Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 7-8)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا } الآية . قال القاضي : وجه النَّظم كأنه يقول : يا محمد ، إنِّي خلقتُ الأرض ، وزينتها ، وأخرجتُ منها أنواع المنافع والمصالح ، وأيضاً ، فالمقصود من خلقها بما فيها من المصالح ابتلاء الخلق بهذه التكاليف ، ثم إنَّهم يكفرون ويتمرَّدون ، ومع ذلك ، فلا أقطع عنهم موادَّ هذه النِّعم ، فأنت أيضاً يا محمد لا يهمُّك الحزن ؛ بسبب كفرهم إلى أن تترك الاشتغال بدعوتهم إلى الدِّين . قوله : { زِينَةً } : يجوز أن ينتصب على المفعول له ، وأن ينتصب على الحال ، إن جعلت " جَعلْنَا " بمعنى " خَلقْنَا " ويجوز أن يكون مفعولاً ثانياً ، إن كانت " جَعَلَ " تصييرية ، و " لها " متعلق بـ " زَينةً " على العلَّة ، ويجوز أن تكون اللام زائدة في المفعول ، ويجوز أن تتعلق بمحذوفٍ صفة لـ " زينةً " . وقوله : " لنَبْلُوهُمْ " متعلق بـ " جَعلْنَا " بمعنييه . قوله : " أيُّهمْ أحْسنُ " يجوز في " أيُّهُمْ " وجهان : أحدهما : أن تكون استفهامية مرفوعة بالابتداء ، و " أحسنُ " خبرها ، والجملة في محلِّ نصب متعلقة بـ " نَبْلُوهُمْ " لأنه سببُ العلم ، والسؤال ، والنظر . والثاني : أنَّها موصولة بمعنى الذي و " أحْسَنُ " خبر مبتدأ مضمرٍ ، والجملة صلة لـ " أيُّهمْ " ويكون هذا الموصول في محلِّ نصبٍ بدلاً من مفعول " لنَبْلُوهُمْ " تقديره لِنَبلُو الذي هو أحسنُ ؛ وحينئذٍ تحتمل الضمة في " أيُّهم " أن تكون للبناء ، كهي في قوله تعالى : { لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ } [ مريم : 69 ] على أحد الأقوالِ ، وفي قوله : [ المتقارب ] @ 3484 - إذَا مَا أتَيْتَ بَنِي مالكٍ فَسلِّمْ عَلى أيُّهُم أفْضَلُ @@ وشرط البناء موجودٌ ، وهو الإضافة لفظاً ، وحذف صدر الصلة ، وهذا مذهب سيبويه ، وأن تكون للإعراب ؛ لأنَّ البناء جائزٌ لا واجبٌ ، ومن الإعراب ما قُرِىء به شاذًّا { أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ } [ مريم : 69 ] وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في مريم . والضمير في " لِنبلوهُمْ " و " أيُّهم " عائد على ما يفهم من السِّياق ، وهم سكان الأرض . وقيل : يعود على ما على الأرض ، إذا أريد بها العقلاء ، وفي التفسير : المراد بذلك الرُّعاة . وقيل : العلماء والصلحاء والخلفاء . فصل في المقصود بالزينة اختلفوا في تفسير هذه الزينة ، فقيل : النَّبات ، والشجر ، والأنهار . كما قال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ } [ يونس : 24 ] وضمَّ بعضهم إليه الذَّهب ، والفضَّة ، والمعادن ، وضمَّ بعضهم إلى ذلك جميع الحيوان ، فإن قيل : أي زينة في الحيَّات والعقارب [ والشياطين ] . فالجواب : فيها زينةٌ ؛ بمعنى أنَّها تدلُّ على وحدانيَّة الله تعالى . وقال مجاهد : أراد الرجال خاصَّة هم زينة الأرض . وقيل : أراد به العلماء والصلحاء . وقيل : أراد به الناس . وبالجملة ، فليس في الأرض إلاَّ المواليد الثلاثة ، وهي المعادن ، والنبات ، والحيوان ، وأشرف أنواع الحيوان الإنسان . قال القاضي : الأولى ألاَّ يدخل المكلَّف في هذه الزِّينة ؛ لأنَّ الله تعالى قال : { إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ } فمن يبلوهم يجب ألاَّ يدخل في ذلك . وأجيب بأن قوله : { زِينَةً لَّهَا } أي للأرض ، ولا يمتنع أن يكون ما تحسن به الأرض زينة لها ، كما جعل الله السَّماء مزينة بالكواكب . وقوله : { لِنَبْلُوَهُمْ } لنختبرهم { أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } ، أي : أصلح عملاً . وقيل : أيُّهم أترك للدُّنيا . فصل ذهب هشام