Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 4-5)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنَّ قوله : { وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } معطوف على قوله : { لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ } [ الكهف : 2 ] ، والمعطوف يجب كونه مغايراً للمعطوف عليه ، فالأول عام في حقِّ كلِّ من استحقَّ العذاب ، والثاني خاصٌّ بمن قال : إنَّ الله اتَّخذ ولداً ، والقرآن جارٍ بأنه إذا ذكر الله قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها ؛ تنبيهاً على كون ذلك البعض المعطوف أعظم جزئيات ذلك الكلي [ أيضاً ] ، كقوله تعالى : { وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَٰلَ } [ البقرة : 98 ] فكذا ها هنا يدل على أن أعظم أنواعِ الكفر والمعصيةِ إثباتُ الولد لله تعالى . فصل واعلم أنَّ المثبتين لله تعالى الولد ثلاث طوائف : الأولى : كفار العرب الذين قالوا : الملائكة بناتُ الله . الثانية : النصارى قالوا : المسيحُ ابن الله . الثالثة : اليهود ، [ حيث ] قالوا : العزير ابنُ الله . واعلم أنَّ إثبات الولد لله كفرٌ عظيمٌ ، وتقدَّم الكلام على ذلك في سورة الأنعام في قوله : { وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 100 ] وسيأتي تمامه - إن شاء الله تعالى - في سورة مريم ؛ لأنَّه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد من وجهين : الأول : قوله : { مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ } . فإن قيل : اتخاذ الله تعالى الولد محالٌ في نفسه ، فكيف قيل : { مَّا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ } [ الزخرف : 20 ] ؟ . فالجوابُ أنَّ انتفاء العلم بالشيء قد يكون للجهل بالطريق الموصل إليه ؛ وقد يكون لأنَّه في نفسه محالٌ ، لا يمكن تعلق العلم به ، ونظيره قوله : { وَمَن يَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـهَا آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ } [ المؤمنون : 117 ] . فصل تمسَّك نفاة القياس بهذه الآية ، فقالوا : دلَّت هذه الآية على أن القول في الدِّين بغير علمٍ باطل ، والقول بالقياس الظنيِّ قول في الدِّين بغير علمٍ ، فيكون باطلاً . وجوابه تقدم عند قوله : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] . وقوله : { وَلاَ لآبَائِهِمْ } أي أحداً من أسلافهم ، وهذه مبالغة في كون تلك المقالة فاسدة باطلاة جدًّا . قوله : { مَّا لَهُمْ بِهِ } : أي : بالولد ، أو باتخاذه ، أو بالقول المدلول عليه بـ " اتَّخَذَ " وبـ " قَالُوا " ، وبالله . وهذه الجملة المنفية فيها ثلاثة أوجه : أظهرها : أناه مستأنفة ، سيقت للإخبار بذلك . والثاني : أنها صفة للولد ، قاله المهدويُّ ، وردَّه ابن عطية : بأنه لا يصفه بذلك إلاَّ القائلون ، وهم لم يقصدوا وصفه بذلك . الثالث : أنها حالٌ من فاعل " قالوا " ، أي : قالوه جاهلين . و " مِنْ عِلم " يجوز أن يكون فاعلاً ، وأن يكون مبتدأ ، والجارُّ هو الرافع لاعتماده أو الخبر ، و " مِنْ " مزيدة على كلا القولين . قوله : " كَبُرتْ كلمة " في فاعل " كَبُرتْ " وجهان : أحدهما : أنه مضمرٌ عائد على مقالتهم المفهومة من قوله : { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ } أي : كبر مقالهم ، و " كلمة " نصب على التمييز ، ومعنى الكلام على التعجُّب ، أي : ما أكبرها كلمة ، و " تَخرُج " الجملة صفة لـ " كَلمةٌ " ويؤذنُ باستعظامها لأنَّ بعض ما يهجس في الخاطر لا يجسر الإنسان على إظهاره باللفظ . والثاني : أن الفاعل مضمر مفسر بالنكرة بعده المنصوبة على التمييز ، ومعناها الذمُّ ؛ كـ " بِئْسَ رجلاً " فعلى هذا : المخصوصُ بالذمِّ محذوف ، تقديره : كبرت هي الكلمة كلمة خارجة من أفواههم تلك المقالة الشنعاءُ . وقرأ العامة " كلمة " بالنصب ، وفيها وجهان : النصبُ على التمييز تقديره كبرت الكلمة . قال الواحديُّ : ومعنى التمييز : أنَّك إذا قلت : كبرت المقالة أو الكلمة ، جاز أن يتوهم أنَّها كبرت كذباً ، أو جهلاً ، أو افتراء ، فلما قلت : " كَلِمَة " فقد ميَّزتها من محتملاتها ، فانتصبت على التَّمييز ، والتقدير : كبرت الكلمة كلمة ، فحصل فيه الإضمار . وأمَّا من رفع " كلمةٌ " فلا يضمر شيئاً . قال النحويُّون : النصب أقوى وأبلغ . وقد تقدَّم تحقيقه في الوجهين السابقين . والثاني : النصب على الحال ، وليس بظاهر وقيل : نصباً على حذف حرف الجرّ ، والتقدير : " مِنْ كَلمَةٍ " فحذف " مِنْ " فانتصب . قوله : " تَخرجُ " في الجملة وجهان : أحدهما : هي صفة لكلمة . والثاني : أنها صفة للمخصوص بالذَّم المقدر ، تقديره : كبرت كلمةٌ خارجةٌ كلمةً . وقرأ الحسن ، وابن محيصنٍ ، وابن يعمر ، وابن كثير - في رواية القوَّاس عنه - " كَلمَةٌ " بالرفع على الفاعلية ، و " تَخْرجُ " صفة لها أيضاً ، وقرىء " كَبْرَتْ " بسكون الباء ، وهي لغة تميم . قوله : " كَذِباً " فيه وجهان : أحدهما : هو مفعولٌ به ؛ لأنه يتضمَّن معنى جملة . والثاني : هو نعت مصدر محذوف ، أي : قولاً كذباً . فصل في المراد من الكلمة المراد من هذه الكلمة هو قولهم : { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } فصارت مضمرة في " كَبُرتْ " ، وسمِّيت : " كلمة " كما يسمُّون القصيدة كلمة . وقوله : { تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } أي : هذا الذي يقولونه ، لا يحكم به عقلهم وفكرهم ألبتَّة ؛ لكونه في غاية الفساد والبطلان ، فكأنَّه يجري على لسانهم على سبيل التقليد { إِن يَقُولُونَ } ، أي : ما يقولون إلاَّ كذباً . واختلف النَّاس في حقيقة الكذب ، فقيل : هو الخبر الذي لا يطابقُ المخبر عنه . وقيل : قال بعضهم : يشترط علم قائله بأنَّه غير مطابقٍ . قال ابن الخطيب : وهذا القيد عندنا باطلٌ ؛ لأنَّه تعالى وصف قولهم بإثبات الولد لله بكونه كذباً مع أن الكثير منهم يقول ذلك ، ولا يعلم كونه كذباً باطلاً ، فعلمنا أن كلَّ خبر لا يطابقُ المخبر عنه ، فهو كذبٌ ، سواءٌ علم القائل بكونه كذباً ، أو لم يعلم . ويمكن أن يجاب بأنَّ الله تعالى ، إنما وصف علماءهم المحرِّفين للكلم عن مواضعه ، ودخل المقلِّدون على سبيل التَّبع عليه . فصل في الرد على النّظام احتجَّ النظَّام على أنَّ الكلام جسمٌ بهذه الآية ، قال : لأنَّه تعالى وصف الكلمة بأنَّها تخرجُ من أفواههم ، والخروجُ عبارة عن الحركةِ ، والحركةُ لا تصحُّ إلاَّ على الأجسام ، وأجيب : بأنَّ الحروف والأصوات إنَّما تحدث بسبب خروجِ النفس من الحلق ، فلما كان خروج النَّفسِ سبباً لحدوثِ الكلمةِ ، أطلق لفظ الخروج على الكلمة .