Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 30-31)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } الأية . لما ذكر وعيد المبطلين ، أردفه بوعد المحقِّين ، وهذه الآية تدل على أنَّ العمل الصالح مغايرٌ للإيمان ؛ لأنَّ العطف يوجب المغايرة . قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } : يجوز أن يكون خبر " إنَّ الَّذينَ " والرابط : إمَّا تكرر الظاهر بمعناه ، وهو قول الأخفش ، ومثله في الصلة جائزٌ ، ويجوز أن يكون الرابط محذوفاً ، أي : منهم ، ويجوز أن يكون الرابط العموم ، ويجوز أن يكون الخبر قوله : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ } ويكون قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } اعتراضاً ، قال ابن عطية : ونحوه في الاعتراض قوله : [ البسيط ] @ 3517 - إنَّ الخَلِيفَةَ إنَّ الله ألبَسهُ سِربَالَ مُلكٍ بهِ تُزْجَى الخَواتِيمُ @@ قال أبو حيَّان : ولا يتعيَّنُ أن يكون " إنَّ الله ألبسَهُ " اعتراضاً ؛ لجواز أن يكون خبراً عن " إنَّ الخليفة " . قال شهاب الدين : وابن عطيَّة لم يجعل ذلك معيَّناً بل ذكر أحد الجائزين فيه ، ويجوز أن تكون الجملتان - أعني قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ } وقوله { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ } - خبرين لـ " إنَّ " عند من يرى جواز تعدد الخبر ، وإن لم يكونا في معنى خبر واحد . وقرأ الثقفيُّ " لا نُضيِّعُ " بالتشديد ، عدَّاه بالتشديد ، كما عدَّاه الجمهور بالهمزة . وقيل : ولك أن تجعل " أولئك " كلاماً مستأنفاً بياناً للأجرِ المبهمِ . فصل قال ابن الخطيب : قوله : { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } ظاهره يقتضي أنَّه استوجب المؤمن على الله بحسن عمله أجراً ، وعندنا الاستيجاب حصل بحكم الوعد . وعند المعتزلة : بذات الفعل ، وهو باطلٌ ؛ لأنَّ نعم الله كثيرةٌ ، وهي موجبةٌ للشكر والعبوديَّة ، فلا يصير الشُّكر والعبودية بموجبٍ لثوابٍ آخر ؛ لأنَّ أداء الواجب لا يوجبُ شيئاً آخر . واعلم أنَّه تعالى ، لمَّا أثبت الأجر المبهم ، أردفه بالتفصيل ، فبيَّن أولاً صفة مكانهم ، فقال : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } والعدنُ في اللغة عبارة عن الإقامة ، يقال : عدن بالمكان ، إذا أقام به ، فيجوز أن يكون المعنى : أولئك لهم جنات إقامة [ كما يقال : دار إقامة ] ويجوز أن يكون العدن اسماً [ الموضع ] معيَّن في الجنَّة ، وهو وسطها . وقوله : " جنَّاتُ " اسم جمع ، فيمكن أن يكون المراد ما قاله تعالى { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] ثم قال : { وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 62 ] ويمكن أن يكون المراد نصيب كلِّ واحدٍ من المكلَّفين جنَّة على حدةٍ ، ثم ذكر أنَّ من صفات تلك الجنات أنَّ الأنهار تجري من تحتها ، وذلك لأنَّ أحسن مساكن الدنيا البساتين التي تجري فيها الأنهار ، ثمَّ ذكر ثانياً أنَّ لباسهم فيها ينقسم قسمين : لباسُ التستُّر ، ولباس التحلِّي . فأمَّا لباس التحلِّي فقال : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } فقيل : على كلِّ واحد منهم ثلاثة أسورة : سوارٌ من ذهبٍ لهذه الآية ، وسوار من فضَّة ؛ لقوله : { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } [ الإنسان : 21 ] ، وسوار من لؤلؤ ؛ لقوله { وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } [ الحج : 23 ] . وأمَّا لباسُ التستُّر ، فلقوله : { وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } . فالأول : هو الدِّيباجُ الرَّقيق . والثاني : هو الديباجُ الصَّفيق . وقيل : أصله فارسيٌّ معرَّبٌ ، وهو " إستبره " : أي غليظٌ . قوله : { مِنْ أَسَاوِرَ } : في " مِنْ " هذه أربعة أوجه : الأوّل : أنها للابتداءِ . والثاني : أنها للتبعيض . والثالث : أنها لبيان الجنس ، أي : أشياء من أساور . والرابع : أنها زائدة عند الأخفش ؛ ويدلُّ عليه قوله : { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ } [ الإنسان : 21 ] . [ ذكر هذه الثلاثة الأخيرة أبو البقاء ] . وأساور جمع أسورةٍ ، [ وأسْوِرَة ] جمع سِوار ، كحِمار وأحْمِرة ، فهو جمع الجمع . وقيل : جمع إسوارٍ ، وأنشد : [ الرجز ] @ 3518 - واللهِ لَوْلاَ صِبْيَةٌ صِغَارُ كَأنَّمَا وجُوهُهمْ أقْمَارُ أخَافُ أنْ يُصِيبَهُمْ إقْتَارُ أو لاطِمٌ ليْسَ لهُ إسْوَارُ لمَّا رَآنِي مَلِكٌ جَبَّارُ بِبَابهِ مَا طَلَعَ النَّهارُ @@ وقال أبو عبيدة : هو جمع " إسوارٍ " على حذف الزيادة ، وأصله أساوِيرُ . وقرأ أبان ، عن عاصم " أسْوِرَة " جمع سوارٍ ، وستأتي إن شاء الله تعالى في الزخرف [ الزخرف : 30 ] هاتان القراءتان في المتواتر ، وهناك يذكر الفرق إن شاء الله تعالى . والسِّوارُ يجمع في القلَّة على " أسْوِرَةٍ " وفي الكثرة على " سُورٍ " بسكون الواو ، وأصلها كقُذلٍ وحُمرٍ ، وإنما سكنت ؛ لأجل حرف العلَّة ، وقد يضمُّ في الضرورة ، قال : [ السريع ] @ 3519 - عَنْ مُبرِقاتٍ بالبُرِينِ وتَبْـ ـدُو في الأكُفِّ اللامعاتِ سُورْ @@ وقال أهل اللغة : السِّوارُ : ما جعل في الذِّراعِ من ذهبٍ ، أو فضَّة ، أو نحاسٍ ، فإن كان من عاج ، فهو قلبٌ . قوله : " مِنْ ذهبٍ " يجوز أن تكون للبيان ، أو للتبعيض ، ويجوز أن تتعلق بمحذوفٍ ؛ صفة لأساور ، فموضعه جرٌّ ، وأن تتعلق بنفس " يُحلَّوْنَ " فموضعها نصبٌ . قوله : " ويَلْبَسُونَ " عطف على " يُحلَّوْن " وبني الفعل في التحليةِ للمفعول ؛ إيذاناً بكرامتهم ، وأنَّ غيرهم يفعل بهم ذلك ويزيِّنهم به ، كقول امرىء القيس : [ الطويل ] @ 3520 - عَرائِسُ في كِنٍّ وصَوْنٍ ونَعْمَةٍ يُحلَّيْنَ يَاقُوتاً وشَذْراً مُفقَّرا @@ بخلاف اللِّبس ، فإنَّ الإنسان يتعاطاه بنفسه ، وقدِّم التَّحلِّي على اللباس ؛ لأنه أشهى للنَّفس . وقرأ أبان عن عاصم " ويَلْبِسُونَ " بكسر الباء . قوله : { مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } " مِنْ " لبيانِ الجنس ، وهي نعتٌ لثياب . والسُّندسُ : ما رقَّ من الدِّيباج ، والإستبرق : ما غلظ منه وعن أبي عمران الجونيِّ قال : السُّندسُ : هو الديباجُ المنسوج بالذَّهب ، وهما جمعُ سندسةٍ وإستَبْرقةٍ ، وقيل : ليسا جمعين ، وهل " إسْتَبْرق " عربيُّ الأصل ، مشتقٌّ من البريق ، أو معرب أصله إستبره ؟ خلاف بين اللغويين . وقيل : الإستبرق اسم للحرير وأنشد للمرقش : [ الطويل ] @ 3521 - تَراهُنَّ يَلبَسْنَ المشَاعِر مرَّةً وإسْتَبْرَقُ الدِّيباجِ طَوراً لِباسُهَا @@ وهو صالحٌ لما تقدَّم ، وقال ابن بحرٍ : " الإستبرقُ : ما نسج بالذَّهب " . ووزن سُنْدسٍ : فُعْلُلٌ ، ونونه أصليةٌ . وقرأ ابن محيصن " واستبرق " بوصل الهمزة وفتح القافِ غير منونة ، فقال ابن جنِّي : " هذا سهوٌ ، أو كالسَّهو " قال شهاب الدين : كأنه زعم أنَّه منعه الصَّرف ، ولا وجه لمنعه ؛ لأنَّ شرط منع الاسم الأعجمي : أن يكون علماً ، وهذا اسم جنسٍ ، وقد وجَّهها غيره على أنه جعلها فعلاً ماضياً من " البريق " و " استَفْعَلَ " بمعنى " فعل " المجرد ؛ نحو : قرَّ ، واستقرَّ . وقال الأهوازيُّ في " الإقناعِ " : " واسْتَبْرَقَ بالوصل وفتح القاف حيث كان لا يصرفه " وظاهر هذا أنه اسم ، وليس بفعلٍ ، وليس لمنعه وجه ؛ كما تقدَّم عن ابن جنِّي ، وصاحب " اللوامح " لمَّا ذكر وصل الهمزة ، لم يزد على ذلك ، بل نصَّ على بقائه منصرفاً ، ولم يذكر فتح القاف أيضاً ، وقال ابنُ محيصنٍ : " واسْتَبْرَق " بوصل الهمزة في جميع القرآن ، فيجوز أنه حذف الهمزة تخفيفاً ؛ على غير قياسٍ ، ويجوز أنَّه جعله عربيًّا من بَرِق يبرقُ بريقاً ، ووزنه استفعل ، فلمَّا سمِّي به ، عامله معاملة الفعل في وصل الهمزة ، ومعاملة التمكين من الأسماء في الصَّرف والتنوين ، وأكثر التفاسير على أنَّه عربية ، وليس بمستعربٍ ، دخل في كلامهم ، فأعربوه . قوله : " مُتَّكئين " حالٌ ، والأرائِكُ : جمع أريكةٍ ، وهي الأسرَّة ، بشرط أن تكون في الحجالِ ، فإن لم تكن لم تسمَّ أريكة ، وقيل : الأرائكُ : الفرشُ في الحجالِ أيضاً ، وقال الراغب : " الأريكةُ : حجلة على سريرٍ ، فتسميتها بذلك : إمَّا لكونها في الأرض متَّخذة من أراك ، أو من كونها مكاناً للإقامة ؛ من قولهم : أَرَكَ بالمكانِ أروكاً ، وأصل الأروكِ الإقامة على رعي الأرَاكِ ، ثم تجوز به في غيره من الإقامات " . وقرأ ابن محيصن " عَلَّرائِكِ " وذلك : أنه نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف ، فالتقى مثلان : لام " على " - فإنَّ ألفها حذفت ؛ لالتقاء الساكنين - ولام التعريف ، واعتدَّ بحركة النقل ، فأدغم اللام في اللام ؛ فصار اللفظ كما ترى ، ومثله قول الشاعر : [ الطويل ] @ 3522 - فَمَا أصْبحَتْ عَلَّرْضِ نفسٌ بَريئةٌ ولا غَيْرُهَا إلاَّ سُليْمَانُ نَالهَا @@ يريد " عَلَى الأرض " وقد تقدَّم قراءة قريبة من هذه أوَّل البقرة : " بما أنزِلَّيكَ " ، أي : أنزل إليك . قوله : " نعم الثواب " أي : نعم الجزاء . قوله : { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } مجلساً ، ومقرّاً ، وهذا في مقابلة قوله : { وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً } [ الكهف : 29 ] .