بن الحكم إلى أنَّه تعالى لا يعلم الحوادث إلاَّ عند دخولها في الوجود ، فعلى هذا : الابتلاءُ والامتحانُ على الله جائز ؛ واحتجَّ بأنه تعالى لو كان عالماً بالجزئيَّات قبل وقوعها ، لكان كلُّ ماعلم وقوعه واجب الوقوعِ ، وكل ما علم عدمه ممتنع الوقوعِ ، وإلاَّ لزم انقلابُ علمه جهلاً ، وذلك محالٌ ، والمفضي إلى المحال محالٌ ، ولو كان ذلك واجباً ، فالذي علم وقوعه يجبُ كونه فاعلاً له ، ولا قدرة له على التَّرك ، والذي علم عدمه يكون ممتنع الوقوع ، ولا قدرة له على الفعل ، وعلى هذا يلزم ألاَّ يكون الله قادراً على شيءٍ أصلاً ، بل يكون موجباً بالذَّات . وأيضاً ، فيلزم ألا يكون للعبد قدرة على الفعل ، ولا على التركِ ؛ لأنَّ ماعلم الله وقوعه ، امتنع من العبد تركه ، وما علم عدمه ، امتنع منه فعله ، فالقول بكونه تعالى عالماً بالأشياء قبل وقوعها ، يقدح في الربوبيَّة ، وفي العبوديَّة ، وذلك باطلٌ ؛ فثبت أنَّه تعالى إنما يعلم الأشياء عند وقوعها ، أي عند ذلك ، وعلى هذا التقدير ، فالابتلاءُ والامتحانُ والاختبار غير جائز عليه ، وعند هذا قال : يجرى قوله : { لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً } على ظاهره . وأمَّا جمهور علماء الإسلام ، فقد استبعدوا هذا القول ، وقالوا : إنه تعالى من الأزل إلى الأبدِ عالمٌ بجميع الجزئيَّات ، والابتلاءُ والامتحان عليه محال ، وأينما وردت هذه الألفاظ فالمراد أنه تعالى يعاملهم معاملة ، لو صدرت عن غيره ، لكانت على سبيل الابتلاءِ والامتحانِ . فصل في تعليل أفعال الله تعالى قالت المعتزلةُ : دلَّت هذه الآية ظاهراً على أنَّ أفعال الله تعالى معلَّلة بالأغراض . وقال أهل السنة : هذا محالٌ ؛ لأنَّ التعليل بالغرض إنَّما يصحُّ في حقِّ من لا يصحُّ منه تحصيل ذلك الغرض ، إلاَّ بتلك الواسطة ، وهذا يقتضي العجز ، وهو على الله تعالى محالٌ . قوله : { وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً } . والمعنى أنَّه تعالى إنما زيَّن الأرض ؛ لأجل الامتحان والابتلاء ، لا لأجل أن يبقى الإنسان فيها متنعِّماً بها لا زاهداً فيها أي : لجاعلون ما عليها من هذه الزِّينة { صَعِيداً جُرُزاً } . ونظيره : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [ الرحمن : 26 ] . وقوله : { فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً وَلاۤ أَمْتاً } [ طه : 106 ، 107 ] . وقوله : { وَإِذَا ٱلأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } [ الانشقاق : 3 ، 4 ] . والمعنى أنَّه لا بدَّ من المجازاةِ بعد إفناء ما على الأرض ، وتخصيص الإهلاك بما على الأرض يوهم بقاء الأرض ، إلا أنَّ سائر الآيات دلَّت أيضاً على أنَّ الأرض لا تبقى ، وهو قوله : { يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ } [ إبراهيم : 48 ] . قوله : { صَعِيدًا } : مفعول ثانٍ ؛ لأنَّ الجعل هنا تصيير ليس إلاَّ ، والصعيد : التراب . وقال أبو عبيدة : الصعيد المستوي من الأرض . وقال الزجاج : هو الطَّريق الذي لا طين له ، أو لا نبات فيه . وقد تقدَّم في آية التيمم . والجُرزُ : الذي لا نيات به ، يقال : سَنةٌ جُرُز ، وسنُونَ أجرازٌ : لا مطر فيها ، وأرضٌ جُرزٌ ، وأرضُونَ أجْرازٌ : لا نبات فيها قال الفراء : جَرزَتِ الأرض ؛ فهي مجروزة إذا ذهب نباتها بقحطٍ أو جرازٍ يقال جرزها الجراد والشياة والإبل إذا أكل ما عليها وامرأة مجروز : إذا كانت أكولة . قال الشاعر : [ الرجز ] @ 3485 - إنَّ العَجُوزَ خَبَّةً جَرُوزا تَأكلُ كُلَّ لَيْلةٍ قَفِيزا @@ وسيف جراز ، إذا كان مستأصلاً . ونظيره قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ } [ السجدة : 27 ] .