Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 7-10)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى أجاب عن سؤالهم الأول وهو قولهم : { هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [ البقرة : 3 ] بقوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ } فبين أن هذه عادة الله في الرسل من قبل محمد - عليه السلام - ولم يمنع ذلك من كونهم رسلاً ، وإذا صح ذلك فيهم فقد ظهر على محمد مثل آياتهم . " فَسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ " يعني علماء أهل الكتاب حتى يعلموكم أن رسل الله الموحى إليهم كانوا بشراً ، ولم يكونوا ملائكة ، وإنما أحالهم على أولئك ، لأنهم كانوا يتابعون المشركين في معاداة الرسول ، وأمر المشركين بمُساءلة أهل الكتاب ، لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - أقرب منهم إلى تصديق من آمن قال تعالى : { وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً } [ آل عمران : 186 ] فإن قيل : إذا لم يوثق باليهود والنصارى فكيف يجوز أن يأمرهم بأن يسألوهم عن الرسل ؟ فالجواب : إذا تواتر خبرهم وبلغ حدّ الضرورة جاز ذلك ، لأنَّا نعلم بخبر الكفار إذا تواتر كما نعلم بخبر المؤمنين . وقال ابن زيد : أراد بأهل الذكر المؤمنين ، وهو بعيد ، لأنهم كانوا طاعنين في القرآن وفي الرسول . فأما تعلق كثير من الفقهاء بهذه الآية في أن للقاضي أن يرجع إلى فتيا العلماء وفي أن للمجتهد أن يأخذ بقول مجتهد آخر ، فبعيد ، لأن هذه الآية خطاب مشافهة ، وهي واردة في هذه الواقعة المخصوصة ، ومتعلقة باليهود والنصارى على التعيين . قوله : { إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } جواب الشرط محذوف لدلالة ما تقدم عليه ، أي : " فَاسْأَلُوهم " ، ومفعولا العلم يجوز أن يراد ، أي : لا تعلمون أن ذلك كذلك ، ويجوز أن لا يراد ، أي : إن كنتم من غير ذوي العلم . قوله : { وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً } أي ما جعلنا الرسل جسداً ، ولم يقل : أجساداً ، لأنه اسم جنس . { لا يأكلون الطعام } هذا رد لقولهم : { مَالِهَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ } [ الفرقان : 7 ] والمعنى : لم نجعل الرسل ملائكة بل جعلناهم بشراً يأكلون الطعام { وما كانوا خالدين } في الدنيا : قوله : { لاَ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ } في هذه الجملة وجهان : أظهرهما : أنها في محل نصب نعتاً لـ " جسداً " و " جسداً " مفرد يراد به الجمع ، وهو على حذف مضاف أي : ذوي أجساد غير آكلين الطعام ، و " جعل " يجوز أن تكون بمعنى ( صير ) فتتعدى لاثنين ثانيهما " جسداً " ويجوز أن تكون بمعنى ( خلق ) و ( أنشأ ) فتتعدى لواحد فيكون " جسداً " حالاً بتأويله بمشتق ، أي : متغذين ، لأن الجسد لا بد له من الغذاء . وقال أبو البقاء : و " لا يأكلون " حال أخرى ، بعد " جسداً " إذا قلنا إن ( جعل تتعدى لواحد ) . وفيه نظر . بل هو صفة لـ " جسداً " بالاعتبارين ، لا يليق المعنى إلا به . قوله : " صَدَقْنَاهُمْ الوَعدَ " صدق يتعدى لاثنين إلى ثانيهما بحرف الجر . وقد يحذف تقول : صَدَقْتُكَ الحديث ، وفي الحديث نحو أمر واستغفر وقد تقدم في " آل عمران " . قال الزمخشري : هو مثل قوله : { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً } [ الأعراف : 155 ] والأصل في الوعد ، ومن قومه . والمعنى " صدقناهم الوعد " الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم ، { فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَشَاءُ } أي : أنجينا المؤمنين الذين صدقوا الرسل " وَأَهْلَكْنَا المُسْرِفِينَ " أي : المشركين المكذبين ، وكل مشرك مسرف على نفسه . قوله : { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً } يا معشر قريش " فِيِهِ ذِكْرُكُم " أي شرفكم ، كما قال : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] وإنَّهُ شَرَفٌ لمن آمن به . وقال مجاهد : فيه حديثكم . وقال الحسن : " فِيهِ ذِكْرُكُمْ " أي ذكر ما تحتاجون إليه من أمور دينكم " أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " وهذا كالحث على التدبر للقول لأنهم كانوا عقلاء ، لأن التدبر من لوازم العقل ، فمن لم يتدبر فكأنه خرج عن العقل .