Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 55-58)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } الآية . تقدم إعراب نظيرها في آخر السورة قبلها . فإن قلت : قالت المعتزلةُ : الآية دالةٌ على أنَّه لم يوجد ما يمنع عن الإقدام على الإيمانِ ، وذلك يدلُّ على فساد قول من يقول : إنه حصل المانعُ . [ فالجواب ] بأن العلم بأنه لا يؤمنُ مضادٌّ لوجود الإيمان ، وإذا كان ذلك العلم قائماً ، كان المانعُ قائماً . وأيضاً : قول الداعي إلى الكفر مانعٌ من حصول الإيمان . وإذا ثبت هذا ، ظهر أن المراد مقدار الموانع المحسوسة . فصل في معنى الآية المعنى : { وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ } : القرآن والإسلام والبيان من الله عزَّ وجلَّ . وقيل : إنه الرسول صلى الله عليه وسلم . قوله : { وَيَسْتَغْفِرُواْ رَبَّهُمْ } ويتوبوا . قوله : { إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ ٱلأَوَّلِينَ } وهو عذاب الاستئصال وقيل : إلا طلب أن يأتيهم سنَّة الأولين من معاينة العذاب ، كما قالوا : { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الأنفال : 32 ] . قوله : { أَوْ يَأْتِيَهُمُ ٱلْعَذَابُ قُبُلاً } . قال ابن عباس : أي عياناً من المقابلة . وقال مجاهد : فجأة . قرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم ، وأبو جعفر بضمِّ القاف والباء ، جمع قبيل : أي أصناف العذاب نوعاً نوعاً ، والباقون بكسر القاف ، وفتح الباء ، أي عياناً . وروى الزمخشري : " قَبَلاً " بفتحتين ، أي : [ مستقبلاً ، والمعنى : ] أنهم لا يقدمون على الإيمان إلا عند نُزُول العذاب . واعلم أنَّهم لا يوقفون الإقدام على الإيمان على أحد هذين الشرطين ؛ لأنَّ العاقل لا يرضى بحُصُول الأمرين إلا أنَّ حالهم بحال من وقف العمل على أحد هذين الشَّرطين . ثم بيَّن تعالى أنه إنما أرسل الرُّسُل مبشِّرين ومُنْذرين بالعقاب على المعصية ؛ لكي يؤمنوا طوعاً ، ومع هذه الأحوال يوجد من الكُفَّار المجادلة بالباطل ؛ لغرض دحض الحقِّ ؛ وهذا يدُلُّ على أنَّ الأنبياء كانوا يجادِلُونهم ، كما تقدَّم من أنَّ المجادلة إنَّما تحصُلُ من الجانبين ، ومجادلتُهُمْ قولهم : { أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 94 ] ، وقولهم : { لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . قوله : { ليُدْحِضُوا } : متعلِّقٌ بـ " يُجادِلُ " والإدْحاض : الإزلاقُ ، يقال : أدحض قدمه ، أي : أزلقها ، وأزلَّها من موضعها . والحجَّة الداحضة الَّتي لا ثبات لها لزلزلة قدمها ، والدَّحضُ : الطِّين ؛ لأنه يُزلقُ فيه ، قال : [ الطويل ] @ 3539 - أبَا مُنْذِرٍ رُمْتَ الوَفَاءَ وَهِبْتَهُ وَحِدْتَ كَمَا حَادَ البَعِيرُ عَنِ الدَّحْضِ @@ وقال آخر : [ الطويل ] @ 3540 - [ وَرَدْتُ وَنَجَّى اليَشْكُرِيّ حِذَارُهُ وَحَادَ كَمَا حَادَ البَعيرُ عَنِ الدَّحْضِ ] @@ و " مكانٌ دَحْضٌ " مِنْ هذا . قوله : " وَمَا أُنْذِرُوا " يجوزُ في " مَا " هذه أَنْ تكون مصدريَّةً ، وأَنْ تكون بمعنى " الَّذي " والعائد محذوف ، وعلى التقديرين ، فهي عطفٌ على " آياتي " . و " هُزُواً " مفعولٌ ثانٍ أو حالٌ ، وتقدَّم الخلافُ في " هُزُواً " في قوله { وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً } وفيه إضمار أي وما أنذروا به ، وهو القرآن " هُزُواً " أي استهزاء . قوله تعالى : { وَمَنْ أظْلَمُ } الآية . تقدم إعراب نظيرها في الأنعام ، واعلم أنَّه تعالى لمَّا حكى عن الكفَّار جدالهم بالباطل ، وصفهم بالصِّفات الموجبة للخزي والخذلان ، فقال : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ } . أي : لا ظلم أعظم من كفر من ترد عليه الآيات ، فيعرض عنها ، ويتركها ، ولم يؤمن بها ونسي ما قدَّمت يداه ، أي : مع إعراضه عن التأمُّل في الدلائلِ والبيِّنات يتناسى ما قدمت يداه من الأعمال المنكرة ، والمراد [ بالنِّسيان ] التَّشاغل والتغافل عن كفره المتقدِّم . قوله : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أي : أغطية . قوله : { أَن يَفْقَهُوهُ } لئلاَّ يفقهوه . قوله : { وَفِي ءَاذَانِهِمْ وَقْراً } صمماً وثقلاً . قوله : { وَإِن تَدْعُهُمْ } يا محمد { إِلَىٰ ٱلْهُدَىٰ } إلى الدين . قوله : { فَلَن يَهْتَدُوۤاْ إِذاً أَبَداً } وهذا في أقوام ، علم الله منهم أنهم لا يؤمنون . وتقدَّم الكلام على هذه الآية في سورة الأنعام . والعجب أنَّ قوله : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } متمسَّكُ القدريَّة . وقوله : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } متمسَّك الجبرية ، وقلما تجد آية في القرآن لأحد هذين الفريقين إلا ومعها آية للفريق الآخر ، والتجربة تكشف عن صدق هذا ، وما ذاك إلا امتحانٌ من الله ألقاه على عباده ، ليتميَّز العلماء الراسخُون عن المقلِّدين . ثم قال : { وَرَبُّكَ ٱلْغَفُورُ ذُو ٱلرَّحْمَةِ } . " الغَفورُ " : البليغ المغفرة ، وهو إشارة غلى دفع المضارِّ { ذُو ٱلرَّحْمَةِ } : الموصوف بالرحمة ، وإنَّما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة ، لا في الرحمة ؛ لأنَّ [ المغفرة ] ترك [ الإضرار ] . قوله : { بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ } : يجوز في " المَوعِد " أن يكون مصدراً أو زماناً أو مكاناً . والمَوئِلُ : المرجعُ ، من وأل يَئِلُ ، أي : رجع ، وهو من التأويل ، وقال الفراء : " المَوْئِلُ : المنجى ، وألَتْ نفسه ، أي : نَجَتْ " قال الأعشى : [ البسيط ] @ 3541 - وقَدْ أخَالِسُ ربَّ البيتِ غَفْلتهُ وقَدْ يُحَاذِرُ منِّي ثمَّ ما يَئِلُ @@ أي : ما ينجو ، وقال ابن قتيبة : " المَوْئِلُ : الملجأ " . يقال : وأل فلانٌ إلى فلانٍ يئلُ وألاً ، وَوُءُولاً ، إذا لجأ إليه ، وهو هنا مصدر . و " مِنْ دُونهِ " متعلق بالوجدان ؛ لأنه متعدٍّ لواحدٍ ، أو بمحذوف على أنه حال من " مَوْئِلاً " . وقرأ أبو جعفر " مَوِلاً " بواو مكسورة فقط ، والزهري : بواو مشددة فقط ، والأولى أقيس تخفيفاً .