Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 18-18)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً } أي : لو رأيتهم ، لحسبتهم . وقال شهاب الدِّين : لا حاجة إلى هذا التقدير . { أَيْقَاظاً } : جمع " يَقُظٍ " بضم القاف ، وبجمع على يقاظٍ ، ويقظ وأيقاظ ، كعضدٍ وأعضادٍ ، ويقظ ويقاظ ، كرجلٍ ورجالٍ ، وظاهرُ كلام الزمخشريِّ أنه يقال : " يقظٌ " بالكسر ؛ لأنه قال : وأيقاظٌ جمع " يقظٍ " كأنكاد في " نكدٍ " . وقال الأخفش ، وأبو عبيدة ، والزجاج : أيقاظٌ جمع يقظٍ ويقظان . وأنشدوا [ لرؤبة ] : [ الرجز ] @ 3499 - ووَجدُوا إخْوانَهُم أيْقَاظا … @@ وقال البغوي : أيقاظاً جمع يقيظ ويقظ ، واليقظة : الانتباه عند النَّوم . قال الواحديُّ : وإنما يحسبون أيقاظاً ؛ لأنَّ أعينهم مفتحةٌ ، وهم نيامٌ . وقال الزجاج : لكثرة تقلبهم يظنُّ أنهم أيقاظٌ ؛ لقوله تعالى : { وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱليَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ } والرقود جمع راقدٍ ، كقاعدٍ وقعود . فصل في مدة تقليبهم اختلفوا في مقدار مدَّة التَّقليب : فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : " أنَّ لهم في كلِّ عام تَقْليبَتَيْنِ " وعن مجاهدٍ : يمكثون رقوداً على أيمانهم تسع سنينَ ، ثم ينقلبون على شمائلهم ، فيمكثون رقوداً تسع سنين . وقيل : لهم تقليبة واحدة في يوم عاشوراء . وقال ابن الخطيب : وهذه التقديرات لا سبيل للعقل إليها ، والقرآن لا يدل عليها ، وما جاء فيه خبر صحيح ، فكيف يعرف ؟ وقال ابن عباس : فائدة تقليبهم ؛ لئلا تأكل الأرض لحومهم وتبليهم . قال ابن الخطيب : عجبت من ذلك ؛ لأنَّ الله تعالى قدر على أن يمسك حياتهم ثلاثمائة سنة وأكثر ، فلم لا يقدر على حفظ أجسامهم من غير تقليب ؟ ! . قوله : " ونُقلِّبهُم " قرأ العامة " نُقلِّبهُم " مضارعاً مسنداً للمعظِّم نفسه . وقرىء أيضاً بالياء من تحت ، أي : الله أو الملك ، وقرأ الحسن : " يُقلِبُهمْ " بالياء من تحت ساكن القاف ، مخفف اللام ، وفاعله ، إمَّا الله أو الملكُ . وقرأ أيضاً " وتَقَلُّبَهُم " بفتح التاء ، وضمِّ اللام مشددة مصدر تقلَّب كقوله : { وَتَقَلُّبَكَ فِي ٱلسَّاجِدِينَ } [ الشعراء : 219 ] ونصب الباء ، وخرَّجه أبو الفتح على إضمار فعل ، أي : ونرى تقلُّبهم ، أو نشاهد تقلُّبهم ، وروي عنه أيضاً رفع الباء على الابتداءِ ، والخبر الظرف بعده ، ويجوز أن يكون محذوفاً ، أي : آية عظيمة . وقرأ عكرمة " وتقلبُهمْ " بتاء التأنيث مضارع " قَلبَ " مخفَّفاً ، وفاعله ضمير الملائكةِ المدلولِ عليهم بالسِّياق . وقوله : " ذَاتَ " منصوب على الظَّرف ، لأنَّ المعنى : ونُقلِّبُهمْ من ناحية اليمين أو على ناحية " اليمين " كما تقدَّم في قوله : { تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ } [ الكهف : 17 ] . وقوله : { وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلوَصِيدِ } . قرأ العامة " وكَلْبُهمْ " وقرأ جعفر الصادق " كَالبُهمْ " أي : صاحب كلبهم كلابنٍ وتامرٍ ، ونقل أبو عمر الزاهدُ غلامُ ثعلبٍ " وكَالِئُهُمْ " بهمزة مضمومة اسم فاعل من كَلأ يَكْلأُ أي : حفظ يحفظُ . و " باسطٌ " اسم فاعل ماض ، وإنما عمل على حكاية الحال ، والكسائي يعمله ، ويستشهد بالآية . والوَصِيدُ : الباب ؛ قاله ابن عبَّاس والسديُّ . وقيل : العَتبَةُ . والكهفُ لا يكون له بابٌ ، ولا عتبة ، وإنما أراد موضع الباب . وقال الزجاج : الوصيد فناءُ البيت ، وفناء الدَّار . وقيل : الصَّعيدُ والتُّراب . قال الشاعر : [ الطويل ] @ 3500 - بأرْضِ فَضاءٍ لا يسدُّ وصيدُها عَليَّ ومَعرُوفِي بها غَيْرُ مُنْكرِ @@ وجمعه : وصائد ووصدٌ . وقيل : الوصيدُ : الصَّعيدُ والتراب . قال يونس ، والأخفش ، والفراء : الأصيدُ والوصيدُ لغتان ؛ مثل : الوكاف والإكاف . وقال مجاهدٌ ، والضحاك : " الوَصِيدُ " : الكهف . وأكثر المفسرين على أنَّ الكلب كان من جنس الكلاب . وروي عن ابن جريج : أنه كان أسداً ، وسمِّي الأسد كلباً ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على عتبة بن أبي لهبٍ ، فقال : " اللَّهُم سلِّط عليه كلباً من كِلابِكَ " فافترسه الأسدُ . قال ابن عباس : كان كلباً أغرَّ ، واسمه قطميرٌ ، وعن عليِّ : اسمه " ريَّان " . وقال الأوزاعي : يشور قال السدي : يور . وقال كعبٌ : صهباً . وقال مقاتل : كان كلباً أصفر . وقال الكلبيُّ : لونه كالحليج ، وقيل غير ذلك . قال خالد بن معدان : ليس في الجنَّة من الدوابِّ إلاَّ كلب أصحاب الكهف ، وحمار بلعام . قال ابن عباس وأكثر المفسرين : هربوا من ملكهم فمرُّوا براعٍ ، معه كلبٌ ، فتبعهم على دينهم ، ومعه كلبه . وقال الكلبيُّ : مرُّوا بكلبٍ فنبح عليهم ، فطردوه ، فعاد ، ففعلوا ذلك مراراً ، فقال لهم الكلب : لا تخشوا جانبي ؛ فإنِّي أحبُّ أحبَّاء الله ، فناموا ؛ حتَّى أحرسكم . فصل قال عبيد بن عميرٍ : كان ذلك كلب صيدهم ، ومعنى { بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ } ، أي : ألقاها على الأرض مبسوطتين ، غير مقبوضتين . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " اعتدلُوا في السُّجودِ ، ولا يَبْسُط أحدكم ذِرَاعيْهِ انْبسَاطَ الكلْبِ " . قال المفسرون : كان الكلب بسط ذراعيه ، وجعل وجهه عليهما . قوله : { لَوِ ٱطَّلَعْتَ } العامَّة على كسر الواو من " لَو اطَّلعْتَ " على أصل التقاء الساكنين ، وقرأها مضمومة أبو جعفرٍ ، وشيبة ، ونافع ، وابن وثَّاب ، والأعمش ؛ تشبيهاً بواوِ الضمير ، وتقدَّم تحقيقه . قوله : { لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً } لما ألبسهم الله من الهيبة ؛ حتَّى لا يصل إليهم أحدٌ ؛ حتى يبلغ الكتاب أجله ، فيوقظهم الله من رقدتهم . " فِرَاراً " يجوز أن يكون منصوباً على المصدر من معنى الفعل قبله ؛ لأنَّ التولِّي والفرارَ من وادٍ واحدٍ ، ويجوز أن يكون مصدراً في موضع الحالِ ، أي : فارًّا ، ويكون حالاً مؤكدة ، ويجوز أن يكون مفعولاً له . قوله : { وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً } قرأ ابن كثير ، ونافع " لمُلِّئْتَ " بالتشديد على التكثير . وأبو جعفرٍ ، وشيبة كذلك ، إلا أنه بإبدال الهمزة ياء ، والزهري بتخفيف اللام والإبدال ، وهو إبدال قياسي والباقون بتخفيف اللام ، و " رُعباً " مفعول ثانٍ : وقيل : تمييزٌ . قال الأخفش : الخفيفة أجود في كلام العربِ . يقولون : ملأتنِي رعباً ، ولا يكادون يعرفون ملأّتنِي ؛ ويدل على هذا أكثر استعمالهم ؛ كقوله : [ الوافر ] @ 3501 - فَتَمْلأ بَيْتنَا أقِطاً وسَمْنَا … @@ وقول الآخر : [ الطويل ] @ 3502أ - ومن مالِئٍ عَيْنَيْهِ مِنْ شيءِ غَيْرِهِ إذَا رَاحَ نحو الجمْرَةِ البِيضُ كالدُّمَى @@ وقال الآخر : [ الرجز ] @ 3502ب - لا تَمْلأ الدَّلو وعَرِّقْ فيها @@ وقال الاخر : [ الرجز ] @ 3503 - امْتَلأ الحَوضُ وقَالَ قَطْنِي @@ وقد جاء التثقيل أيضاً ، أنشدوا للمخبَّل السعديِّ : [ الطويل ] @ 3504 - وإذْ قتل النُّعْمانُ بالنَّاسِ مُحرِمَا … @@ وقرأ ابن عامر والكسائي " رُعباً " بضمِّ العين في جميع القرآن ، والباقون بالإسكان . فصل في سبب الرعب اختلفوا في ذلك الرُّعب كان لماذا ؟ فقيل : من وحشة المكان ، وقال الكلبي : لأنَّ أعينهم مفتَّحة ، كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلَّم ، وهم نيامٌ . وقيل : لكثرة شعورهم ، وطول أظفارهم ، وتقلُّبهم من غير حسٍّ ، كالمستيقظ . وقيل : إنَّ الله تعالى ، منعهم بالرُّعب ؛ لئلاَّ يراهم أحدٌ . ورُوِيَ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبَّاس ، قال : غزونا مع مُعاويةَ نحو الرُّومِ ، فمَررْنَا بالكَهْفِ الذي فِيهِ أصْحابُ الكهفِ ، فقال مُعاوِيةُ : لو كُشِفَ لنَا عنْ هؤلاءِ ، لنَظَرْنَا إليْهِمْ ، فقَال ابْنُ عبَّاسٍ : قَدْ مَنَعَ الله ذلِكَ مَنْ هُو خَيْرٌ مِنْكَ : { لو اطَّلعْتَ عَليْهِم لولَّيتَ مِنهُم فراراً } ، فبعث معاوية ناساً ، فقال : اذهبوا ، فانظروا ، فلمَّا دخلوا الكهف ، بعث الله عليهم ريحاً ، أخرجتهم .