Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 95-96)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِريُّ } . " مَا خَطْبُكَ " مبتدأ وخبر ، وتقدم الكلام على الخَطب في يوسف ، ومعناه هنا : ما أمرك وشأنُك ، أي ما حملك على ما صنعت . وقال ابن عطيَّة هنا : إنه يقتضي إشهاراً ، كأنه قال : ما نَحْسُكَ وما شُؤْمُك . ورد عليه أبو حيَّان بقوله : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } [ الحجر : 57 ] ، [ الذاريات : 31 ] . قوله : " بَصُرْتُ " يقال : بَصُر الشيء ، أي : علمه ، وأبصره أي : نظر إليه كذا قال الزجاج . وقال غيره : بصر بالشيء وأبصره بمعنى : علمه . والعامة علم ضم الصاد في الماضي ومضارعه وقرأ الأعمش وأبو السمال " بَصِرتُ " بالكسر " يَبْصَرُوا " بالفتح وهي لغة . وعمرو بن عبيد بالبناء للمفعول في الفعلين ، أي أُعْلِمْتُ بما لم يعلموا به ، وقرأ الأخوان " تَبْصَرُوا " خطاباً لموسى وقومه أو تعظيماً له كقوله : { إِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } [ البقرة : 231 ، 232 ] . @ 3686 - حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُ @@ والباقون بالغيبة من قومه والعامة على فتح القاف من " قَبْضَة " وهي المرة من القبض . قال الزمخشري : وأما القبضة فالمرة من القبض ، وإطلاقها على المقبوض من تسمية المفعول بالمصدر . قال شهاب الدين : والنحاة يقولون : إن المصدر الواقع كذلك لا يؤنث بالتاء تقول : هذه حلةٌ نسجُ اليمن ، ولا تقول : نسجة اليمن ، ويعترضون بهذه الآية ، ثم يجيبون بأن الممنوع إنما هو التاء الدالة على التحديد لا على مجرد التأنيث ، وهذه التاء دالة على مجرد التأنيث ، وكذلك قوله : { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ } [ الزمر : 67 ] . وقرأ الحسن " قُبْضَةً " بضم القاف وهي كالغُرْفَة والمُضْغَة في معنى المغروف والمقبوض . وروي عنه " قُبْصَة " بالصاد المهملة . والقَبْض بالمعجمة بجمع الكف ، وبالمهملة بأطراف الأصابع ، وله نظائر كالخضم وهو الأكل بجميع الفم والقضم بمقدمه ، والقضم قطع بانفصال والفصم بالفاء باتصال ، وقد تقدَّم شيء من ذلك في البقرة . وأدغم ابن محيصن الضاد المعجمة في تاء المتكلم مع إبقائه الإطباق . وأدغم الأخوان وأبو عمرو الذال في التاء من " فَنَبَذْتُهَا " . فصل لما أجاب هارون أخاه موسى بالجواب المتقدم أقبل موسى على السامريّ وقال له : " مَا خَطْبُكَ " أي : ما حملَكَ على ما فعلتَ ؟ فقال : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي : رأيت ما لم يروا بنو إسرائيل وعرفت ما لم يعرفوا . قال ابن عباس : علمتُ ما لم يعلموا ، ومنه قولهم : رجل بصيرٌ ، أي : عالم قاله أبو عبيدة وأراد أنه رأى جبريل عليه السلام فأخذ من موضع حافر دابته قبضةً من تراب ، فقال : { فَقَبَضْتُّ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ } . وقرأ ابن مسعود : " مِنْ أَثَرِ فَرَسِ الرَّسُولِ " والمراد بالرسول جبريل - عليه السلام - ( عند عامَّة المفسرين ، وأراد بأثره التراب الذي ) أخذه من موضع حافر دابته لما رآه يوم فلق البحر . وعن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّ جبريل - عليه السلام - لمَّا نزل ليذهب موسى إلى الطور أبصره السَّامريّ من بين الناس . واختلفُوا في أنه كيف اختص السامريُّ برؤية جبريل ومعرفته بين الناس ؟ فقال ابن عبَّاس في رواية الكلبي : إنَّما عرفه ، لأنه رآه في صغره ، وحفظه من القتل حين أمر فرعون بذبح أولاد بني إسرائيل ، فكانت المرأة إذا ولدتْ طرحتْ ولدَها حيث لا يشعر به آل فرعون ، فيأخذ الملائكة الولدان ويربونَهم حتى يترعرعوا ويختلطوا بالناس ، فكان السامريُّ ممن أخذه جبريل - عليه السلام - ، وجعل كفَّ نفسه في فيه وارتضع منه اللبن والعسل ليربيه - فلما قضي على يديه من الفتنة فلم يزل يختلف إليه حتى عرفه . قال ابن جريج : فعل هذا قوله : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } يعني رأيت ما لم يروه . ومَنْ فسّر الإبصار بالعلم فهو صحيح ، ويكون المعنى علمتُ أن تراب فرس جبريل - عليه السلام - له خاصة الإحياء ، وذلك أنه كان كلما رفع الفرس يديه أو رجليه في مشيه على الطريق اليبس يخرج تحته النبات في الحال . وقال أبُو مسلم : ليس في القرآن تصريح بما ذكره المفسرون فهنا وجه آخر ، وهو أن يكون المرادُ بالرسول موسى - عليه السلام - ، وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به فقد يقول الرجل : إنَّ فلاناً يقفُوا أثرَ فلان يقتص أثرَه إذا كان يمتثل رسمه ، والتقدير أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا أقبل على السامريِّ باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في العِجْل فقال : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } أي عرفت أن الذي أنتم عليه ( ليس بحق ) ، وقد كنت قبضتُ قبضةً من أثرك أيُّها الرسولُ أي : شيئاً من دينك ، فنبذته أي : طرحته ، فعند ذلك أعلمه موسى - عليه السلام - بما له من العذاب في الدُّنيا والآخرة ، وإنما أورد بلفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له : ما يقولُ الأميرُ في كذا ، أو بماذا يأمرُ الأمير . وأما ادِّعاؤُه أنَّ موسى - عليه السلام - رسول مع جحده وكفره فعلى مذهب من حكى الله عنه قوله : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] وإن لم يؤمنوا بالإنزال . قال ابن الخطيب : وهذا الذي ذكره أبو مسلم ( ليس فيه إلاَّ أنَّه مخالف للمفسرين ، ولكنه أقرب إلى التحقيق لوجوه : أحدها : أن جبريل - عليه السلام - ) ليس معهوداً باسم الرسول ، ولم يجز له فيما تقدم ذكر حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه ، فإطلاق لفظ الرسول لإرادة جبريل كأنه تكليف بعلم الغيب . وثانيها : أنه لا بد فيه من الإضمار وهو قبضة من أثر حافر دابة الرسول والإضمار خلاف الأصل . وثالثها : أنه لا بد من التعسف في بيان أنَّ السامريّ كيف اختصَّ من بين جميع الناس برؤية جبريل ومعرفته ، ثم كيف عرف أن تراب حافر دابته يؤثر هذا الأثر ، والذي ذكروه من أن جبريل - عليه السلام - هو الذي ربَّاه فبعيد ، لأن السامريَّ إن عرف أنه جبريل حال كمال عقله عرف قطعاً أنَّ موسى - عليه السلام - نبيٌّ صادقٌ ، فكيف يحاول الإضلال ، وإن كان ما عرفه حال البلوغ فأنَّى ينفعه كون جبريل - عليه السلام - ( مربّياً له ) حال الطفولية في حصول تلك المعرفة . ورابعها : أنه لو جاز إطلاع بعض الكفرة على ترابٍ هذا شأنه لكان لقائل أن يقول : فلعل موسى اطلع أيضاً على شيء آخر يشبه ذلك ، فلأجله أتى بالمعجزات ، فرجع حاصله إلى سؤال من يطعن في المعجزات ويقول : لِمَ لا يجوز أن يقال : إنَّهم أتوا بهذه المعجزات لاختصاصهم بمعرفة بعض الأدوية التي لها خاصية أن يفيد حصول تلك المعجزة ، وحينئذ يسند باب المعجزات بالكلية . ثم قال : { وَكَذَٰلِك سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي } أي زينت ، والمعنى : فعلتُ ما دعتني إليه نفسي ، وسولت مأخوذة من السؤال .