Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 47-48)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " فَأْتِيَاهُ " أعاد التكليف المتقدم فقال : { فَأْتِيَاهُ فَقُولاَ لَهُ } وذلك أنه تعالى قال أولاًَ { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } [ طه : 24 ] وثانياً قال : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ } [ طه : 42 ] وقال ثالثاً : { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } [ طه : 43 ] . ورابعاً ( قال هاهنا " فَأْتِيَاهُ " ) . فإن قيل : إنه تعالى أمرهما بأن يقولا له " قَوْلاً لَيِّناً " ، وهاهنا أمرهما بأن يقولا { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ ( فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبهُمْ } وفي هذا تغليظ من وجوه : الأول : { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } ) وهذا يقتضي انقياده لهما والتزامه لطاعتهما ، وذلك يعظم على الملك المتبوع . والثاني : قوله : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَآئِيلَ } فيه إدخال النقص على ملكه ، لأنه كان محتاجاً إليهم فيما يريده من الأعمال وأيضا : أمرهم بالإرسال يقتضي وجوب الطاعة والانقياد فيصير تحت أمرهم . والثالث : نهيهم له بقولهم : " وَلاَ تُعَذِّبهُمْ " . والرابع : قوله : { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } . فما الفائدة في القول اللين أولاً والتغليظ ثانياً ؟ فالجواب : أن الإنسان إذا أظهر اللجاجة فلا بد له من التغليظ . فإن قيل : أليس أن الأولى أن يقولا إنا رَسُولاَ رَبِّكَ قَدْ جئنَاكَ بآيةٍ فأرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إسرائيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُم ، فإن ذكر المعجز مقروناً بادعاء الرسالة أولى من تأخيره عنه ؟ فالجواب : بل هذا أولى ، لأنهم ذكروا مجموع الدعاوى ثم استدلوا على ذلك المجموع بالمعجز . قوله : { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ } قال الزمخشري : هذه الجملة جارية من الجملة الأولى وهي { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } مجرى البيان والتفسير ، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتهما التي هي مجيء الآية . فإن قيل : إن الله تعالى أعطاه آيتين ، وهما العصا واليد ثم قال : { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي } [ طه : 42 ] ، وذلك يدل على ثلاث آيات وقال هاهنا { قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ } ، وذلك يدل على أنها كانت واحدة ( فكيف الجمع ) ؟ أجال القفال : بأن معنى الآية هاهنا الإشارة إلى جنس الآيات كأنه قال : جئْنَاكَ ببيان من عند الله . ثم يجوز أن يكون ذلك حجة واحدة أو حججاً كثيرة . وقال غيره : المراد في هذا الموضوع تثبيت الدعوى ببرهانها فكأنه قال : قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعينا من الرسالة كقوله : { قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } [ الأعراف : 105 ] ، وقوله : { فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينََ } [ الشعراء : 154 ] وقوله : { أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيءٍ مُّبِينٍ } [ الشعراء : 30 ] . وتقدم الجواب عن التثنية والجمع ، وأن في العصا واليد آيات . قوله : { وَالسَّلاَمُ عَلَىٰ مَنِ ٱتَّبَعَ الْهُدَىٰ } يحتمل أن يكون تسليماً منهما ولم يؤمرا به ، فتكون الجملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب قال بعضهم : إنَّ ( عَلَى ) بمعنى ( اللام ) أي والسلام لمن اتبع الهدى كقوله تعالى : { لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ } [ الرعد : 25 ] أي : عليهم اللعنة ، وقال تعالى : { مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] وقال : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَِنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] . وهذا وعد منهما لمن آمن وصدق بالسلامة له من عقوبات الدنيا والآخرة والسلام بمعنى السلامة ، كما يقال : رضاع ورضاعة . وقيل : هذا من كلام الله تعالى كأنه قال : " فَقُولاَ إنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ وَقُولاَ لَهُ والسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَع الهُدَى " ، وليس المراد منه التحية إنما معناه سَلِم من عذاب الله من أسلم . قوله : { أرسِلْ مَعَنَا بَنِي إسْرَآئيلَ } خلِّ عنهم وأطلقهم عن أعمالك " وَلاَ تُعَذِّبهُمْ " لا تتعبهم في العمل ، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة . قوله تعالى : { إنَّا قَدْ أُوحِيَ إلَيْنَا أَنَّ ٱلْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } هذه الآية من أقوى الدلائل على أن عقاب المؤمن لا يدوم ، لأن الألف واللام للاستغراق ، أو الإفادة ( الماهية ، وعلى ) التقديرين يقتضي انحصار هذا الجنس في { من كذب وتولى } فوجب أن لا تحصل لغير المكذب المتولي . وظاهر هذه الآية يقتضي القطع بأنه لا يعاقب أحداً من المؤمنين بترك العمل به في بعض الأوقات ، فوجب أن يبقى على أصله في نفي الدوام ، ولأن العقاب المتناهي إذا حصل بعده السلامة مدة غير متناهية صار ذلك العقاب كأنه لا عقاب ، فلذلك يحسن مع حصول ذلك القدر أن يقال : إنه لا عقاب . وأيضاً فقوله : { وَٱلسَّلاَمُ عَلَى مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ } يقتضي حصول السلامة لكل من اتبع الهدى ، إذا فسَّرنا السلام بالسلامة . والعارف بالله قد اتبع الهدى ، فوجب أن يكون صاحب السلامة . ومعنى الآية : إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه . قوله : " أنَّ العَذَابَ " " أنَّ " وما في خبرها في محل رفع لقيامه مقام الفاعل الذي حذف في " أُوْحِيَ إِلَيْنَا " وسبب بنائه للمفعول ( خوفاً أن يبدر من فرعون بادرة لمن أوحي لو سمياه فطويا ذكره تعظيماً له واستهانةً بالمخاطب ) .