Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 99-104)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : " كَذَلِكَ نَقُصُّ " الكاف إما نعت لمصدر محذوف ، أو حال من ضمير ذلك المصدر المقدر ، والتقدير : كقصّنا هذا النبأ الغريب نقص ، و " مِن أنْبَاءِ " صفة لمحذوف هو مفعول " نَقُصُّ " أي : نقص نبأً من أنباء . فصل لمَّا ذكر قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون ثم مع السامري قال : { كَذَٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ } من أخبار سائر الأمم وأحوالهم تكثيراً لشأنك وزيادةً في معجزاتك { وَقَدْ ءَاتَيْنَاكَ مِن لَدُنَّا ذِكْراً } يعني القرآن ( لقوله تعالى ) : { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ } [ الأنبياء : 50 ] { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ } [ الزخرف : 44 ] { وَٱلْقُرْءَانِ ذِي ٱلذِّكْرِ } [ ص : 1 ] { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ } [ الحجر : 6 ] . وفي تسمية القرآن بالذكر وجوه : أحدها : أنه كتاب فيه ذكرُ ما يحتاج إليه الناس من أمور دينهم ودنياهم . وثانيها : أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه ، وفيه التذكير والموعظة . وثالثها : فيه الذكر والشرف لك ولقومك كما قال : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] وسمى الله تعالى كل كتاب أنزله ذكراً فقال تعالى : { فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } [ النحل : 43 ] ، [ الأنبياء : 7 ] وكما بيَّن نعمته بذلك بيَّنَ وعيده لمن أعرض عنه فقال : { مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَٰمَةِ وِزْراً } أي : من أعرض عن القرآن ولم يؤمن به ولم يعمل بما فيه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً ، والوزرُ هو العقوبة الثقيلة ، سماها وزراً لثقلها على المعاقب تشبيهاً بالحمل الثقيل . وقيل : حِمْلاً ثقيلاً من الإثم . قوله : " مَنْ أَعَرَضَ " يجوز أن تكون " مَنْ " شرطية أو موصولة ، والجملة الشرطية أو الخبرية الشبيهة بها في محل نصب صفة لـ " ذِكْراً " . قوله : " خَالدينَ فِيهِ " حال من فاعل " يَحْمِلُ " . فإن قيل : كيف يكون الجمع حالاً من مفرد ؟ فالجواب : أنه حمل على لفظ " مَنْ " فأفرد الضمير في قوله : " أَعْرَضَ " و " فَإِنَّهُ " و " يَحْمِلُ " ، وعلى معناها فجمع في " خَالِدِينَ " و " لَهُمْ " ، والمعنى مقيمين في عذاب الوزر . والضمير في " فِيهِ " يعود لـ " وِزْراً " ، والمراد فيه العقاب المتسبب عن الوزر ، وهو الذَّنب ، فأقيم السبب مقام المسبب . وقرأ داود ( بن رفيع ) " ويُحَمَّل " مضعفاً مبنيًّا للمفعول ، والقائم مقام فاعله ضمير " مَنْ " و " وِزْراً " مفعول ثان . قوله : " وَسَاءَ " هذه ساء التي بمعنى بِئْس وفاعلها مستتر فيها يعود إلى " حِمْلاً " المنصوب على التمييز ، لأن هذا الباب يفسر الضمير فيه بما بعده ، والتقدير : وَسَاءَ الحِمْلُ حِمْلاً ، ( والمخصوص بالذم محذوف تقديره : وَسَاء الحِمْلُ حِمْلاً وِزْرُهُمْ ) . ولا يجوز أن يكون الفاعل لبئس ضمير الوِزْر ، لأن شرط الضمير في هذا الباب أن يعود على نفس التمييز . فإن قلتَ : ما أنكرت أن يكون في " سَاءَ " ضمير الوزر . قلت : لا يصح أن يكون في " سَاءَ " وحكمه حكم بئس ضمير شيءٍ بعينه غير مبهم . ولا جائز أن يكون " سَاءَ " هنا بمعنى ( أَهَمَّ وأحزَنَ ) فتكون متصرفة كسائر الأفعال . قال الزمخشري : كفاك صادًّا عنه أن يَؤُول كلامُ الله تعالى إلى قولك وأحْزَنَ الوِزْرُ لَهُمْ يومَ القيامة حِمْلاً ، وذلك بعد أن تخرج عن عُهْدِة هذه اللام وعهدة هذا المنصوب . انتهى . واللام في " لَهُمْ " متعلقة بمحذوف على سبيل البيان كهي في " هَيْتَ لَك " والمعنى بئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم كفراً بالقرآن . قوله : " يَوْمَ يُنْفَخُ " " يَوْمَ " بدل من " يَوْمَ القِيَامَةِ " ، أو بيان له أو منصوب بإضمار فعل ، أو خبر مبتدأ مضمر ، وبُنِيَ على الفتح على رأي الكوفيين كقراءة { هَذَا يَوْمُ يَنْفَع } [ المائدة : 119 ] وقد تقدَّم . وقرأ أبو عمرو " نَنْفُخُ " مبنيّاً للفاعل بنون العظمة كقوله : " وَنَحْشُر " أسند الفعل إلى الأمر به تعظيماً للمأمور ، وهو إسرافيل . والباقُونَ بالياء مضمومة مفتوح الفاء على البناء للمفعول ، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده . والعامة على إسكان الواو " في الصُّورِ " . وقرأ الحسن وابن عامر بفتحها جمع صورة كغُرَف جمع غُرْفة ، وقد تقدم القول في الصُّور في الأنعام ( وقرىء : " يَنْفُخَ ، وَيَحْشُرُ " بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل ، وهو الله تعالى أو المَلَك ) . وقرأ الحسن وحميد " يُنْفَخُ " كالجمهور ، " ويَحْشُرُ " بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل ، والفاعل كما تقدم ضمير الباري أو ضمير الملك . وروي عن الحسن أيضاً " ويُحْشَرُ " مبينًّا للمفعول " المُجْرِمُونَ " رفع به و " زُرْقاً " حال من المجرمين ، والمراد زرقةُ العُيون ، وجاءت الحال هنا بصفة تشبه اللازمة ، لأن أصلها على عدم اللزوم ، ولو قلتَ في الكلام : جاءَنِي زيدٌ أزرق العينين لم يجز إلا بتأويل . فصل قيل : الصور قرن ينفخ فيه بدعائه الناس للحشر . وقيل : إنه جمع صورة ، والنَّفخُ نفخ الرُّوح فيه ، ويدل عليه قراءة من قرأ " الصُّوَر " بفتح الواو . والأول أولى لقوله تعالى : { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } [ المدثر : 8 ] والله تعالى يعرف الناس أمور الآخرة بأمثال ما شُوهِد في الدنيا ، ومن عادة الناس النفخُ في البوق عند الأسفار وفي العساكر . والمراد من هذا النفخ هو النفخة الثانية لقوله بعد ذلك : { وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً } فالنفخ في الصور كالسبب لحشرهم ، فهو كقوله : { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } [ النبأ : 18 ] . والزرقة هي الحضرة في سواد العين ، فيُحْشَرُون زرق العيون سود الوجوه . فإن قيل : أليس أنَّ الله تعالى أخبر يُحْشَرُونَ عُمْياً فكيف يكون أعمى وأزرق ؟ فالجواب لعله يكون أعمى في حال : وأزرق في حال . وقيل : " زُرْقاً " أي عُمْياً ، قال الزجاج : يخرجون زُرْقاً في أول الأمر ويُعْمون في المحشر . وسوادُ العين إذا ذهب تزرق . فإن قيل : كيف يكون أعمى ، وقد قال الله تعالى : { لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] وشخوص البصر من الأعمى محال ، وأيضاً قد قال في حقهم : { ٱقْرَأْ كِتَابَكَ } [ الإسراء : 14 ] والأَعْمَى كيف يقرأ ؟ فالجواب أن أحوالهم قد تختلف . وقيل : المراد بقوله : " زُرْقاً " أي زرق العيون ، والعرب تتشاءَمُ بها . وقيل يجتمع مع الزرقة سواد الوجه . قال أبو مسلم : المراد بالزرقة شخوص أبصارهم ، والأزرق شاخص فإنه لضعف بصره يكون محدِّقاً نحو الشيء ، وهذه حال الخائف المتوقع لما يكره ، وهي كقوله : { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ } [ إبراهيم : 42 ] . وروى ثعلب عن ابن الأعرابي : " زُرْقاً " عِطَاشاً ، قال لأنهم من شدة العطش يتغير سوادُ أعينهم حتى تزرَقُّ لقوله تعالى : { وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } [ مريم : 86 ] وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي : " زُرْقاً " طامعين ( فيما لا يَنَالُونَه ) . فصل قالت المعتزلة : لفظُ المجرمين يتناول الكفار والعُصاة فيدل على عدم العفو عن العصاة . وقال ابن عباس : يريدُ بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلهاً آخر وتقدم هذا البحث . قوله : " يَتَخَافَتُونَ " يجوزُ أن يكون مستأنفاً ، وأن يكونَ حالاً ثانية من " المُجْرمينَ " ، وأن يكونَ حالاً من الضمير المستتر في " زرقاً " فتكون حالاً متداخلة ، إذ هي حال ( من حال ) . ومعنى " يَتَخَافَتُونَ " أي : يتشاوَرُونَ فيما بينهم ، ويتكلمون خفية ، يقال : خَفَتَ يَخْفتُ ، وخَافَتَ مُخَافَتَة ، والتَّخَافُت السرار نظيره قوله تعالى : { فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً } [ طه : 108 ] ، وإنما يتخافتون ، لأنه امتلأت صدورُهُمْ من الرعب والهول ، أو لأنهم بسبب الخوفِ صارُوا في نهاية الضعف فلا يطيقون الجهر . وقوله : " إن لَبِثْتُمْ " هو مفعول المارة ، وقوله : " إلاَّ عَشْراً " يجوز أن يراد الليالي ، وحذف التاء من العدد قياسي . وأن يراد الأيام ، فيُسْأَل لِمَ حذفت التاء ؟ فقيل : إنه إذا لم يذكر المميز في عدد المذكر جازت التاء وعدمها ، سمع من كلامهم : صُمْنَا من الشهر خَمْساً ، والصَّوْمُ إنما هو الأيام ، دون اللَّيالي . وفي الحديث " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأتْبَعَهُ بستّ مِنْ شَوَّال " ، وحسن الحذف هنا لكونه رأس آية وفاصلة . فصل قال الحسن وقتادةَ والضحَّاك : أرادوا به اللبث في الدنيا ، أي فما مكثتم في الدُّنْيَا إلا عشر ليال ، واحتجُّوا بقوله تعالى : { قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ } [ المؤمنون : 112 ، 113 ] . فإن قيل : إما ( أن يقال ) : إنهم قد نسَوا قدرَ لبثهم في الدنيا أو ما نَسوا ذلك والأول غير جائز ، إذ لو جاز ذلك لجاز أن يبقى الإنسان خمسين سنة في بلدة ثم يَنْسَى . والثاني غير جائز ، لأنه كذب ، وأهل الآخرة لا يكذبون لا سيَّما وهذا الكذب لا فائدة فيه . فالجواب من وجوه : الأول : لعلَّهم إذا حُشِرُوا في أول الأمر وعاينوا تِلْكَ الأهوال وشدة وقعها ذهلوا عن مقدار عمرهم في الدُّنيا ، ولم يذكروا إلا القليل ، فقالوا : ليتَنا ما عِشْنَا إلا تلك الأيام القليلة في الدنيا حتى لا نَقَع في هذه الأهوال ، والإنسان قد يذهل عند الهول الشديد ، وتمام تقريره مذكورة في سورة الأنعام في قوله تعالى : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . وثانيها : أنهم عالِمون بمقدار عمرهم في الدنيا إلا أنَّهُم لمّا قَابَلُوا أَعْمَارَهُمْ في الدنيا بأعمارِ الآخرة وجدُوهَا في نهاية القلة ، فقال بعضهم : ما لبثْنَا في الدنيا إلا عشرة أيام ، وقال أعْقَلُهُمْ : ما لبثنا إلا يوماً واحداً ، أي : قدر لبثنا في الدنيا بالقياس إلى قدر لبثنا في الآخرة كعشرة أيام بل كاليوم الواحد بل كالعدم ، وإنما خصَّ العشرة والواحد بالذكر ، لأن القليل في أمثال هذه المواضع لا يعبر عنه إلا بالعشرة والواحد . وثالثها : أنهم لما عايَنُوا الشدائد تذكَّروا أيام النعمة والسرور ، وتأسفوا عليها ، وصفوها بالقصر ، لأن أيام السرور قصار . ورابعها : أن أيامَ الدنيا قد انقضت وأيام الآخرة مستقبلة ، والذاهب وإن طالت مدته قليل بالقياس إلى الآتي وإن قصرت مدته ، فكيف والأمر بالعكس . ولهذه الوجوه رجَّح الله تعالى قول مَنْ بالغ في التقليل فقال : { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } . وقيل : المراد منه اللبث في القبر ، ويؤيده قوله تعالى : { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ } [ الروم : 55 ، 56 ] . ( فأمَّا من جوَّز الكذب على أهل القيامة فلا إشكال له في الآية ) ، أما من لم يجوزه قال : إن الله تعالى لما أحْيَاهم في الفترة وعذَّبهم ، ثم أماتهم ثم بعثهم يوم القيامة لم يعرفوا مقدار لبثهم في القبر كم كان ؟ فخطر ببال بعضهم أنه في التقدير عشرة أيام . وقال آخرون : إنه يوم واحد ، فلمَّا وَقَعُوا في العذاب مرة أخرى استثقلوا زمانَ الموت الذي هو زمان الخلاص لِمَا نالهم من هول العذاب . وقيل : المراد باللبث بين النفختين ، وهو أربعون سنة ، لأن العذاب يرفع عنهم بين النفختين ، استقصروا مدة لبثهم لهول ما عاينوا . والأكثرون على أنَّ قوله : { إِن لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } أي عشرة أيام ، فيكون قولُ مَنْ قال { إِن لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } أقل ، وقال مقاتل : { إِن لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } أي ساعات ، لقوله ( تعالى : { كَأَنَّهُمْ ) يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا } [ النازعات : 46 ] وعلى هذا يكون اليوم أكثر . ثم قال تعالى : { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ } أي : يَتَشَاوَرُون { إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً } أي : أوفاهم عقلاً وأعدَلُهم قولاً { إِن لَبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } قصر ذلك في أعينهم في جنب ما استقبلهم من الأهوال يوم القيامة . قيل : نَسُوا مقدارَ لبثهم لشدة ما دهمهم . قوله : " إذْ يَقُولُ " منصوب بـ " أَعْلَمُ " و " طريقةً " منصوب على التمييز .