٌ ذُو مالٍ ، وامرأةٌ ذات مالٍ " ؛ فكأنَّه قال : تَزاورُ عن كهفهم جهة ذات اليمين ، { وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ } . قال الكسائيُّ : قرضت المكان ، أي : عدلتُ عنه . وقال أبو عبيدة : القرض في أشياء ، منها القطع ، وكذلك السَّير في البلاد ، إذا قطعتها ؛ تقول لصاحبك : هل وردتَّ [ موضع ] كذا ؟ فيقول المجيب : إنما قرضتهُ . فقوله : { تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ } ، أي : تعدل عن سمت رؤوسهم إلى جهة الشِّمال . ثم ها هنا قولان : الأول : قال ابن قتيبة وغيره : كان كهفهم مستقبل بناتِ نعشٍ ، لا تقع فيه الشمس عند الطُّلوع ، ولا عند الغروب ، ولا فيما بين ذلك وكان الهواء الطيِّب والنَّسيم الموافقُ يصل إليهم ، فلا جرم بقيتْ أجسادهم مصونة عن العفونة والفساد . والثاني : أن الله تعالى منع ضوء الشمس من الوقوع عليهم عند طلوعها ، وكذا عند غروبها ، وكان ذلك فعلاً خارقاً للعادة ، وكرامة عظيمة ، خصَّ الله بها أصحاب الكهف ، قاله الزجاج ، واحتجَّ على صحَّته بقوله : { ذَٰلِكَ مِنْ ءَايَاتِ ٱللَّهِ } ولو كان الأمر كما ذكره أصحاب القول الأول ، لكان ذلك أمراص معتاداً مألوفاً ، ولم يكن من آيات الله تعالى . ثم قال تعالى : { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } أي متَّسعٍ من الكهف ، وجمعها فجواتٌ . قال أبو عبيدة : ومنه الحديث : فإذا وجد فجوة نصَّ . وقال غيره : الفجوة المتَّسع من الفجاء ، وهو تباعد ما بين الفخذين ، يقال : رجل أفجأ ، وامرأةٌ فجواء ، وجمع الفجوة فجاء كقصعة وقصاع . وقوله : { وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ } جملة حالية ، أي : نفعل هذا مع اتساع مكانهم ، وهو أعجب لحالهم ؛ إذ كان ينبغي أن تصيبهم الشمس لاتساع مكانهم . فصل قال المفسرون : اختار الله تعالى لهم مضجعاً في مقناة لا تدخل عليهم الشمس ، فتؤذيهم بحرِّها ، وتغيِّر ألوانهم ، وهم في متَّسع ينالهم بردُ الرِّيح ، ويدفع عنهم كرب الغار . قوله : " ذلِكَ " مبتدأ أشأر به إلى جميع ما تقدم من قصَّتهم . وقيل : " ذلِكَ " إشارةٌ إلى الحفظ الذي حفظهم الله تعالى في ذلك الغار تلك المدَّة الطويلة . قوله : { مِنْ ءَايَاتِ ٱللَّهِ } العجيبة الدَّالة على قدرته ، وبدائع حكمته ، و { مِنْ ءَايَاتِ ٱللَّهِ } الخبر ، ويجوز أن يكون " ذلك " خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك ، و { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } حال . ثم بين تعالى أنه كما أبقاهم هذه المدَّة الطويلة مصونين عن الموت والهلاك من لطفه وكرمه ، فكذلك رجوعهم أوَّلاً عن الكفر ، ورغبتهم في الإيمان كان بإعانة الله ولطفه ؛ فقال : { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ } مثل أصحاب الكهف " ومن يُضْلِل " ، أي : يضلله الله ، ولم يرشده ؛ كـ " دقيانُوس " وأصحابه { فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً } معيناً " مُرْشِداً " .