Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 58-58)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } الآية . " مِنْ " الأولى ؛ للبيان ؛ لأنَّ كلَّ الأنبياء مُنَعَّمٌ عليهم ، فالتبعيضُ محالٌ ؛ والثانيةُ للتبعيض ؛ فمجرورها بدلٌ مما قبله بإعادة العاملِ ، بدلُ بعضٍ من كلٍّ . وقوله : " وإسرائيلَ " عطفٌ على [ " إبْراهيمَ " . قوله : " وممَّنْ هديْنَا " يحتملُ أن يكون عطفاً على " مِنَ النبيِّينَ " وأنْ يكون عطفاً على ] { مِنْ ذرَّية آدمَ } . فصل اعلم أنَّه تعالى أثنى على كل واحدٍ ممَّن تقدم ذكرهُ [ من الأنبياء ] ، بما يخُصُّهُ من الثناء ، ثمَّ جمعهم آخراً ؛ فقال تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } أي : بالنبوَّةِ ، وغيرها ، و " أولئِكَ " إشارةٌ إلى المذكورين في هذه السورة من " زكريَّا " إلى " إدريس " - صلوات الله عليهم - ثُمَّ جمعهُم في كونهم من ذرية آدم . ثُمَّ خصَّ بعضهم بأنهم من ذُرِّيَّةِ آدمَ ، ممَّن حمله مع نُوحٍ ، ومنهم من هو من ذرية آدم ، دُون من حمله مع نُوحٍ ؛ وهو إدريسُ - عليه السلام - فقد كان سابقاً على نُوحٍ . والذين هم من ذُريَّة من حمل مع نُوحٍ ، وهو " إبراهيمُ " ؛ لأنَّه [ ولدُ ] سام بن نُوح ، وإسماعيلُ ، وإسحاقُ ، ويعقوبُ من ذريةِ إبراهيم . ثم خصَّ بعضهم أنه من ولد إسرائيل ، أي : يعقوب ، وهم : مُوسَى ، وهارونُ ، وزكريَّا ، ويحيى ، وعيسى ؛ من قبل الأمِّ . فرتَّب الله تعالى أحوال الأنبياء الذين ذكرهم على هذا الترتيب ؛ منبهاً بذلك على أنَّهُم كما فُضِّلُوا بأعمالهم ، فلهم منزلةٌ في الفضل بولادتهم من هؤلاء الأنبياء . ثُمَّ بيَّن أنَّهم ممَّن هدينا ، واجتبينا ؛ مُنبِّهاً بذلك على أنَّهُم خُصُّوا بهذه المنازِلِ ؛ لهداية الله تعالى لهمُ ، ولأنَّهم اختارهم للرسالةِ . قوله : " إذا تُتْلَى " جملةٌ شرطيةٌ فيها قولان : أظهرهما : أنها لا محلَّ لها ؛ لاستئنافها . والثاني : أنها خبرُ " أولئكَ " والموصولُ قبلها صفةٌ لاسم الإشارة ، وعلى الأول ؛ يكونُ الموصول نفس الخبر . وقرأ العامَّةُ " تُتْلَى " بتاءين من فوق ، وقرأ عبدُ الله ، وشيبةُ ، وأبو جعفرٍ ، وابنُ كثير ، وابن عامرٍ ، وورشٌ عن نافعٍ في رواياتٍ شاذةٍ : بالياء أوَّلاً من تحت ، والتأنيثُ مجازيٌّ ؛ فلذلك جاز في الفعل الوجهان . قوله تعالى : " سُجَّداً " حالٌ مقدرةٌ ؛ قال الزجاج : " لأنهم وقت الخُرُورِ ليسُوا سُجَّداً " . و " بُكِيًّا " فيها وجهان : أظهرهما : أنه جمعُ باكٍ ، وليس بقياس ، بل قياسُ جمعه على فعلة ؛ كقاضٍ وقُضاة ، ولم يسمع فيه هذا الأصلُ ، وقد تقدَّم أنَّ الأخوين يكسران فاءهُ على الإتباع . والثاني : أنه مصدرٌ على فعولٍ ؛ نحو : جلس جُلُوساً ، وقَعَد قُعُوداً ؛ والأصلُ فيه على كلا القولين " بكُويٌ " بواوٍ وياء ، فأعلَّ الإعلال المشهور في مثله ، وقال ابن عطيَّة : " وبكيًّا بكسر الباء ، وهو مصدرٌ لا يحتمل غير ذلك " قال أبو حيَّان : " وليس بسديدٍ ، بل الإتباعُ جائزٌ فيه " وهو جمعٌ ؛ كقولهم : عُصِيٌّ ودُلِيٌّ ، جمعِ عصاً ودلو ، وعلى هذا ؛ فيكون " بكيًّا " : إمَّا مصدراً مؤكِّداً لفعلٍ محذوفٍ ، أي : وبكوا بُكِيًّا ، أي : بكاء ، وإمَّا مصدراً واقعاً موقع الحال ، أي باكينَ ، أو ذوي بكاء ، أو جعلُوا نفس البكاءِ مبالغةً . قال الزجاج : " بُكِيًّا " جمع باكٍ ؛ مثل شاهدٍ وشُهودٍ ، وقاعدٍ وقُعُودٍ ، ثمَّ قال : الإنسانُ في حال خُرُوره لا يكون ساجداً ، والمرادُ : خرُّوا مقدِّمين للسُّجُود ، ومن قال في " بُكِيًّا " : إنَّه مصدرٌ ، فقد أخطأ ؛ لأنَّ سُجَّداً جمع ساجدٍ ، وبكياً معطوف عليه . فصل قال المفسِّرون : إنَّ الأنبياء - عليهم السلام - كانُوا إذا سمعُوا آيات الله ؛ والمرادُ : الآياتُ التي تتضمنُ الوعد والوعيد ، والتَّرغيبَ والتَّرهيبَ خروا سُجداً جمع ساجدٍ ، وبكيًّا : جمع باكٍ خشُوعاً وخُضُوعاً ، وحذراً وخوفاً . قال بعضهم : المراد بالسُّجود : الصَّلاة . وقال بعضهم : المراد : سجودُ التَّلاوة . وقيل : المرادُ بالسُّجُود : الخضوعُ والخشُوع عند التِّلاوة . قال - صلوات الله وسلامه عليه - : " اتلُوا القُرآنَ ، وابْكُوا ، فإنْ لَمْ تَبْكُوا ، فَتَبَاكَوْا " .