Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 19-21)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } الآية . لما نفى اللعب عن نفسه ، ونفي اللعب لا يصح إلا بنفي الحاجة ، ( ونفي الحاجة ) لا يصح إلا بالقدرة التامة عقب تلك الآية بقوله : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } لدلالة ذلك على كمال الملك والقدرة . وقيل : لما حكى كلام الطاعنين في النبوات ، وأجاب عنها ، وبين أن غرضهم من تلك المطاعن التمرد ، وعدم الانقياد ، بين ههنا أنه تعالى منزه عن طاعتهم لأنه هو المالك بجميع المخلوقات ، ولأجل أن الملائكة مع جلالتهم مطيعون له خائفون منه فالبشر مع كونهم في نهاية الضعف أولى أن يطيعوه . قوله : " وَمَنْ عِندَهُ " يجوز فيه وجهان : أحدهما : أنه معطوف على " مَن " الأولى أخبر تعالى عن من في السموات والأرض وعن من عنده بأن الكل له في ملكه . وعلى هذا فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام تنبيهاً على شرفه ، لأن قوله : { مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } شمل " مَنْ عِندَهُ " وقد مرَّ نظيره في قوله : " وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ " وقوله : " لاَ يَسْتَكْبرُونَ " على هذا فيه أوجه : أحدها : أنه حال من " مَن " الأولى أو الثانية أو منهما معاً . وقال أبو البقاء حال إما من " مَن " الأولى أو الثانية على قول من رفع بالظرف . يعني : أنه إذا جعلنا " مَن " في قوله : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } مرفوعاً بالفاعلية والرافع الظرف وذلك على رأي الأخفش جاز أن يكون " لا يَسْتَكْبِرُونَ " حالاً من " مَن " الأولى ، وإما من " من " الثانية ؛ لأن الفاعل يجيء منه الحال . ومفهومه : أنا إذا جعلناها مبتدأ لا يجيء " يَسْتَكْبِرُون " حالاً وكأنه يرى أن الحال لا يجيء من المبتدأ ، وهو رأي لبعضهم . ويجوز أن يكون " لاَ يَسْتَكْبِرُون " حالاً من الضمير المستكن في ( عنده ) الواقع صلة وأن يكون حالاً من الضمير المستكن في " له " الواقع خبراً . والوجه الثاني من وجهي " مَنْ " أن تكون مبتدأ و " لاَ يَسْتَكْبِرونَ " خبره ، وهذه جملة معطوفة على جملة قبلها ، وهل الجملة من قوله : { وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } استئنافية أو معادلة لجملة قوله : " وَلَكُم الوَيْلُ " أي لكم الويل ولله جميع العالم علويه وسفليه والأول أظهر " وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ " أي : لا يكلون ولا يتعبون ، يقال : استحسر البعير أي : كلَّ وتَعِب قال علقمة بن عبدة : @ 3706 - بِهَا جِيَفُ الحَسْرَى فَأَمّا عِظَامُهَا فَبِيضٌ وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ @@ ويقال : حَسِرُ البعر وحسرته أنا ، فيكون لازماً ومتعدياً ، وأحسرته أيضاً ، فيكون فعل وأفعل بمعنى في أحد وجهي فعل . قال الزمخشري : فإن قلت : الاستحسار مبالغة في الحسور ، فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور . قلت : في الاستحسار بيان أن ما هم فيه يوجب غاية الحسور وأقصاه ، وأنهم أحقاء لتلك العبادات الشاقة بأن يستحسروا فيما يفعلون . وهو سؤال حسن وجواب مطابق . قوله : " يُسَبِّحُون " يجوز أن يكون مستأنفاً ، وأن يكون حالاً من الفاعل في الجملة قبله . و " لاَ يَفْتُرُون " يجوز في الاستئناف ، والحال من فاعل " يُسَبِّحُون " . فصل دلَّت هذه الآية على أن الملك أفضل من البشر من ثلاثة أوجه تقدمت في البقرة . والمراد