Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 9-12)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ ٱلْكَهْفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنْ ءَايَاتِنَا عَجَباً } الآية . معناها : أظننت ، يا محمد ، أنَّ أصحاب الكهف والرَّقيم كانوا من آياتنا عجباً . وقيل : معناه أنَّهم ليسوا بأعجب من آياتنا ؛ فإنَّ ما خلقت من السموات والأرض وما فيهن من العجائب أعجبُ منهم ، فكيف يستبعدُ من قدرته ورحمته حفظ طائفة مدة ثلاثمائة سنةٍ وأكثر ؟ هذا وجه النظم . وقد تقدَّم سببُ نزولِ قصَّة أصحاب الكهف عند قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [ الإسراء : 85 ] . والكهف هو الغار في الجبل وقيل : مطلق الغار ، وقيل : هو ما اتسع في الجبل ، فإن لم يتَّسِعْ ، فهو غارٌ ، والجمع " كُهُوف " في الكثرة ، و " أكْهُفٌ " في القِلَّةِ . والرَّقيم : قيل : بمعنى مرقوم . وعلى هذا قال أهل المعاني : الرَّقيمُ الكتاب . ومنه قوله : { كِتَابٌ مَّرْقُومٌ } [ المطففين : 9 ] أي : مكتوب . قال الفراء : الرقيم لوحٌ كان فيه أسماؤهم وصفاتهم ، وسمِّي رقيماً ؛ لأنَّ أسماءهم كانت مرقومة فيه . قال سعيد بن جبيرٍ ، ومجاهدٌ : كان لوحاً من حجارةٍ ، وقيل : من رصاصٍ ، كتبنا فيه أسماءهم وصفاتهم ، وشدَّ ذلك اللَّوح على باب الكهف ، وهو أظهر الأقوال . وقيل : بمعنى راقم ، وقيل : هو اسم الكلب الذي لأصحاب الكهفِ ، وأنشدوا لأمية بن أبي الصَّلت : [ الطّويل ] @ 3486 - وليْسَ بِهَا إلاَّ الرَّقيمُ مُجاوِراً وصِيدَهُمُ ، والقَوْمُ بالكهْفِ هُمَّدُ @@ وروى عكرمة عن ابن عبَّاس أنَّه قال : كلُّ القرآن معلومٌ إلا أربعة : غسلين ، وحناناً ، والأوَّاه ، والرَّقيم . وروى عكرمة عن ابن عبَّاس أنه سئل عن الرَّقيم فقال : زعم كعبٌ أنَّها القرية التي خرجوا منها ، وهو قول السديِّ . وحكي عن ابن عباس : أنَّه اسمٌ للوادي الذي فيه أصحاب الكهف ، وعلى هذا هو من رقمة الوادي ، وهو جانبه . وقيل : اسم للجبلِ الذي فيه الكهف . قوله : { أَمْ حَسِبْتَ } : " أم " هذه منقطعة ، فتقدَّر بـ " بل " التي للانتقال ، لا للإبطال ، وبهمزة الاستفهام عند جمهور النحاة ، و " بل " وحدها أو بالهمزة وحدها عند غيرهم ، وتقدَّم تحقيق القولِ فيها . و " أنَّ " وما في حيِّزها سادَّةٌ مسدَّ المفعولين ، أو أحدهما ، على الخلافِ المشهور . قوله : " عَجَباً " يجوز أن تكون خبراً ، و " مِنْ آيَاتِنَا " حالٌ منه ، وأن يكون خبراً ثانياً ، و " مِنْ آيَاتِنَا " خبراً أوَّل ، وأن يكون " عجباً " حالاً من الضمير المستتر في " من آيَاتِنَا " لوقوعه خبراً ، ووحِّد ، وإن كان صفة في المعنى لجماعة ؛ لأن أصله المصدر قال ابن الخطيب : عجباً ، و " العجب " ها هنا مصدر ، سمِّي المفعول به ، والتقدير : " كانوا معجوباً منهم " فسمُّوا بالمصدر . وقالوا : " عَجَباً " في الأصل صفة لمحذوفٍ ، تقديره : آية عجباً ، وقيل : على حذف مضافٍ ، أي : آية ذات عجبٍ . قوله : { إِذْ أَوَى } : يجوز أن ينتصب بـ " عَجَباً " وأن ينتصب بـ " اذْكُرْ " ؛ لأنه لا يجوز أن يكون " إذْ " ههنا متعلقاً بما قبله على تقدير " أمْ حَسِبْتَ " ؛ لأنَّه كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم مدة طويلة ، فلم يتعلق الحسبان بذلك الوقت الذي أووا فيه إلى الكهف ، بل يتعلق بمحذوفٍ . والتقدير : اذكر إذ أوى الفتيةُ إلى الكهف ، والمعنى صاروا إليه ، وجعلوهُ مأواهم ، فقالوا : { رَبَّنَآ ءَاتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً } أي من خزائن رحمتك . قوله : " وهَيِّىء " : العامة على همزة بعد الياء المشددة ، وأبو جعفر وشيبة والزهريُّ بياءين : الثانية خفيفة ، وكأنَّه أبدل الهمزة ياء ، وإن كان سكونها عارضاً ، ورُوِيَ عن عاصم " وهيِّ " بياءٍ مشددة فقط ، فيحتمل أن يكون حذف الهمزة من أول وهلةٍ تخفيفاً ، وأن يكون أبدلها ؛ كما فعل أبو جعفرٍ ، ثم أجرى الياء مجرى حرفِ العلَّة الأصليِّ ، فحذفه ، وإن كان الكثير خلافه ، ومنه : @ 3487 - جَرِيءٍ مَتَى يُظلمْ يُعَاقِبْ بظُلمهِ سَرِيعاً وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلمِ يَظلِمِ @@ معنى " هيِّىء لنا " أصلح من قولك " هيَّأت الأمرَ ، فتهيَّأ " . وقرأ أبو رجاء " رُشداً " ها هنا بضم الراء وسكون الشين ، وتقدم تحقيق ذلك في الأعراف ، وقراءة العامة هنا أليق ؛ لتوافق الفواصل . والتقدير : هيِّىء لنا أمراً ذا رشدٍ ؛ حتَّى نكون بسببه راشدين مهتدين . وقيل : اجعل أمرنا رشداً كلَّهُ ؛ كقولك : رَأيتُ منه رشداً . قوله : { فَضَرَبْنَا } : مفعوله محذوف ، أي : ضربنا الحجاب المانع ، و " عَلَى آذانِهم " استعارة للزوم النوم ؛ كقول الأسود : [ الكامل ] @ 3488 - ومَن الحَوادثِ لا أبَا لكِ أنَّنِي ضُربَتْ عليَّ الأرضُ بالأسْدادِ @@ وقال الفرزدق : [ الكامل ] @ 3489 - ضَربتْ عَليْكَ العَنْكبُوتَ بِنَسْجِهَا وقضَى عَليْكَ بِهِ الكِتابُ المُنزَلُ @@ ونصَّ على الآذان ؛ لأنَّ بالضَّرب عليها خصوصاً يحصل النُّومُ . وأمال " آذانهم " . قوله : { فِي ٱلْكَهْفِ } وهو ظرف المكان ، ومعنى الكلام : إنَّما هم في الكهف ، واسمه خيرم ، واسم الجبل الذي هو فيه [ مخلوس ] . وقوله : " سِنينَ " ظرف " زمان " لـ " ضَربْنَا " و " عَدداً " يجوز فيه أن يكون مصدراً ، وأن يكون " فعلاً " بمعنى مفعول ، أي من باب تسمية المفعول باسم المصدر ، كالقبض والنَّقض . فعلى الأول : يجوز نصبه من وجهين : احدهما : النعت لـ " سنين " على حذف مضافٍ ، أي : ذوات عدد ، أو على المبالغة على سبيل التأكيد والنصب بفعلٍ مقدرٍ ، أي : تعدُّ عدداً . وعلى الثاني : نعتٌ ليس إلا ، أي : معدودة . فصل [ ذكر العدد هنا على سبيل التأكيد ] قال الزجاج : ذكر العدد ها هنا يفيد كثرة السِّنين ، وكذلك كل شيءٍ ممَّا يعدُّ إذا ذكر فيه العددُ ، ووصف به ، أريد كثرته ؛ لأنَّه إذا قلَّ ، فهم مقداره بدون التعديد ، أمَّا إذا كثر فهناك يحتاج إلى التعديد ، فإذا قلت : أقمتُ أيَّاماً عدداً ، أردتَّ به الكثرة . قوله : { ثُمَّ بَعَثنَاهُمْ لِنَعْلَمَ } . اللام لامُ الغرض ؛ فيدل على أن أفعال الله تعالى معلَّلة بالأغراض ، وقد تقدم الكلام فيه ، ونظير هذه الآية في القرآن كثير ، منها ما سبق في هذه السورة ، وفي سورة البقرة : { إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ } [ البقرة : 143 ] وفي آل عمران : { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ } [ آل عمران : 142 ] وقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ } [ محمد : 31 ] . فصل وقال بعض العلماء : " لِنعلمَ " أي : علم المشاهدة . وقوله : { لِنَعْلَمَ } : متعلق بالبعث ، والعامة على نون العظمة ؛ جرياً على ما تقدم وقرأ الزهريُّ " ليَعْلم " بياء الغيبة ، والفاعل الله تعالى ، وفيه التفاتٌ من التكلم إلى الغيبة ، ويجوز أن يكون الفاعل " أيُّ الحِزبينِ " إذا جعلناها موصولة ، كما سيأتي . وقرىء " ليُعلمَ " مبنيًّا للمفعول ، والقائم مقام الفاعل ، قال الزمخشريُّ : " مضمون الجملة ، كما أنه مفعول العلم " . وردَّه أبو حيان بأنه ليس مذهب البصريين ، وتقدم تحقيق هذا أول البقرة . وللكوفيين في قيام الجملة مقام الفاعل أو المفعولِ الذي لم يسمَّ فاعله : الجواز مطلقاً ، و التفصيل بين ما تعلق به ؛ كهذه الآية فيجوز ، فالزمخشريُّ نحا نحوهم على قوليهم ، وإذا جعلنا " أيُّ الحزبَينِ " موصولة ، جاز أن يكون الفعل مسنداً إليه في هذه القراءة أيضاً ؛ كما جاز إسناده إليه في القراءة قبلها . وقرىء " ليُعْلِمَ " بضم الياء ، والفاعل الله تعالى ، و المفعول الأول محذوف ، تقديره : ليعلم الله الناس ، و " أيُّ الحِزْبيْنِ " في موضع الثاني فقط ، إن كانت عرفانية ، وفي موضع المفعولين إن كانت يقينيَّة . وفي هذه القراءة فائدتان : إحداهما : أنَّ على هذا التقدير : لا يلزم إثبات العلم المتجدَّد لله ، بل المقصود أنَّا بعثناهم ؛ ليحصل هذا العلمُ لبعض الخلقِ . والثانية : أنَّ على هذا التقدير : يجب ظهور النَّصب في قوله " أيُّ " لكن لقائلٍ أن يقول الإشكال باقٍ ؛ لأنَّ ارتفاع لفظة " أيُّ " بالابتداء لا بإسناده " ليُعْلِمَ " إليه . ولمجيبٍ بأن يجيب ؛ فيقول : لا يمتنعُ اجتماعُ عاملين على معمولٍ واحدٍ ؛ لأنَّ العوامل النحوية علاماتٌ ومعرفاتٌ ، ولا يمتنع اجتماع معرفاتٍ كثيرة على شيءٍ واحد . قوله : " أحْصَى " يجوز فيه وجهان : أحدهما : أنه أفعلُ تفضيلٍ ، وهو خبر لـ " أيُّهُم " و " أيُّهُم " استفهامية ، وهذه الجملة معلقة للعلم قبلها ، و " لِمَا لَبثُوا " حال من " أمَداً " ، لأنه لو تأخَّر عنه ، لكان نعتاً له ، ويجوز أن تكون اللامُ على بابها من العلَّة ، أي : لأجل ، قاله أبو البقاء ، ويجوز أن تكون زائدة ، و " ما " مفعولة : إمَّا بـ " أحْصَى " على رأي من يعمل أفعل التفضيل في المفعول به ، وإما بإضمار فعلٍ ، و " أمداً " مفعول " لبثُوا " أو منصوبٌ بفعلٍ مقدرٍ يدلُّ عليه أفعل عند الجمهور ، أو منصوب بنفس أفعل عند من يرى ذلك . والوجه الثاني : أن يكون " أحْصَى " فعلاً ماضياً [ أي : أيهم ضبط أمداً لأوقات لبثهم ] و " أمداً " مفعوله ، و " لما لبثُوا " متعلق به ، أو حال من " أمداً " أو اللام فيه مزيدة ، وعلى هذا : فـ " أمداً " منصوب بـ " لبثُوا " و " ما " مصدريَّة ، أو بمعنى " الذي " واختار الأول - أعني كون " أحْصى " للتفضيل - الزجاج والتبريزيُّ ، واختار الثاني أبو عليٍّ والزمخشري وابن عطية ، قال الزمخشري : " فإن قلت : فما تقول فيمن جعله من أفعل التفضيل ؟ قلت : ليس بالوجه السديد ، وذلك أن بناءه من غير الثلاثيِّ ليس بقياسٍ ، ونحو " أعْدَى من الجَربِ " و " أفلسُ من ابنِ المُذلَّقِ " شادٌّ ، و القياس على الشاذِّ في غير القرآن ممتنعٌ ، فكيف به ؟ ولأنَّ " أمَداً " : إمَّا أن ينتصب بأفعل ، وأفعلُ لا يعمل ، وإمَّا أن ينتصب بـ " لَبِثُوا " فلا يسدُّ عليه المعنى ، فإن زعمت أني أنصبه بفعلٍ مضمرٍ ، كما أضمر في قوله : @ 3490 - … وأضْرَبَ منَّا بالسُّيُوفِ القَوانِسَا @@ فقد أبعدتَّ المتناول ؛ حيث أبَيْتَ أن يكون " أحْصَى " فعلاً ، ثم رجعت مضطراً إلى تقديره " . وناقشه أبو حيان فقال : " أمَّا دعواه أنَّه شاذٌّ ، فمذهب سيبويه خلافه ، وذلك أنَّ أفعل فيه ثلاثةُ مذاهب : الجواز مطلقاً ، ويعزى لسيبويه ، والمنع مطلقاً ، وهو مذهبُ الفارسيِّ ، والتفصيل : بين أن يكون همزته للتعديةِ ، فيمتنع ، وبين ألاَّ تكون ، فيجوز ، وهذا ليست الهمزة فيه للتعدية ، وأما قوله : " أفْعَلُ لا يَعْملُ " فليس بصحيح ؛ لأنه يعمل في التمييز ، و " أمَداً " تمييزٌ لا مفعولٌ به ، كما تقول : زيدٌ أقطع النَّاس سيفاً ، وزيدٌ أقطع للْهَامِ سَيْفاً " . فصل قال شهاب الدين : الذي أحوج الزمخشريَّ إلى عدمِ جعله تمييزاً ، مع ظهوره في بادىء الرأي عدم صحَّة معناه ، وذلك : أنَّ التمييز شرطه في هذا الباب : أن تصحَّ نسبةُ ذلك الوصفِ الذي قبله إليه ، ويتَّصف به ؛ ألا ترى إلى مثاله في قوله : " زَيْدٌ أقطعُ النَّاس سَيْفاً " كيف يصحُّ أن يسند إليه ، فيقال : زيدٌ قطع سيفه ، وسيفه قاطعٌ ، إلى غير ذلك ، وهنا ليس الإحصاء من صفة الأمدِ ، ولا تصحُّ نسبته إليه ، وإنَّما هو من صفات الحزبين ، وهو دقيق . وكان أبو حيان نقل عن ابي البقاء نصبه على التمييز ، وأبو البقاء لم يذكر نصبه على التمييز حال جعله " أحْصَى " أفعل تفضيلٍ ، وإنما ذكر ذلك حين ذكر أنه فعل ماضٍ ، قال أبو البقاء : في أحصى وجهان : أحدهما : هو فعلٌ ماضٍ ، و " أمَداً " مفعوله . و " لما لبثُوا " نعتُ له ، قدِّم ، فصار حالاً ، أو مفعولاً له ، أي : لأجل لبثهم ، وقيل : اللام زائدة و " ما " بمعنى " الذي " و " أمداً " مفعول " لَبِثُوا " وهو خطأ ، وإنما الوجه أن يكون تمييزاً ، والتقدير : لما لبثوهُ . والوجه الثاني : هو اسم ، و " أمداً " منصوب بفعلٍ دلَّ عليه الاسم انتهى ، فهذا تصريح بأنَّ " أمَداً " حال جعله " أحْصَى " اسماً ، ليس بتمييز بل مفعول به بفعل مقدر ، وأنه جعله تمييزاً عن " لبثُوا " كما رأيت . ثم قال أبو حيَّان : " وأمَّا قوله وإمَّا أن ينصب بـ " لبثُوا " فلا يسدُّ عليه المعنى ، أي : لا يكون معناه سديداً ، فقد ذهب