Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 71-71)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

( فصل ) قوله : { ءَامَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } اعلم أن فرعون لما شاهد منهم السجود والإقرار خاف أنْ يصير ذلك سبباً لاقتداء سائر الناس بهم في الإيمان بالله وبرسوله ففي الحال ألقى هذه الشبهة في النبي ، وهي مشتملة على التنفير من وجهين : الأول : أن الاعتماد على أول خاطر لا يجوز بل لا بد فيه من البحث ، والمناظرة ، والاستعانة بخواطر الغير ، فلمَّا لم تفعلوا شيئاً من ذلك بل في الحال " آمَنْتُمْ لَهُ " دَلَّ ذلك على أن إيمانكم ليس عن بصيرة بل لسبب آخر . والثاني : قوله : { إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ } يعني : أنكم تلامذته في السحر ، فاصطلحتم على أن تظهروا العجز من أنفسكم ترويجاً لأمره وتفخيماً لشأنه . ثم بعد إيراد هذه الشبهة اشتغل بالتهديد تنفيراً لهم عن الإيمان ، وتنفيراً لغيرهم عن الاقتداء بهم ، فقال : { فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْديكُم وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاَفٍ } . قوله : " لأُقَطِّعَنَّ " تقدم نحوه ، و " مِنْ خِلاَفٍ " حال أي مختلفة و " مِنْ " لابتداء الغاية ، وتقدم تحرير هذا ، وما قرىء به وقوله : " فِي جُذُوعِ النَّخْلِ " يحتمل أن يكون حقيقة ، ففي التفسير أنه نَقَّر جذوع النخل حتى جوَّفَها ووضعَهُم فيها فماتوا جوعاً وعطشاً وأن يكون مجازاً ، وله وجهان : أحدهما : أنه وضع ( فِي ) مكان ( عَلَى ) ، والأصل : على جذوع النخل ، كقول الآخر : @ 3675 - بَطَلٌ كَأَنَّ ثِيَابَهُ فِي سَرْحَةٍ يُحْذَى نِعَالَ السِّبْتِ لَيْسَ ( بتَوْأَمِ ) @@ والثاني : أنه شبه تمكنهم بتمكن مَنْ حواء الجذع واشتمل عليه ، شبه تمكن المصلوب في الجِذْع بتمكُّن الشيء الموعَى في وعائه ، فلذلك قيل " فِي جُذُوعِ النَّخْلِ " . ومِنْ تَعدِّي ( صَلَبَ ) بـ ( فِي ) قوله : @ 3676 - وَقَدْ صَلَبُوا العَبْدِيَّ فِي جِذْعِ نَخْلَةٍ فَلاَ عَطَسَتْ شَيْبَانُ إلاَّ بِأَجْدَعَا @@ قوله : " أَيُّنَا أَشَدُّ " مبتدأ وخبر ، وهذه الجملة سادة مسد المفعولين إنْ كانت ( علم ) على بابها ، ومسد واحد إنْ كانت عِرفَانِيَّة . ويجوز على جعلها عِرْفانية أن تكون " أيَّنَا " موصولة بمعنى ( الذي ) وبنيت لأنها قد أضيفت وحذف صدر صلتها و " أَشَدُّ " خبر مبتدأ محذوف ، والجملة من ذلك المبتدأ وهذا الخبر صلة لـ " أَيّ " ، و " أَيُّ " وما في خبرها في محل نصب مفعولاً به كقوله تعالى : { ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ } [ مريم : 69 ] في أحد وجهيه كما تقدم . و " أَشَدُّ عذاباً " أي : أَنَّا عَلى إيمانُكم بهِ أو رَبّ موسى على ترك الإيمان به ، " وَأَبْقَى " أي : أَدْوَم . فإن قيل : إنَّ فرعون مع قرب عهده بمشاهدة انقلاب العصا حيَّة عظيمة ، وذكر أنها قصدت ابتلاع قصر فرعون ، وآلَ الأمرُ إلى أنْ استغاثَ بموسى من شر ذلك الثعبان ، فمع قرب عهده بذلك ، وعجزه عن دفعه كيف يعقل أن يهدد السحرة ، ويبالغ في وعيدهم إلى هذا الحد ، ويستهزىء بموسى ، ويقول : { أيّنا أَشَدُّ عذاباً } ؟ فالجواب : يجوز أن يقال : إنَّه كان في أشد الخوف في قلبه إلا أنَّه كان يظهر الجلادة والوقاحة تمشيةً لِنَامُوسِهِ ، وترويجاً لأمره . ومن استقرى أحوال أهل العالم علم أنَّ العاجز قد يفعل أمثال هذه الأشياء ، ويدل على صحة ذلك أن كل عاقل يعلم بالضرورة أن عذابَ الله أشدُّ من عذاب البشر ، ثم إنه أنكر ذلك . وأيضاً : فقد كان عالماً بكذبه في قوله : { إنَّه لكبيرُكُم الذي علَّمكم السِّحر } لأنه علم أنَّ موسى ما خالطهم البتة ، وما لقيهم ، وكان يعرف من سحرته ويعرف أستاذ كل واحد من هو ، وكيف حصَّل ذلك العلم ، ثم إنه مع ذلك قال هذا الكلام ، فثبت أن سبيله في ذلك ما ذكرناه ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا في النهار سحرة ، وفي آخره شهداء .