Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 56-59)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } الآية . هذه الرؤية بصرية فلما دخلت همزة النقل تعدت بها إلى اثنين أولهما الهاء والثاني " ءَايَاتِنَا " . والمعنى : أبْصَرْنَاه ، والإضافة هنا قائمة مقام التعريف العهدي ، أي : الآيات المعروفة كالعصا واليد ونحوهما . وإلا فَلَم يُرِ الله تعالى فرعون جميع آياته . وجوَّز الزمخشري أن يراد بها الآيات على العموم ، بمعنى أن موسى - عليه السلام - أراه الآية التي بعث بها وعدد عليه الآيات التي جاءت بها الرسل قبله عليهم السلام وهو نبيٌّ صادق لا فرق بين ما يخبر عنه وبين ما يشاهد به . قال أبو حيان : وفيه بُعد ، لأن الإخبار بالشيء لا يسمَّى رؤية له إلا بمجاز بعيد وقيل : بل الرؤية هنا قلبية ، فالمعنى : أعْلَمْنَاه ، وأيَّد ذلك أنه لم يُرِه إلا العصا واليد فقط . ومن جوَّز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، أو إعمال المشترك في معنييه يجيز أن يراد المعنيان جميعاً . وتأكيد الآيات بـ " كُلَّها " يدل على إرادة العموم ، لأنهم قالوا : فائدة التوكيد بكلٍّ وأخواتها رفع توهم وضع الأخص موضع الأعم فلا يُدَّعى أنه أراد بالآيات آيات مخصوصة ، وهذا يتمشى على أن الرؤية قلبية . ويراد بالآيات ما يدل على وحدانية الله تعالى وصدق المبلِّغ ، فأما الآيات الدالة على الوحدانية فقوله : { ٱلَّذِيۤ أَعْطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [ طه : 50 ] ، وقوله : { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ مَهْداً } [ طه : 53 ] إلى آخره . وما ذكره في سورة الشعراء : { قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } [ الشعراء : 23 - 24 ] الآيات . وأما الآيات الدالة على صدق المبلِّغ فهي الآيات التسع المختصة بموسى - عليه السلام - ، وهي العَصَا ، واليَد ، وفلقُ البحر ، والحجرُ ، والجرَادُ ، والقملُ ، والضَّفَادِع ، والدَّم ، ونَتْقُ الجَبَلِ . ومعنى " أَرَيْنَاهُ " عرَّفناه صحتها ، وأوضحنا له وجه الدلالة فيها . وإنما أضاف الآيات إلى نفسه سبحانه وتعالى مع أنَّ المظهر لها موسى ، لأنه أجراها على يديه ، كما أضاف نفخَ الروح إلى نفسه فقال : { فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا } [ الأنبياء : 91 ] مع أن النفخَ كان من جبريل ( عليه السلام ) - ولم يذكر مفعول التكذيب والإباء تعظيماً له ، وهو معلوم . قوله : { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا } يعني الآيات التسع " فَكَذَّب " بها وزعم أنها سِحْرٌ " وَأَبَى " أن يسلم . فإن قيل : قوله : " كُلَّهَا " يفيد العموم ، والله - تعالى - ما أراه جميع الآيات ، لأن من جملة الآيات ما أظهرها على أيدي الأنبياء قبل موسى - عليه السلام وبعده . فالجواب : لفظ الكُلِّ وإنْ كانَ للعموم لكن قد يستعمل في الخصوص مع القرينة ، كما يقال : دَخَلْتُ السوق فاشتريت كلَّ شيء ، أو يقال إن موسى - عليه السلام - أراه آياته ، وعدد عليه آيات غيره من