Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 11-15)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " وَكَمْ قَصَمْنَا " " كَمْ " في محل نصب مفعولاً مقدماً بـ " قَصَمْنَا " و " مِنْ قَرْيَةٍ " تمييز ، والظاهر أن " كَمْ " هنا خبرية ، لأنها تفيد التكثير . والقصم : القطع وهو الكسر الذي يبين تلازم الأجزاء بخلاف الفصم . قوله : " كَانَتْ ظَالِمَةً " في محل جر صفة لـ " قَرْيَةٍ " ، ولا بد من مضاف محذوف قبل " قَرْيَةٍ " أي : وكم قصمنا من أهل قرية بدليل عود الضمير في قوله : " فَلَمَّا أَحَسُّوا " ولا يجوز أن يعود على قوله " قوماً " لأنه لم يذكر لهم ما يقتضي ذلك . فصل لما حكى عنهم تلك الاعتراضات الساقطة ، لكونها في مقابلة ما ثبت إعجازه ، وهو القرآن ظهر لكل عاقل أن اعتراضهم كان لأجل حب الرياسة والدنيا . والمراد بقوله : " قصمنا " أهلكنا . قال ابن عباس : المراد منه القتل بالسيوف ، والمراد بالقرية : حضور وسحول باليمن ينسب إليهما الثياب ، وفي الحديث : " كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثوبين سحوليين " ، وروي " حضوريين " بعث الله إليهما نبياً فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس فاستأصلهم . وروي " أنه لما أخذتهم السيوف ناداه مناد من السماء يا لثارات الأنبياء " فندموا واعترفوا بالخطأ ، و { قَالُواْ يَٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } [ الأنبياء : 14 ] . وقال الحسن : المراد عذاب الاستئصال . وهذا أقرب ، لأن إضافة ذلك إلى الله أقرب من إضافته إلى القائل ، ثم بتقدير أن يحمل ذلك على عذاب القتل فما الدليل على الحصر في القريتين اللتين ذكرهما ابن عباس . وقوله : " كَانَتْ ظَالِمَةً " أي كافرة ، يعني أهلها " وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا " أي : أحدثنا بعد هلاك أهلها " قَوْماً آخَرِينَ " . { فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ } أي : عذابنا بحاسة البصر { إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ } أي : يسرعون هاربين . والركض ضرب الدابة بالرجل ، يقال : ركض الدابة يركضها ركضاً ، ومنه قوله تعالى : " ارْكُضْ بِرِجْلِكَ " . فيجوز أن يركبوا دوابّهم فيركضوها هاربين منهزمين من قريتهم لما أدركتهم مقدمة العذاب . ويجوز أن يشبهوا في سرعة عدوهم على أرجلهم بالراكبين الراكضين . قوله : " إِذَا هُم " : " إذَا " هذه فجائية ، وتقدم الخلاف فيها . و " هُم " مبتدأ ، و " يَرْكُضُونَ " خبره . وتقدم أول الكتاب أن أمثال هذه الآية دالة على أن " لمَّا " ليست ظرفية بل حرف وجوب لوجوب ، لأن الظرف لا بد له من عامل ، ولا عامل هنا ، لأن ما بعد " إذا " لا يعمل فيما قبلها . والجواب أنه عمل فيها معنى المفاجأة المدلول عليه بـ " إِذَا " . والضمير في " مِنْهَا " يعود على " قَرْيَةٍ " ، ويجوز أن يعود على " بَأْسنَا " لأنه في معنى النقمة والبأساء ، فأنث الضمير حملاً على المعنى . و " مِن " على الأول لابتداء الغاية ، وللتعليل على الثاني . قوله : " لا تَرْكُضُوا " أي : قيل لهم : لا تركضوا ، أي لا تهربوا . قال الزمخشري : القول محذوف ، فإن قلت : من القائل ؟ قلت : يحتمل أن يكون بعض الملائكة ، أو من ثم من المؤمنين ، أو يكون خلقاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يقل ، أو بقوله رب العزة ويسمعه ملائكته لينفعهم في دينهم . أو يلهمهم ذلك فيحدثوا به نفوسهم . وقوله : { وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِِ } من العيش الرافه والحال الناعمة . والإتراف انتظار النعمة ، وهي الترفه . وقوله : " لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونََ " تهكم بهم وتوبيخ . قال ابن عباس : تسألون عن قتل نبيكم . وقال غيره : هذا التهكم يحتمل وجوهاً : الأول : ارجعوا إلى نعمتكم ومساكنكم لعلكم تسألون عما جرى عليكم ونزل بأموالكم ومساكنكم ، فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة . الثاني : ارجعوا واجلسوا كما كنتم في مجالسكم حتى تسألكم عبيدكم ومن ينفذ فيه أمركم ونهيكم ، ويقولوا لكم : بم تأمرون ، وماذا ترسمون كعادة المخدومين . الثالث : تسألكم الناس ما في أيديكم ويستشيرونكم في المهمات . قوله : { فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ } اسم " زالت " " تلك " و " دعواهم " الخبر هذا هو الصواب . وقد قال الحوفي والزمخشري وأبو البقاء : يجوز العكس ، وهو مردود بأنه إذا أخفي الإعراب مع استوائهما في المسوغ لكون كل منهما اسماً أو خبراً ، وجب جعل المتقدم اسماً والمتأخر خبراً ، وهو من باب ضرب موسى عيسى وتقدم إيضاح هذا في أول سورة الأعراف فليلتفت إليه . و " تلك " إشارة إلى الجملة المقولة . قال الزمخشري : " تلك " إشارة إلى " يَا وَيْلَنا " لإنها دعوى ، كأنه قيل : فما زالت تلك الدعوى دعواهم ، والدعوى بمعنى الدعوة ، قال تعالى : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] . وسميت دعوى ، لأنهم كانوا دعوا بالويل فقالوا : " يا ويلنا " . قال المفسرون : لم يزالوا يكررون هذه الكلمة فلم ينفعهم ذلك كقوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] . " حتى جعلناهم حصيداً " الحصيد : الزرع المحصود ، أي جعلناهم مثل الحصيد ، شبههم في استئصالهم به ، كما تقول : جعلناهم رماداً أي : مثل الرماد قوله : " حَصِيداً " مفعول ثان ، لأن الجعل هنا تصيير . فإن قيل : كيف ينصب " جعل " ثلاثة مفاعيل ؟ فالجواب أن " حصيداً " و " خامدين " يجوز أن يكون من باب حلو حامض ، كأنه قيل : جعلناهم جامعين بين الوصفين جميعاً . ويجوز أن يكون " خامدين " حالاً من الضمير في " جَعَلْنَاهُمْ " ، أو من الضمير المستكن في " حَصِيداً " فإنه في معنى محصود . ويجوز أن يكون في باب ما تعدد فيه الخبر نحو : " زيد كاتب شاعر " . وجوَّز أبو البقاء فيه أيضاً أن يكون صفة لـ " حصيداً " ، وحصيد بمعنى محصود كما تقدم فلذلك لم يجمع . وقال أبو البقاء : والتقدير : مثل حصيد فلذلك لم يجمع كما لم يجمع " مثل " المقدر انتهى . وإذا كان بمعنى محصودين فلا حاجة ، والمعنى : أنهم هلكوا بذلك العذاب حتى لم يبق حس ولا حركة ، وجفوا كما يجف الحصيد وخمدوا كما تخمد النار .