Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 101-103)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } الآية . قال بعض أهل العلم " إنَّ " ههنا بمعنى ( إلا ) أي : إلا الذين سبقت لهم منا الحسنى . قال ابن الخطيب : قد بينا فساد هذا القول ، وذكرنا أنَّ سؤال ابن الزبعرى لم يكن وارداً ، فلم يبق إلا أحد أمرين : الأول : أن يقال : إنَّ عادة الله تعالى أنه متى شرح عقاب الكفار أردفه بشرح ثواب الأبرار ، فلهذا ذكر هذه الآية عقيب تلك الآية فهي عامة في حق كل المؤمنين . الثاني : أن هذه الآية نزلت في تلك الواقعة لتكون كالتأكيد في دفع سؤال ابن الزبعرى ثم قال : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وهذا هو الحق ، أجراها على عمومها ، فتكون الملائكة والمسيح وعزير - عليهم السلام - داخلين فيها ، لا أنّ الآية مختصة بهم . ومَنْ قال العبرة بخصوص السبب خصص قوله : " إنَّ الَّذِينَ " بهؤلاء فقط . قوله : " مِنَّا " يجوز أن يتعلق بـ " سَبَقَتْ " ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " الحُسْنَى " قال الزمخشري : " الحُسْنَى " الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن وهي إما السعادة ، وإما البشرى بالثواب ، وإما التوفيق للطاعة ثم شرح أحوال ثوابهم فقال : { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } . قال أهل العفو معناه : أولئك عنها مخرجون ، واحتجوا بوجهين : الأول : قوله { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] أثبت الورود ، والورود الدخول ، فدل على أن هذا الإبعاد هو الإخراج . والثاني : أن إبعاد الشيء لا يصح إلا إذا كانا متقاربين لأنهما لو كانا متباعدين استحال إبعاد أحدهما عن الآخر ، لأنّ تحصيل الحاصل محال . وقال المعتزلة : { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } لا يدخلون النار ولا يقربونها ألبتة . واحتج القاضي عبد الجبار على فساد الأول بأمور : أحدها : أنَّ قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } يقتضي أنّ الوعد بثوابهم قد تقدم في الدنيا ، وليس هذا حال من يخرج من النار . وثانيها : أنه تعالى قال : { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } فكيف يدخل في لك من وقع فيها . وثالثها : قوله : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } وقوله : { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُُ } يمنع من ذلك . والجواب عن الأول لا نسلم أنّ المراد من قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } هو أن الوعد بثوابهم قد تقدم ، ولم لم يجوز أن يكون المراد من " الحُسْنَى " تقدم الوعد بالثواب ، ( لكن لم قلتم إن الوعد بالثواب لا ) يليق بحال من يخرج من النار فإن عنده المحابطة باطلة ، ويجوز الجميع بين استحقاق الثواب والعقاب . وعن الثاني : أنا بينا أنّ قوله : { أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } لا يمكن إجراؤه على ظاهره إلا في حق من كان في النار . وعن الثالث : أن قوله : { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } مخصوص بما بعد الخروج . وعلى قول المعتزلة بأن المراد بقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } أنهم لا يدخلون النار ولا يقربونها ، يبطل القول بأن جميع الناس يردون النار ، ثم يخرجون إلى الجنة ، فيجب التوفيق بينه وبين قوله : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا } [ مريم : 71 ] وقد تقدم . قوله : { وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ } إلى قوله : " وَتَتَلَقاهُم " كل جملة من هذه الجمل يحتمل أن تكون حالاً مما قبلها ، وأن تكون مستأنفة ، وكذلك الجملة المضمرة من القول العامل في جملة قوله : " هَذَا يَوْمُكُمُ " إذ التقدير : وتتلقاهم الملائكة يقولون هذا يومكم . فصل معنى { لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } أي : صوتها وحركة تلهبها إذا نزلوا منازل لهم في الجنة . والحس والحسيس : الصوت الخفي . { وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ } مقيمون كقوله : { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [ الزخرف : 71 ] { لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } النفخة الأخيرة لقوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ } [ النمل : 87 ] . وقال الحسن : حين يؤمر بالعبد إلى النار . وقال ابن جريج : حين يذبح الموت وينادي يا أهل الجنة خلود فلا موت . وقال سعيد بن جبير والضحاك : هو أن تطبق جهنم ، وذلك بعد أن يخرج الله منها من يريد أن يخرجه . " وَتَتَلَقَّاهُمُ المَلاَئِكَةُ " . أي : تستقبلهم الملائكة على أبواب الجنة يقولون { هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } . فإن قيل : أي : بشارة في أنهم لا يسمعون حسيسها ؟ فالجواب : المراد منه تأكيد بعدهم عنها ، لأن من قرب منها قد يسمع حسيسها فإن قيل : أليس أهل الجنة يرون أهل النار ، فكيف لا يسمعون حسيس النار ؟ فالجواب : إذا حملناه على التأكيد زال هذا السؤال .