Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 97-98)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } قرأ العامة بكسر الميم وفتح السين ، وهو مصدر لفاعل كالقِتَال من قَاتَل ، فهو يقتضي المشاركة ، وفي التفسير : لا تَمسَّني ولا أمسك وإن مَنْ مَسَّه أصابته الحمَّى . وقرأ الحسن وأبُو حيوة وابن أبي عبلة ( وقعنب ) بفتح الميم وكسر السين ، هكذا عبّر أبُو حيَّان ، وتبع فيه أبا البقاء . ومتى أخذنا بظاهر هذه العبارة لزم أن يقرأ " مَسِيس " بقلب الألف ياء لانكسار ما قبلها ، ولكن لم يُرْوَ ذلك فينبغي أن يكونوا أرادوا بالكسر الإمالة ، ويدل على ذلك ما قاله الزمخشري : وقُرىء " لاَ مَساس " بوزن ( فَجَارِ ) . ونحوه قولهم في الظباء : إنْ وَرَدَتِ المَاءَ فَلاَ عَبَابِ وإنْ فَقَدَتْهُ فَلاَ أَبَابِ ( فهي أعلام للمسَّةِ والعبَّة والأبَّةِ وهي المرة من الأَبّ وهو ) الطلب . ويدل عليه أيضاً قولُ صاحب اللوامح : هو على صورة ( نَزَالِ ، ونَظَارِ ) من أسماء الأفعال بمعنى ( انزل ، وانظر ) . فهذا أيضاً تصريح بإقرار الألف على حالها . ثم قال صاحب اللوامح : فهذه الاسماء التي بهذه الصيغة معارف ، ولا تدخل عليها ( لا ) النافية التي تنصب النكرات نحو : لاَ مَالَ لَكَ . لكنه فيه نفي الفعل ، فتقديره : لا يكون منك مَسَاسٌ ، ومعناه النهي ، أي : لا تمسَّني وقال ابن عطيَّة : " لاَ مَسَاسِ " وهو معدول عن المصدر كفجَارِ ونحوه ، وشبهه أبو عبيدة وغيره بنزَالِ ودَرَاكِ ونحوه ، والشبه صحيح من حيث هي معدولات ، وفارقه من حيث أن هذه عدلت عن الأمر و " مَسَاسِ " وفَجَارِ عدلت عن المصدر ، ومن هذا قول الشاعر : @ 3687 - تَمِيمٌ كَرَهْطِ السَّامِرِيِّ وَقَوْلِهِ أَلاَ لاَ يُرِيدُ السَّامرِيُّ مَسَاسِ @@ فكلام الزمخشري وابن عطية يعطي أن " مَسَاسِ " على هذه القراءة معدول عن المصدر كفجار عن الفَجَرة . وكلام صاحب اللوامح يقتضي أنَّها معدولة عن فعل الأمر إلا ( أنْ يكون مراده ) أنها معدولة كما أنَّ اسم الفعل معدول كما تقدم توجيه ابن عطيَّة لكلام أبي عبيدة . فصل معنى الكلام أنَّك ما دُمتَ حيًّا أن تقول : " لاَ مَسَاس " أي لا تخالط أحداً ولا يخالطك أحد . أو أمر موسى بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقاربوه ، قال ابن عباس لا مَسَاس لَكَ ولَوَلَدِكَ . والمَسَاس من المماسّة معناه لا يَمَسُّ بعضُنا بعضاً ، فصار السامري يهيم في الأرض مع الوحوش والسباع لا يمس أحداً . ولا يمسه أحد ، عاقبه الله بذلك ، وكان إذا لقي أحداً يقول : لاَ مَسَاس ، أي : لا تقربني ولا تَمَسَّنِي . وقيل : كان إذا مَسَّ أحداً أو مسَّه أحدٌ حُمَّا جميعاً ، حتى إنَّ بقاياهم اليوم يقولون ذلك . وإذَا مسَّ أحدٌ من غيرهم أحداً منهم حُمَّا جميعاً في الوقت . وقال أبو مسلم يجوز أن يريد مسَّ النساء ، فيكون من تعذيب الله إياه انقطاع نسله فلا يكون له من يؤنسه ، فيخليه الله من زينة الدنيا ( التي ذكرها ) في قوله تعالى { ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [ الكهف : 46 ] . قوله : { وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَن تُخْلَفَهُ } . الموعد بمعنى الوعد . وقرأ ابنُ كثير وأبو عمرو " تُخْلِفَهُ " بكسر اللام على البناء للفاعل ، أي تجيء إليه ولن تغيب عنه . والباقون بفتحها على البناء للمفعول وقرأ أبُو نُهَيْك فيما حكاه عنه ( ابن خالويه ) بفتح التاء من فوق وضم اللام ، وحكى عنه صاحب اللوامح كذلك إلا أنه بالياء من تحت ، وابن مسعود والحسن بضم نون العظمة وكسر اللام فأما القراءة الأولى فمعناها : لن تَجِده مخلَفاً كقولك : أحْمَدته وأحببته أي وجدته محموداً وحبَّاباً . وقيل المعنى : سيصل إليك ولن تستطيع الروغان ولا الحيدة عنه ، قال الزمخشري : وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته مخلفاً . قال الأعشى : @ 3688 - أَثْوَى وَقصَّر لَيْلَهُ لِيُزَوَّدَا فَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا @@ ومعنى الثانية لَنْ يَخْلِفَ الله موعده الَّذِي وَعَدَك . وفتحُ اللام اختيار أبي عبيد ، كأنَّه قال موعداً حقاً لا خُلْفَ فيه ، ولن يُخلِف الله ، والمعنى أن الله يكافئك على فعلك ولا تفر منه . وأما قراءتا أبي نُهَيْك فهما من خلفهُ يخلفُهُ إذا جاء بعده أي الموعد الذي لك لا يدفع قولَك الذي تقوله ، وهي مشكلة ، قال أبو حاتم : لا نعرف لقراءة أبي نُهَيْك مذهباً . وأما قراءة ابن مسعود فأسند الفعل فيها إلى الله تعالى ، والمفعول الأول محذوف ، أي لن ( يخلفكه ) . قوله : " ظَلْتَ " العامَّة على فتح الظاء وبعدها لام ساكنة . وابن مسعود وقتادة والأعشى بخلاف عنه وأبو حَيْوَة وابن أبي عبلة ويحيى بن يعمر كسر الظَّاء ، وروي عن ابن يَعْمَر ضمها أيضاً . وأبيّ والأعمش في الرواية الأخرى " ظَلِلْتَ " بلامين أولهما مكسورة فأمَّا قراءة العامة ففيها حذف أحد المِثلين وإبقاء الظاء على حالها من حركتها ، وإنما حذف تخفيفاً ، وعده سيبويه في الشاذ ، يعني شذوذ قياس لا شذوذ استعمال ، وعدَّ معه ألفاظاً أُخَر نحو مَسْتُ وَأَحَسْتُ . كقوله : @ 3689 - أَحَسْنَ بِهِ ( فَهُنَّ إِلَيْكَ شُوسُ ) @@ وعد ( ابن الأنباري ) هَمْتُ في هَمَمْتُ ، ولا يكون هذا الحذف إلا إذا سكنت لام الفعل . وذكر بعض المتأخرين أن هذا الحذف منقاس في كل مضاعف العين واللام سكنت لمه وذلك في لغة سليم . قال شهاب الدين : والذي أقوله إنه متى التقى التضعيف المذكور والكسرة نحو ظَلِلْتُ ومَسِسْتُ انقاس الحذف . وهل يجري الضم مجرى الكسر في ذلك ؟ فالظاهر أنه يجري بل بطريق الأولى ، لأن الضم أثقل من الكسر نحو غُضْنَ يا نسوة أي اغضُضْنَ أبصاركنّ ذكره ابن مالك . وأما الفتح فالحذف فيه ضعيف نحو قَرْن يا نسوة في المنزل ، ومنه أحد توجيهي قراءة { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } [ الأحزاب : 33 ] كما سيأتي إن شاء الله تعالى . وأما الكسر فوجهه أنه نقل كسرة اللام إلى الفاء بعد سلبها حركتها ليدل عليها . وأما الضمُّ فيحتمل أن يكون جاء في لغة على فَعَل يَفْعُل بفتح العين في الماضي وضمها في المضارع ثم نقلت كما تقدم ذلك في الكسر . وأما " ظَلِلْتُ " بلامين فهذه هي الأصل ، وهي منبهة على غيرها . و " عَاكِفاً " خبر " ظَلَّ " . قوله : " لَنُحَرِّقَنَّهُ " جواب قسم محذوف ، أي : والله لنحُرِّقَنَّهُ ، والعامة على ضم النون وكسر الراء مشددة من حرَّقَهُ يحرِّقه بالتشديد . وفيها تأويلان : أحدهما : أنها من حرقه بالنار . والثاني : أنه من حرق ناب البعير إذا وقع عضٌّ أنيابه على بعض ، والصوت المسموع منه يقال له الصَّريف ، والمعنى لَنَبْرُدُنَّه بالمِبْرَد بَرداً يسحقه به كما يفعل البعير بأنيابه بعضها على بعض . وقرأ الحسنُ وقتادة وأبو جعفر " لَنَحْرُقَنَّهُ " بضم النون وسكون الحاء وكسر الراء من أحرق رباعياً . وقرأ ابن عباس وحميد وعيسى وأبو جعفر " لَنُحْرِقَنَّهُ " كذلك إلا أنه بضم الراء ، فيجوز أن يكون من حرَّقَ وأحْرَقَ بمعنى كأنزل ونزَّل . وأما القراءة الأخيرة فبمعنى لَنَبرُدَنَّهُ بالمِبْرَد . قوله : " لَنَنْسِفَنَّهُ " العامة على فتح النون الأولى وسكون الثانية وكسر السين خفيفة . وقرأ عيسى بضم ( السين ) . وقرأ ابن مقسّم بضم النون الأولى وفتح الثانية وكسر السين مشدّدة . والنَّسف التفرقة والتذرية ، وقيل : قَلْع الشيء من أصله ، يقال : نَسَفَهُ ينسِفُه بكسر السين وضمها في المضارع ، وعليه القراءتان والتشديد للتكثير . فصل معنى إحراقه على قراءة التشديد قال السُّدِّي : أمر موسى بذبح العجل فذبح وسال منه الدم ، ثم أُحرق ونُسِف رماده . وهذا يدل على أنه صار لحماً ودماً ، لأن الذهب لا يمكن إحراقه بالنار . وفي حرف ابن مسعود : " لَنَذْبَحَنَّه ولَنَحْرِقنَّهُ " . وعلى قراءة التخفيف أي لَنَبْرُدَنَّه بالمِبْرد ، وهذه القراءة تدل على أنه لم ينقلب لحماً ودماً ، فإن ذلك لا يُبْرَد بالمِبْرد ، ومنه قيل للمبرد : المحرق . وقال السَّدي : أخذ موسى العجل ، ثم ذبحه ثم حرقه ، ثم بُرِدت عظامه بالمِبرد ، ثم ذرَّاهُ في اليَمِّ . ثم لما فرغ من إبطال ما ذهب إليه السامريُّ عاد إلى بيان الدين الحق فقال : " إنَّما إلهُكُمْ " أي المستحق للعبادة { ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } قال مقاتل : يعلم من يعبده ( ومن لا يعبده ) قوله : { وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً } العامة على كسر السين خفيفة و " عِلْماً " على هذه القراءة تمييز منقول من الفاعل ، إذ الأصل وسع كُلَّ شيءٍ علمُهُ . وقرأ مجاهد وقتادة بفتح السين مشددة . وفي انتصاب " عِلماً " أوجه : أحدها : أنه مفعول به ، قال الزمخشري : ووجهه أن " وَسع " متعد إلى مفعول واحد ( وهو كُلَّ شيءٍ ) وأما " عِلماً " فانتصابه على التمييز فاعلاً في المعنى ، فلما ثقل نقل إلى التعدية إلى مفعولين فنصبهما معاً على المفعولية ، لأن المميز فاعل في المعنى كما تقول في خاف زيدٌ عمراً . خَوَّفْتُ زيداً عمراً : فترُدُّ بالنقل ما كان فاعلاً مفعولاً . وقال أبو البقاء : والمعنى : أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ عِلماً فضمنه معنى ( أَعْطَى ) . وما قاله الزمخشري أولى . والوجه الثاني : أنه تميز أيضاً كما هو في قراءة التخفيف ، قال أبو البقاء وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون بمعنى عظَّمَ خلقَ كُلِّ شيءٍ كالأرض والسماء ، وهو بمعنى بسط فيكون " عِلماً " تمييزاً وقال ابن عطية : وسع خَلْقَ الأشياءِ وكثرها بالاختراع .