الطبريُّ إلى أنه منصوب بـ " لبِثوا " قال ابن عطيَّة : " وهو غير متَّجهٍ " انتهى ، وقد يتَّجه : وذلك أنَّ الأمد هو الغاية ، ويكون عبارة عن المدَّة من حيث إنَّ المدَّة غاية هي أمد المدَّة على الحقيقة ، و " ما " بمعنى " الذي " و " أمداً " منصوب على إسقاط الحرف ، وتقديره : لما لبثوا من أمدٍ ، أي : من مدة ، ويصير " مِنْ أمدٍ " تفسيراً لما أبهم من لفظ " ما " كقوله : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [ البقرة : 106 ] { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ } [ فاطر : 2 ] ولمَّا سقط الحرف ، وصل إليه الفعل " . قال شهاب الدين : يكفيه أنَّ مثل ابن عطيَّة جعله غير متَّجهٍ ، وعلى تقدير ذلك ، فلا نسلِّم أن الطبري عنى نصبه بـ " لَبِثُوا " مفعولاً به ، بل يجوز أن يكون عنى نصبه تمييزاً ؛ كما قاله أبو البقاء . ثم قال : وأمَّا قوله : فإنْ زَعَمْتَ إلى آخره ، فنقول : لا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنَّ لقائل ذلك أن يذهب مذهب الكوفيين في أنَّه ينصب " القَوانِسَ " بنفس " أضْرَبُ " ولذلك جعل بعض النحاة أنَّ " أعْلَمُ " ناصب لـ " مَنْ " في قوله : { أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ } [ الأنعام : 117 ] ، وذلك لأنَّ أفعل مضمَّن لمعنى المصدر ؛ إذ التقدير : " يزيدُ ضَرْبنَا القَوانِسَ على ضَرْبِ غَيْرنا " . قال شهاب الدين : هذا مذهبٌ مرجوحٌ ، وأفعل التفضيل ضعيف ، ولذلك قصر عن الصفةِ المشبهة باسم الفاعل ؛ حيث لم يؤنَّث ، ولم يثنَّ ، ولم يجمع . وإذا جعلنا " أحْصَى " اسماً فجوَّز أبو حيان في " أي " أن تكون الموصولة ، و " أحْصَى " خبر لمبتدأ محذوف ، هو عائدها ، وأنَّ الضمة للبناء على مذهب سيبويه لوجود شرط البناء ، وهو إضافتها لفظاً ، وحذف صدر صلتها ، وهذا إنما يكون على جعل العلم بمعنى العرفان ؛ لأنَّه ليس في الكلام إلا مفعولٌ واحدٌ ، وتقدير آخر لا حاجة إليه ، إلا أنَّ في إسناد " عَلِمَ " بمعنى عرف إلى الله تعالى إشكالاً تقدَّم تحريره في الأنفالِ وغيرها ، وإذا جعلناه فعلاً ، امتنع أن تكون موصولة ؛ إذ لا وجه لبنائها حينئذ ، وهو حسن . فصل في المراد بالحزبين روى عطاءٌ عن ابن عبَّاس أنَّ المراد بالحزبين الملوك الذين تداولوا المدينة ملكاً بعد ملك ، فأصحاب الكهف حزبٌ ، والملوك حزبٌ . وقال مجاهدٌ : " الحزبين " من قوم الفتية ؛ لأنَّهم لما انتبهوا ، اختلفوا في أنَّهم كم ناموا ؛ لقوله تعالى : { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُواْ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ } [ الكهف : 19 ] . وكأنَّ الذين قالوا : " ربُّكُمْ أعلم بِمَا لَبثْتُم " هم الذين علمُوا بطول مكثهم . وقال الفراء : هم طائفتان من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدَّة لبثهم . وقولهم : { أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُواْ } أي : أحفظ لما مكثُوا في كهفهم نياماً { أَمَدًا } أي : غاية . وقال مجاهد : عدداً .