Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 45-46)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ } قد تقدم أن هارون لم يكن حاضراً هناك ، فكيف قال : { قَالاَ رَبَّنَا } وتقدم جوابه . فإن قيل : إن موسى - عليه السلام - قال : { رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي } [ طه : 25 ] وأجابه ( الله تعالى ) بقوله : { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] وهذا يدل أنه شرح صدره ، ويسر ، وعيّن له ذلك الأمر ، فكيف قال بعده : " إنَّنَا نَخَافُ " ، فإن حصول الخوف يمنع من حصول شرح الصدر ، فالجواب : أن شرح الصدر عبارة عن قوته على ضبط تلك الأوامر والنواهي وحفظ تلك الشرائع على وجه لا يتطرق إليها السَّهو والتحريف ، وذلك شيء آخر غير زوال الخوف . فإن قيل : أما علم موسى وهارون - عليهما السلام - وقد حمَّلهما الله تعالى الرسالة أنه تعالى يؤمنهما من القتل . فالجواب : قد أمِنا ذلك وإن جوزا أن ينالهما السوء من قبل تمام الأداء أو بعده ، وأيضاً فإنهما استظهرا بأن سألا ربهما ما يزيد في ثبات قلبهما على دعائه ، وذلك بأن ينضاف الدليل النقلي إلى العقلي زيادة في الطمأنينة كما في قوله تعالى : { وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي } [ البقرة : 260 ] . فإن قيل : لمَّا تكرر الأمر من الله - تعالى - بالذهاب ، فعدم الذهاب والتعلل بالخوف هل يدل على المعصية ؟ فالجواب : إن اقتضى الأمر الفور كان كذلك من أقوى الدلائل على المعصية ، لا سيما وقد أكثر الله - تعالى - من أنواع التشريف ، وتقوية القلب ، وإزالة الغم ، ولكن الأمر ليس على الفور ، فزال السؤال ، وهذا من أقوى الدلائل على أن الأمر لا يقتضي الفور إذا ضممت إليه ما يدل على أن المعصية غير جائزة على الرسل . قوله : { أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا } مفعول " يَخَافُ " ، ويقال : فَرَطَ يَفْرُط سبق وتقدم ، ومنه الفارط وهو الذي يتقدم الواردة إلى الماء ، وفرس فرط تسبق الخيل ، أي : نَخَاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها . قاله الزمخشري . ومن ورود الفارط بمعنى المتقدم على الواردة قول الشاعر : @ 3660 - وَاسْتَعْجَلُونَا وَكَانُوا مِنْ صَحَابَتِنَا كَمَا تَقَدَّم فُرَّاطٌ لِوُرَّادِ @@ وفي الحديث : " أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الحَوْضِ " أي سابقكم ومتقدمكم . وقرأ يحيى بن وثاب وابن محيصن وأبو نوفل " يُفْرَط " بضم حرف المضارعة وفتح الراء على البناء للمفعول ، والمعنى : خافَا أن يسبق في العقوبة أي يحمله حامل عليها وعلى المعاجلة بها إما قومه وإما الشيطان وإما حبه الرياسة ، وإما ادعاؤه الإلهية . وقرأ ابن محيصن في رواية الزعفراني : " أن يُفْرِط " بضم حرف المضارعة وكسر الراء من أفرط . قال الزمخشري : من أفرَطَهُ غيره ، إذا حمله على العجلة خَافَا أن يحمله حامل على المعاجلة بالعقاب . وقال كعب بن زهير : @ 3661 - تَنْفِي الرِّيَاحُ القَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٌ يَعَالِيلُ @@ أي سبقت هذه البيض لتملاه . وفاعل يفرط ضمير فرعون ، وهذا هو الظاهر الذي ينبغي أن لا يعدل عنه ، وجعله أبو البقاء مضمراً لدلالة الكلام عليه ، فقال : فيجوز أن يكون التقدير : أن يَفْرُط علينا منه قولٌ فأضمر القول لدلالة الحال عليه كما تقول : فَرَط منِّي قول ، وأن يكون الفاعل ضمير فرعون كما كان في " يَطْغَى " . فصل قال ابن عباس : " يَفْرُطَ عَلَيْنَا " يعجل علينا بالقتل والعقوبة . يقال : فَرَطَ عَلَيْنَا فلان إذا عجل بمكروه ، وفَرَط منه أمر أي بدر وسبق { أَوْ أَن يَطْغَىٰ } يجاوز الحد بالتخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي لجرأته عليك . واعلم أن من أمر بشيء فحاول دفعه لأعذار يذكرها فلا بد أن يختم كلامه بما هو الأقوى ، كما أن الهُدْهُدَ ختم عذره بقوله : { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ } [ النمل : 24 ] ، فكذا هاهنا بدأ موسى بقوله { أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا } ، وختم بقوله { أَوْ أَن يَطْغَى } لما كان طغيانه في حق الله - تعالى - أعظم من إفراطه في حق موسى وهارون . قوله : { قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } لا تخافا مما عرض في قلبكما من الإفراط والطغيان ، لأن ذلك هو المفهوم من الكلام ، لأنه - تعالى - لم يؤمنهما من الرد ، ولا من التكذيب بالآيات ومعارضة السحرة وقوله : " إِنَّنِي مَعَكُمَا " أي : بالحراسة والحفظ وقوله : " أَسْمَعُ وَأَرَى " قال ابن عباس : اسمع دعاءكما فأجيبه ، وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلا تهتما . وقال القفال : ( قوله : " أسْمَعُ وَأرَى " يحتمل أن يكون مقابلاً لقوله { يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ } " يَفْرُطَ عَلَيْنَا " بأن لا يسمع منّا { أَوْ أَن يَطْغَىٰ } بأن يقتلنا ، فقال الله تعالى : { إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ } كلامكما فأسخّره للاستماع منكما ، " وَأَرَى " أفعاله فلا أتركه حتى يفعل بكما ما تكرهانه واعلم أن مفعول ) ( أسْمَعُ وَأَرَى ) محذوف ، فقيل : تقديره : أسمع أقوالكما وأرى أفعالكما . وعن ابن عباس : أسمع جوابه لكما ( وَأَرَى مَا يُفْعَل بِكُمَا ) . أو يكون من حذف الاقتصار ، نحو " يحيي ويُميت " .