Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 51-57)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَٰبِ مُوسَىٰ } قرأ أهلُ الكوفة مخلصاً ، بفتح اللام ، أي : مختاراً اختاره الله تعالى ، واصطفاه . وقيل : أخلصه الله من الدَّنس . والباقون بالكسر ، ومعناه : أخلص التَّوحيد لله والعبادة ، ومتى ورد القرآنُ بقراءتين ، فكلٌّ منهما ثابتٌ مقطوعٌ به ، فجعل الله تعالى من صفة موسى - صلوات الله عليه - كلا الأمرين . ثم قال عزَّ وجلَّ : { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } وهذان وصفان مختلفان ، لكنَّ المعتزلة زعمُوا كونهما متلازمين ؛ فكلُّ رسول نبيٌّ ، وكلُّ نبيٍّ رسولٌ ، ومن الناس من أنكر ذلك ، ويأتي الكلامُ عليه - إن شاء الله تعالى - في سورة الحج عند قوله تعالى { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ } [ الحج : 52 ] ثم قال : { وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ ٱلطُّورِ } يعني : يمين موسى ، والظاهر أنَّ الأيمن صفة للجانب ؛ بدليل أنه تبعه في قوله تعالى : { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } [ طه : 80 ] وقيل : إنه صفة للطُّور ، إذ اشتقاقهُ من اليُمْن والبركة ، والطُّور : جبلٌ بين مصر ومدين ، ويقالُ : إنَّ اسمه الزُّبير ، وذلك حين أقبل من مدين ، ورأى النَّار ، فنودي { يَٰمُوسَىٰ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ القصص : 30 ] قوله تعالى : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } ، أي : مناجياً ، والنجيُّ : المناجي ؛ كما يقالُ : جليسٌ ونديمٌ ، و " نجيًّا " : حالٌ من مفعول " قرَّبناهُ " وأصله " نجيواً " لأنه من نجل يَنْجو قال ابنُ عبَّاس - رضي الله عنه - معناهُ : قرَّبه وكلَّمه . وقيل : أنجيناه من أعدائه ، ومعنى التقريب : إسماعه كلامهُ . وقيل : رفعه على الحُجُب ؛ حتَّى سمع صرير القلم ؛ حيث تكتبُ التوراةُ في الألواح ، وهو قولُ أبي العالية . قال القاضي : المرادُ بالقرب : أنَّه رفع قدره ، وشرَّفه بالمُنَاجاة ؛ لأنَّ استعمال القُرْب في الله ، قد صار في التعارف لا يرادُ به إلا المنزلةُ ؛ كما يقالُ في العبادة : تقرُّب ، وفي الملائكة - عليهم السلام - : إنَّهم مقرَّبُون . قوله تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَآ } : في " مِنْ " هذه وجهان : أحدهما : أنها تعليليةٌ ، أي : من أجل رحمتنا ، و " أخَاهُ " على هذا مفعولٌ به ، و " هَارُون " بدلٌ ، أو عطف بيانٍ ، أو منصوبٌ بإضمار أعني ، و " نبيًّا " حالٌ . والثاني : أنها تبعيضيةٌ ، أي : بعض رحمتنا ، قال الزمخشريُّ : " وأخاه " على هذا بدلٌ ، و " هَارُون " عطف بيان . قال أبو حيان : " الظاهرُ أنَّ " أخَاهُ " مفعولُ " وهَبْنَا " ولا ترادفُ " مِنْ " بعضاً ، فتبدل " أخاه " منها " . فصل في نبوة هارون قال ابن عبَّاس رضي الله عنه : كان هارونُ أكبر من موسى - صلوات الله عليه - وإنما وهب الله تعالى له نُبُوَّته ، لا شخصه وأخُوَّته ، وذلك إجابة لدعائه في قوله : { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } [ طه : 29 - 31 ] فأجابه الله تعالى بقوله : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] وقوله : { سَنَشُدُّ عَضُدَكَ } [ القصص : 35 ] . قوله تعالى : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَٰبِ إِسْمَاعِيلَ } . وهو إسماعيلُ بن إبراهيم جدُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم { إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ } . قال مجاهدٌ لم يعد شيئاً إلاَّ وفَّى به . ورُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ أنه [ واعد ] صاحباً له أن ينتظره في مكانٍ ، فانتظره سنة . وأيضاً : وعد من نفسه الصَّبْرَ على الذَّبْح ، فوفَّى حيث قال : { سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الصافات : 102 ] ويُروى أنَّ عيسى - صلوات الله عليه - قال له رجلٌ : انتظرني ؛ حتى آتيك ، فقال عيسى : نعم ، وانطلق الرجلُ ، ونَسِيَ الميعاد ، فجاء إلى حاجته إلى ذلك المكان ، وعيسى - صلوات الله عليه - هناك للميعاد . وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه واعد رجُلاً ، [ ونَسِيَ ذلك الرَّجلُ ] ، فانتظرهُ من الضُّحى إلى قريبٍ [ مِنْ ] غروب الشمس ، وسُئِل الشعبيُّ عن الرجل يعدُ ميعاداً : إلى أيَّ وقتٍ ينتظرُ ؟ قال : إن واعدهُ نهاراً ، فكُلَّ النَّهارِ ، وإن واعدهُ ليلاً ، فكُلَّ اللَّيْلِ . وسُئِلَ إبراهيمُ بنُ زيدٍ عن ذلك ، فقال : إذا وعدتهُ في وقتِ الصَّلاةِ ، فانتظرهُ إلى وقت صلاةٍ أخرى ، ثم قال : { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً } وقد مرَّ تفسيرهُ ، { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّـلَٰوةِ وَٱلزَّكَٰوةِ } ، والمرادُ بالأهل : قومهُ . وقيل : أهله جميع أمَّتِهِ . قال المفسِّرون : إنه كان رسُولاً إلى " جُرْهُم " . والمراد بالصلاة هناك [ قال ] ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - : يريد التي افترضها الله عليهم ، وهي الحنيفيَّة التي افترضها علينا . قيل : كان يبدأُ بأهله في الأمر للعبادة ، ليجعلهم قُدوة لمن سواهُم ؛ كما قال تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلَٰوةِ } [ طه : 132 ] { قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ } [ التحريم : 6 ] ، وأمَّا الزكاةُ ، فعن ابن عبَّاس - رضي الله عنه - أنَّها طاعةُ الله ، والإخلاصُ ؛ فكأنَّه تأوَّله على ما يزكُو به الفاعلُ عند ربِّه ، والظاهرُ : أنَّه إذا قُرنتِ الصَّلاة بالزَّكاة : أن يُرَادَ بها [ الصدقات ] الواجبةُ . قوله تعالى : { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً } قائماً بطاعته . وقيل : رضيه لنبوته ورسالته . والعامَّةُ على قراءته كذلك معتلاًّ وأصله مَرْضُووٌ ، بواوين : الأولى زائدةٌ ؛ كهي في مضروبٍ : والثانية : لام الكلمة ؛ لأنه من الرِّضوان ، فأعلَّ بقلب الواو [ ياءً ، وأدغمت ] الأخيرةُ ياءً ، واجتمعت الياءُ والواوُ ، فقلبت الواوُ ياءً ، وأدغمت ، ويجوز النطقُ بالأصلِ ، وقد تقدَّم تحريرُ هذا . وقرأ ابن أبي عبلة بهذا الأصل ، وهو الأكثرُ ؛ ومن الإعلالِ قوله : [ الطويل ] @ 3609 - لقَدْ عَلِمَتْ عرسِي مُلَيْكَةُ أنَّنِي أنَا المرءُ مَعْدِيًّا عليْهِ وعَاديَا @@ وقالوا : أرضٌ مسنيَّةٌ ، ومسنُوَّةٌ ، أي : مسقاةٌ بالسَّانيةِ . قوله تعالى : { وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ } الآية إدريسُ هو جدُّ أبي نُوحٍ - صلوات الله عيله وسلامه - وهو نوحُ بنُ لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس - عليه السلام - . قيل : سُمِّي " إدريسَ " لكثرة دراسة الكُتُب ، وكان خيَّاطاً ، وهو أوَّلُ من خطَّ بالقلم ، وخاط الثِّياب ، ولبس المخيطَ ، وكان قبلهُ يلبسُون الجُلُود ، وأوَّل من اتَّخذ السِّلاح ، وقاتل الكُفَّار ، وأوَّلُ من نظر في علم الحساب { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً } . { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } . قيل : يعني في الجنَّةِ ، وقيل : هي الرِّفعة بعُلُوِّ الرُّتْبَة في الدُّنيا ؛ كقوله تعالى : { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الشرح : 4 ] وقيل : إنَّه رفع إلى السماءِ ؛ روى أنسُ بن مالكٍ - رضي الله عنه - عن مالك بن صعصعة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه رأى إدريسَ - صلوات الله عليه - في السماءِ الرَّابعةِ ، ليلة المعراج وكان سببُ رفع إدريس على ما قاله " كَعْبٌ " وغيرُه - أنَّهُ [ سَارَ ] ذات يومٍ في حاجةٍ ، فأصابه وهج الشمس ؛ فقال : يا ربِّ ، أنا مشيتُ يوماً فيها ؛ فأصابني المشقةُ الشديدة من وهجِ الشمس ، وأضرَّني حرُّها ضرراً بليغاً - فكيف يحملُها مسيرة خمسائةِ عامٍ في يومٍ واحدٍ ؟ ! اللَّهُمَّ ، خفِّف عنه من ثقلها ، وحرِّها ، فلمَّا أصبح الملكُ ، وجد من خفَّة الشَّمس ، وحرها ما لا يعرف ؛ فقال : يا ربِّ ، ما الذي قضيت فيه ؟ قال : إنَّ عبدي إدريس سألني أنَّ أخفِّف عنك حملها ، وحرَّها ؛ فأجبته ، فقال : ربِّ ، اجعل بيني وبينهُ خُلَّة ، فأذن له ؛ حتى أتى إدريسَ ، فكان يسألُه إدريسُ ، فقال له : إنِّي أخبرتُ أنَّك أكرمُ الملائكةِ ، وأمكنُهم عن ملكِ الموتِ ؛ فاشفعْ لي إليه ؛ ليُؤخِّر أجلِي ؛ فأزداد شكراً وعبادة ، فقال الملكُ : يُؤخِّرُ الله نفساً ، إذا جاء أجلها ، وأنا مُكَلِّمُهُ ، فرفعهُ إلى السَّماءِ ، ووضعهُ عند مطلع الشَّمس ، ثُمَّ أتى ملك الموتِ ، فقال : حاجةٌ لي إليك ؛ صديقٌ لي مِنْ بني آدم ، تشفَّع بي إليك ؛ لتُؤخِّر أجله ، قال : ليس ذلك إليّ ، ولكن إن أحببت ، أعلمته أجله ؛ فيتقدَّمُ في نفسه ، قال : نَعَم ، فنظر في ديوانه ، فقال : إنَّك كلَّمتني في إنسانٍ ، ما أراه أن يموت أبداً ، قال : وكيف ؟ قال : لا أجده يموتُ إلا عند مطلع الشمس ، قال : فإني أتَيْتُكَ ، وتركته هناك : قال : انطلقْ ، فلا أرَاكَ تجده إلاَّ وقد مات ؛ فواللهِ ، ما بقي من أجلِ إدريسَ شيءٌ ؛ فرجع الملكُ ، فوجده ميتاً . واختلفُوا في أنَّه حيٌّ في السماء ، أم مَيِّتٌ ؛ فقيل : هو ميتٌ ، وقيل : حيٌّ ، وقيل : أربعةٌ من الأنبياء أحياءٌ ، اثنان في الأرض ؛ " الخَضِرُ ، وإلياسُ " واثنان في السماءِ " إدريسُ ، وعيسَى " صلواتُ الله عليهم .