بقوله : " وَمَنْ عِندَهُ " هم الملائكة بالإجماع وصفهم الله تعالى بأنهم { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } وهذا لا يليق بالبشر ، وهذه العندية عندية الشرف لا عندية المكان والجهة . روى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال : قلت لكعب : أرأيت قول الله تعالى : { يُسَبِّحُونَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } ثم قال : { جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } [ فاطر : 1 ] أفلا تكون الرسالة مانعة لهم عن ذلك التسبيح ، وأيضاً قال : { أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ } [ البقرة : 161 ] فكيف يشتغلون باللعن حال اشتغالهم بالتسبيح ؟ أجاب كعب الأحبار وقال : التسبيح لهم كالتنفس لنا ، فكما أن اشتغالنا بالتنفس لا يمنعنا الكلام فكذلك اشتغالهم بالتسبيح لا يمنعهم من سائر الأعمال . فإن قيل : هذا القياس غير صحيح ، لأن الاشتغال بالتنفس إنما لم يمنع من الكلام ؛ لأن آلة التنفس غير آلة الكلام ، وأما التسبيح واللعن فهما من جنس الكلام فاجتماعهما محال . فالجواب : أي استبعاد في أن يخلق الله لهم ألسنة كثيرة ببعضها يسبح الله وببعضها يلعنون أعداء الله . أو يقال : معنى قوله : " لاَ يَفْتُرُونَ " أنهم لا يفترون عن العزم على أدائه في أوقاته اللائقة به كما يقال : إن فلاناً مواظب على الجماعة لا يفتر عنها ، لا يراد به أنه أبداً مشتغل بها ، بل يراد به أنه مواظب على العزم على أدائها في أوقاتها . قوله تعالى : " أَم اتَّخَذُوا " هذه " أَمْ " المنقطعة ، فتقدر بـ ( بل ) التي لإضراب الانتقال وبالهمزة التي معناها الإنكار . و " اتخذ " يجوز أن يكون بمعنى ( صنع ) فيتعلق " مِنْ " به وجوَّز أبو حيَّان أن يكون بمعنى ( صَيّر ) التي في قوله { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } [ النساء : 125 ] ، فقال : وفيه معنى الاصطفاء والاختيار . و " مِن الأرْضِ " يجوز أن يتعلق بالاتخاذ كما تقدم ، وأن يتعلق بمحذوف على أنها نعت لـ " آلِهَة " أي من جنس الأرض . قوله : " هُمْ يُنشِرُونَ " جملة في محل نصب صفة لـ " آلهة " . وقرأ العامة " يُنْشِرُون " بضم حرف المضارعة من أنشر . وقرأ الحسن بفتحها وضم الشين يقال : أنشر الله الموتى فنشروا . ونشر يكون لازماً ومتعدياً . قوله : { أَم اتَّخَذُوا ءَالِهَةً } استفهام بمعنى الجحد أي لم يتخذوا من الأرض يعني : الأصنام من الأرض والحجارة ، وهما من الأرض ، والمنكر بعد اتخاذهم آلهة من الأرض ينشرون الموتى . فإن قيل : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر ، وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم بل كانوا في نهاية البعد عن هذه الدعوى ، فإنهم كانوا مع إقرارهم بالله وأنه خالق السموات والأرض منكرين للبعث ، ويقولون : { مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } [ يس : 78 ] فكيف يدعون ذلك للجماد الذي لا يوصف بالقدرة البتة ؟ فالجواب : أنهم لما اشتغلوا بعبادتها ، ولا بد للعبادة من فائدة ، وهي الثواب ، فإقدامهم على عبادتهم يوجب إقرارهم بكونهم قادرين على الحشر والنشر والثواب والعقاب ، فذكر ذلك على سبيل التهكم بهم ، والمعنى : إذا لم يكونوا قادرين على أن يُحْيوا أو يميتوا ويضروا وينفعوا فأي عقل يجوز اتخاذهم آلهة . وقوله : " مِنَ الأرْضِ " كقولك : فلان من مكة أو من المدينة . وقوله : " هم " يفيد معنى الخصوصية كأنه قيل : أم اتخذوا آلهة لا يقدرون على الإنشار إلا هم وحدهم .