الأنبياء ، فكذَّب فرعونُ بالكُلِّ ، أو يقال : تكذيب بعض المعجزات يقتضي تكذيب الكل ، فحكى الله - تعالى - ذلك على الوجه الذي يلزم . قال القاضي : الإباء الامتناع ، وإنه لا يوصف به إلا من كذَّبَ بتمكنٍ من الفعل والترك ، ولأنه تعالى ذمَّه بأنه كذَّب ، وبأنه أبَى ، وإن لم يقدر على ما هو فيه لم يصح . وهذا السؤال وجوابه تقدم في سورة البقرة في { إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ } [ البقرة : 34 ] . قوله : { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا } يعني مصر { بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ } وتركيب هذه الشبهة عجيب ، وذلك لأنه ألقى في مسامعهم ما يصيرون مبغضين له جداً بقوله : { أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا } ، لأن هذا مما يشق على الإنسان في النهاية ، ولذلك جعله الله تعالى مساوياً للقتل في قوله { ٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ أَوِ ٱخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُمْ } [ النساء : 66 ] ، ثم لما صاروا في نهاية البغض له أورد الشبهة الطاعنة في نبوته - عليه السلام - وهي أنَّ ما جئتنا به سِحْرٌ لا معجز ، ولمَّا علم أنَّ المعجز إنما يتميز عن السحر ، لكون المعجز مما يتعذر بمعارضته قال : { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ } . قوله : " فَلَنَأتِيَنَّكَ " جواب قسم محذوف تقديره : والله لنأتينَّكَ . وقوله " بِسِحْرٍ " يجوز أن يتعلق بالإتيان وهذا هو الظاهر . ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حال من فاعل الإتيان أي ملتبسين بسحرٍ . قوله : " مَوْعِداً " يجوز أن يكون زماناً كقوله : { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ } [ هود : 81 ] ويرجحه قوله : " مَوْعِدُكُمْ يَوْمَ الزِّينَةِ " ، ( والمعنى : عَيِّن لنا وَقْتَ اجتماعنا ، ولذلك أجابهم بقوله : " مَوْعِدُكُمْ يَوْمَ الزِّينَةِ " وضعَّفوا هذا بأنه ينبو عنه قوله : " مَوْعِدُكُم يَوْمَ الزِّينَةِ " ) . وبقوله : " لاَ نُخْلِفُه " . وأجاب عن قوله : " لاَ نُخْلِفُهُ " بأن المعنى : لا نخلف الوقت في الإجتماع فيه . ويجوز أن يكون مكاناً . والمعنى : بَيِّنْ لنا مكاناً معلوماً نعرفه نحن وأنت فنأتيه ، ويؤيد بقوله : " مَكَاناً سُوًى " . قال فهذا يدل على أنه مكان ، وهذا يَنْبُو عنه قوله : { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ } ، ويجوز أن يكون مصدراً أي اجعل بيننا وبينك وعداً لا نخلِفه ، ويؤيد هذا قوله : { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ } ، لأن الموعد هو الذي يصح وصفه بالخلف وعدمه ، وإلى هذا نحا جماعة مختارين له ويُرَدُّ عليهم بقوله : " مَوْعِدكُمْ يَوْمَ الزِّينَةِ " ( فإنه لا يطابقه ) . وقال الزمخشري : إن جعلته زماناً نظراً في أن قوله : " مَوْعِدكُمْ يَوْمَ الزِّينَةِ " مطابق له ، لزمك شيئان : أن تجعل الزمان مخلفاً ، وأن يعضل عليك ناصب مكاناً ، ( وإن جعلته مكاناً ) لقوله : " مَكَاناً سُوى " لزمك أيضاً أن توقع الإخلاف على المكان ، وأن لا يطابق قوله : " مَوْعِدُكُمْ يَوْمَ الزِّينَةِ " ، وقراءة الحسن غير مطابقة له زماناً ومكاناً جميعاً ، لأنه قرأ " يَوْمَ الزِّينَةِ " بالنصب ، فقي أن يُجْعَل مصدراً يعني الوعد ، ويقدَّر مضاف محذوف أي : مكان الوعد ، ويجعل الضمير في " تُخْلِفُه " للموعد ، و " مكاناً " بدل من المكان المحذوف . فإن قلت : فكيف طابقه قوله : " مَوْعِدكُمْ يَوْمَ الزِّينَةِ " ولا بد من أن تجعله زماناً والسؤال واقع عن المكان لا عن الزمان ؟ قلت : هو مطابق معنى وإن لم يطابقه لفظاً ، لأنهم لا بدَّ لهم أن يجتمعوا يوم الزينة في مكان بعينه مشتهر باجتماعهم فيه في ذلك الزمان ، فبذكر الزمان علم المكان وأما قراءة الحسن فالموعد فيها مصدر لا غير ، والمعنى : إنجاز وَعْدِكم يوم الزينة ، وطابق هذا أيضاً من طريق المعنى ، ويجوز أن لا يقدر مضاف محذوف ويكون المعنى : اجْعَلْ بينَنَا وبينَك وَعْداً لا نُخْلِفُه . وقال أبو البقاء : هو هنا مصدر لقوله : { لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ } والجعل هنا بمعنى التصير و " مَوْعِداً " مفعول أول ، والظرف هو الثاني ، والجملة من قوله : " لاَ نُخْلِفُهُ " صفة لموعد ، و " نَحْنُ " توكيدٌ مصحِّحٌ للعطف على الضمير المرفوع المستتر في " نُخْلِفُه " و " مكاناً " بدل من المكان المحذوف كما قدره الزمخشري . وجوز أبو علي الفارسي وأبو البقاء أن ينتصب " مَكَاناً " على المفعول الثاني لـ " اجْعَلْ " قال : و " مَوْعِداً " على هذا مكان أيضاً ، ولا ينتصب بموعد لأنه مصدر قد وصف . يعني أنه يصح ( نصبه مفعولاً ثانياً ، ولكن بشرط أن يكون الموعد بمعنى المكان ليطابق المبتدأ الخبر ) في الأصل . وقوله : ولا ينتصب بالمصدر يعني أنه لا يجوز أن يدعي انتصاب " مَكَاناً " بموعد ، والمراد بالموعد المصدر ، وإن كان جائزاً من جهة المعنى ، لأن الصناعة تأباه ( وهو وصف المصدر . والمصدر شرط إعماله : عدم وصفه قبل العمل عند الجمهور ) . وهذا الذي منعه الفارسي وأبو البقاء جوزه الزمخشري وبدأ به فقال : فإن قلت : فيم ينتصب " مكاناً " ؟ قلت : بالمصدر أو بما يدل عليه المصدر . فإن قلت : كيف يطابقه ( فالجواب ) : فقلت : أما على قراءة الحسن فظاهر ، وأما على قراءة العامة فعلى تقدير : ( وَعْدكم وَعْدُ يوم زينة . قال أبو حيان : وقوله : إنَّ " مكاناً " ينتصب بالمصدر ) ليس بجائز ، لأنه قد وصف قبل العمل بقوله : " لاَ نُخْلِفُه " ، وهو موصول ، والمصدر إذا وصف قبل العمل لم يجز أن يعمل عندهم . قال شهاب الدين : الظروف والمجرورات يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها ، وفي المسألة خلاف مشهور . وأبو القاسم نحا إلى جواز ذلك . وجعل الحوفيُّ انتصاب " مكاناً " على الظرف وانتصابه بـ " اجْعَل " فتحصل في نصب " مكاناً " خمسة أوجه : أحدها : أنه بدلٌ من ( مكاناً ) المحذوف . الثاني : أنَّه مفعول ثانٍ للجَعْل . الثالث : أنَّهُ نُصبَ بإضمار فعل . الرابع : أنَّه منصوبٌ بنفس المصدر . الخامس : أنَّه منصوبٌ على الظرف بنفس " اجْعَل " . وقرأ أبو جعفر وشيبة : " لا نُخْلِفْه " بالجزم على جواب الأمر والعامة بالرفع على الصفة لموعدكم كما تقدم . وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم والحسن : " سُوًى " بضم السين منوناً وصلاً . والباقون : بكسرها . وهما لغتان مثل : عِدًى وعُدًى وطِوًى وطُوًى ، فالكسر والضم على أنها صفة بمعنى مكان عدلٍ إلاَّ أنَّ الصفة على فُعَل كثيرة نحو لُبَد وحُطَم ( وقليلة على فِعَل . ولم ينوِّن الحسن " سُوَى " أجرى الوصل مجرى الوقف ولا جائز أن يكون منع صرفه للعدل وعلى فُعَل كعُمَر ، لأن ذلك في الأعلام ، وأما فُعَل في الصفات فمصروفة نحو حُطَم ، ولُبد ) . وقرأ عيسى بن عمر " سِوَى " بالكسر من غير تنوين وهي كقراءة الحسن في التأويل . ( وسوى معناه : عدلاً ونصفة . قال الفارسي : كأنه قال قربهُ منكُم قِرْبَةً منَّا . قال الأخفش ) : " سوى " مقصور إن كسرت سينه أو ضممت ، وممدود إن فتحتها ، ثلاث لغات ، ويكون فيها جميعها بمعنى غَيْر ، وبمعنى عدل ووسط بين الفريقين ، قال الشاعر : @ 3663 - وَإنَّ أَبَانَا كَانَ حَلَّ بِبَلْدَةٍ سِوًى بَيْنَ قَيْسٍ قَيْسِ عَيْلاَنَ والفِزَرْ @@ قال : وتقول : مررتُ برجل سِواك وسُواك وسَوائِك أي غيرك ، ويكون للجميع وأعلى هذه اللغات الكسر . قاله النحاس . وزعم بعض أهل اللغة والتفسير أنَّ معنى : " مَكَاناً سوًى " مستوٍ من الأرض لا وعر فيه ولا جبل . فصل قال مقاتل وقتادة : مكاناً وعدلاً بيننا وبينك . وعن ابن عباس نصفاً أي : يستوى مسافة الفريقين إليه . وقال مجاهد : منصفاً بيننا . قال الكلبي : مكاناً سوى هذا المكان الذي نحن فيه . وقال ابن زيد : مستوٍ لا يحجب العين ما فيه من الارتفاع والانخفاض حتى يشاهد كل الحاضرين كل ما يجري . وقيل : " سِوَى " أي يستوي حالنا في الرضا به . قوله : " مَوْعِدُكُمْ يَوْم الزِّينَةِ " العامة على رفع " يَوْمُ الزِّينَةِ " خبراً لـ " مَوْعِدكُمْ " ، فإن جعلت " مَوْعِدُكُم " زماناً لم يحتج إلى حذف مضاف ، إذ التقدير : زمانُ الوعدِ يَوْمُ الزينة . ( وإنْ جعلتَه مصدراً احتجت إلى حذف مضاف تقديره : وَعْدُكُمْ وَعْدُ يومِ الزينة ) . وقرأ الحسن والأعمش وعيسى وعاصم في بعض طرقه وأبو حيوة وابن أبي عبلة وقتادة والجحدري ( وهبيرة ) " يَوْمَ " بالنصب ، وفيه أوجه : أحدها : أن يكون خبراً لمَوْعِدُكم أن المراد بالموعد المصدر ، أي وَعْدُكُم كائنٌ في يوم الزِّينَة كقولك : القتال يوم كذا والسفر غداً . الثاني : أن يكون " مَوْعِدُكم " مبتدأ ، والمراد به الزمان ، و " ضُحى " خبره على نية التعريف فيه ، لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه . قاله الزمخشري ولم يبين ما الناصب لـ " يومَ الزِّيِنَةِ " ولا يجوز أن يكون منصوباً بـ " مَوْعِدُكم " على هذا التقدير ، لأن مَفْعِلاً مراداً به الزمان أو المكان لا يعمل وإن كان مشتقاً ، فيكون الناصب له فعلاً مقدراً . وواخذه أبو حسان في قوله : على نية التعريف . قال : لأنه وإن كان ضُحَى ذلك