Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 6-6)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والمقصود منه أنَّه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يعظم حزنك وأسفك ؛ بسبب كفرهم ، فإنَّا بعثناك منذراً ومبشّراً ، فأما تحصيلُ الإيمان في قلوبهم ، فلا قدرة لك عليه ، والغرض منه تسلية الرَّسُول صلى الله عليه وسلم . ومعنى : " بَاخعٌ نَفْسكَ " أي : قاتلٌ نفسك . قال الليثُ : بخع الرَّجلُ نفسه إذا قتلها غيظاً من شدَّة وجده ، والفاء في قوله : ( فَلعلَّكَ ) قيل : جواب الشرط ، وهو قوله : { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ } قدم عليه ، ومعناه التأخير . وقال الجمهور : جواب الشرط محذوف لدلالة قوله : " فَلعلَّكَ " . و " لَعلَّكَ " قيل : للإشفاق على بابها . وقيل : للاستفهام ، وهو رأيُ الكوفيِّين . وقيل : للنَّهي ، أي : لا تَبْخَعْ . والبَخْعُ : الإهلاك ، يقال : بَخَع الرجل نفسه يَبخَعُهَا بَخْعاً وبُخُوعاً ، أهلكها وجداً . قال ذو الرمة : [ الطويل ] @ 3483 - ألا أيُّهذا البَاخِعُ الوجْدُ نفسهُ لِشيءٍ نَحَتْهُ عَن يَديْهِ المَقادِرُ @@ يريد : نحَّته بالتشديد ، فخفف ، قال الأصمعي : كان ينشده : " الوَجْدَ " بالنصب على المفعول له ، وأبو عبيدة رواه بالرَّفع على الفاعلية بـ " البَاخِع " . وقيل : البَخْعُ : أن تضعفَ الأرض بالزِّراعةِ ، قاله الكسائي ، وقيل : هو جهدُ الأرضِ وعلى هذا معنى " بَاخعٌ نَفْسكَ " أي ناهكها وجاهدها ؛ حتَّى تهلكها ، وقيل : هو جهد الأرض في حديث عائشة - رضي الله عنها - عن عمر : " بَخَعَ الأرض " تعني جهدها ؛ حتَّى أخذ ما فيها من أموالِ ملوكها ، وهذا استعارة ، ولم يفسِّره الزمخشري هنا بغير القتل والإهلاك ، وقال في سورة الشعراء : " البَخْع " : أن يبلغَ بالذَّبْح البِخَاع بالباء وهو عرقٌ مستبطن الفقار ، وذلك أقصى حدِّ الذابح . قال شهاب الدين : وسمعت شيخنا علاء الدين القونيَّ يقول : " تَتبَّعتُ كُتبَ الطبِّ والتشريح ، فلم أجد لهذا أصلاً " . فصل يحتمل أنه لما ذكروه ، سمَّوه باسم آخر ؛ لكونه أشهر فميا بينهم . وقال الرَّاغب : " البَخْعُ : قتلُ النفس غمًّا " ثم قال : " وبَخعَ فلانٌ بالطاعة ، وبما عليه من الحق : إذا أقرَّ به ، وأذعن مع كراهةٍ شديدةٍ ، تجري مجرى بخعِ نفسه في شدَّته " . قوله : " عَلى آثَارِهمْ " متعلقٌ بـ " بَاخِعٌ " أي : من بعد هلاكهم . يقال : مات فلانٌ على أثر فلانٍ ، أي بعده ، وأصل هذا أنَّ الإنسان ، إذا مات ، بقيت علاماتهُ ، وآثارهُ بعد موته مدَّة ، ثمَّ إنَّها تنمحي وتبطل بالكليَّة ، فإذا كان موته قريباً من [ موت ] الأول ، كان موته حاصلاً حال بقاءِ آثار الأول ، فصحَّ أن يقال : مات فلانٌ على أثرِ فلانٍ . قوله : { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } يعني القرآن . قال القاضي : وهذا يقتضي وصف القرآن بأنه حديثٌ ، وذلك يدلُّ على فساد قول من يقول : إنه قديمٌ . وأجيب بأنه محمول على الألفاظ ، وهي حادثة . قوله : { إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ } : قرأ العامة بكسر " إنْ " على أنها شرطية ، والجواب محذوفٌ عند الجمهور ؛ لدلالة قوله : " فَلعلَّكَ " ، وعند غيرهم هو جوابٌ متقدِّم ، وقرىء : " أنْ لَمْ " بالفتح ؛ على حذف الجارِّ ، أي : لأنْ لم يؤمنوا . وقُرىء " بَاخِعُ نَفْسِكَ " بالإضافة ، والأصل النصبُ ، وقال الزمخشريُّ : " وقرىء " بَاخعُ نَفْسكَ " على الأصل ، وعلى الإضافة . أي : قاتلها ومهلكها ، وهو للاستقبال فيمن قرأ " إنْ لمْ يُؤمِنُوا " ، وللمضيِّ فيمن قرأ " إنْ لم تُؤمنوا " بمعنى : لأن لم تُؤمِنُوا " يعني أنَّ باخعاً للاستقبال في قراءة كسر " إنْ " فإنها شرطية ، وللمضيِّ في قراءةِ فتحها ، وذلك لا يأتي إلا في قراءة الإضافة ؛ إذ لا يتصوَّر المضيُّ مع النصب عند البصريين ، وعلى هذا يلزم ألاَّ يقرأ بالفتح ، إلا من قرأ بإضافة " بَاخِع " ، ويحتاج في ذلك إلى نقل وتوقيف . قوله : " أسفاً " يجوز أن يكون مفعولاً من أجله ، والعامل فيه " بَاخعٌ " وأن يكون مصدراً في موضع الحال من الضمير في " بَاخعٌ " . والأسف : الحزن ، وقيل : الغضب ، وقد تقدَّم في الأعراف عند قوله : { غَضْبَانَ أَسِفاً } [ الأعراف : 150 ] وفي يوسف عند قوله : { يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ } [ يوسف : 84 ] .