اليوم بعينه فليس على نية التعريف بل هو نكرة ، وإن كان من يوم بعينه ، لأنه ليس معدولاً عن الألف واللام كسَحَر ، ولا هو معرف بالإضافة ، ولو قلت : جئت يوم الجمعة بَكراً ، لم ندع أن بكراً معرفة وإن كنت تعلم أنه من يوم بعينه . الثالث : أن يكون " مَوْعِدُكُم " مبتدأ ، والمراد به المصدر ، و " يَوْمَ الزِّينَةِ " ( ظرف له ، و " ضُحَى " منصوب على الظرف خبراً للموعد كما أخبر عنه في الوجه الأول بـ " يَوْمَ الزِّينَةِ " ) نحو : القتال يوم كذا . قوله : { وَأن يُحْشَرَ ٱلْنَّاسُ } في محله وجهان : أحدهما : الجر نسقاً ( على الزينة أي : مَوْعِدُكُم يومَ الزِّينةِ ويوم أن يُحْشَرَ ويومَ حَشْر النَّاس ) . والثاني : الرفع نسقاً على " يوم " . التقدير : موعدكم يوم كذا وموعدكم أن يُحْشَرَ الناس أي حشرهم . وقرأ ابن مسعود والجحدري وأو نهيك وعمرو بن فائد " وَأَنْ تَحْشر الناسَ " بتاء الخطاب في " تَحْشرَ " وروي عنهم " يَحشر " بياء الغيبة ، و " الناسَ " نصب في كلتا القراءتين ( على المفعولية ) والضمير في القراءتين لفرعون أي وأن تَحْشرَ أنتَ يا فرعونُ ( أوْ وأنْ يَحْشُرَ فرعون ) . وجوز بعضهم أن يكون الفاعل ضمير اليوم في قراءة الغيبة ، وذلك مجاز لما كان الحشر واقعاً فيه نشب إليه نحو : نهاره صائم ، وليله قائم . و " ضُحَى " نصب على الظرف العامل فيه " يُحْشَر " ويذكر ويؤنث " والضَّحاء " بالمد وفتح الضاد فوق الضحى ، لأن الضُّحى ارتفاع النهار والضَّحاءُ بعد ذلك ، وهو مذكر لا غير . فصل قال مجاهد وقتادة والسدي : " يَوْمُ الزِّينَةِ " كان يوم عيد لهم يتزيَّنُون فيه ، ويجتمعون في كل سنة . وقيل : هو يوم النيروز ، قاله مقاتل . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : يوم عاشوراء . واختلفوا في القائل { مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلْزِّينَةِ } فقيل : هو فرعون بيَّن الوقت . قال : القاضي : لأن المطالب بالاجتماع هو فرعون . والظاهر أنه من كلام موسى لأن جواب لقول فرعون { فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً } وأيضاً : إن تعيين يوم الزينة يقتضي اطلاع الكل على ما سيقع فيه ، فتعيينه إنما يليق بالمحق الذي يعرف أن اليد له لا بالمبطل الذي يعرف أنه لس معه إلا التلبيس . وأيضاً : فقوله : " مَوْعِدُكُمْ " خطاب للجميع ، فلو جعلناه من فرعون لموسى وهارون لزم إما حمله على التعظيم وذلك لا يليق بحال فرعون معهما ، أو على أن أقل الجمع اثنان وهو غير جائز ، أما لو جعلناه من موسى إلى فرعون وقومه استقام الكلام . وإنما أوعدهم ذلك اليوم ، ليكون علو كلمة الله ، وظهور دينه وكبت الكافرين ، وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد في المجمع العام ليكثر المحدث بذلك الأمر العجيب في كل بدو وحضر ، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر . قال القاضي : إنه عين اليوم بقوله " يَوْم الزِّينَةِ " ، ثم عين من اليوم وقتاً معيناً بقوله : { وَأَن يُحْشَرَ ٱلْنَّاسُ ضُحًى } أي : وقت الضحوة نهاراً جهاراً .