Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 26-29)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً } الآية . لما بيَّن بالدلائل القاهرة كونه منزهاً عن الشريك والضد والند أردف ذلك ببراءته عن اتخاذ الولد . قال المفسرون : نزلت في خزاعة حيث قالوا : الملائكة بنات الله ، وقالوا : إنه تعالى صاهر الجن على ما حكى الله تعالى عنهم فقال : { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [ الصافات : 158 ] . ثم إنه تعالى نزه نفسه عن ذلك بقوله : " سبحانه " ، لأن الولد لا بد وأن يكون شبيهاً بالوالد ، فلو كان لله ما يشبهه من بعض الوجوه فلا بد وأن يخالفه من وجه آخر ، وما به المشاركة غير ما به الممايزة فيقع التركيب في ذات الله تعالى ، وكل مركب ممكن ، فاتخاذه للولد يدل على كونه ممكناً غير واجب ، وذلك يخرجه عن حد الإلهية ويدخله في حد العبودية ، فلذلك نزه نفسه . قوله : " بَلْ عِبَادٌ " " عِبَاد " خبر مبتدأ مضمر ، أي هم عباد ، و " مُكْرَمُونَ " في قراءة العامة مخفف ، وقراءة عكرمة مشدد و " لا يَسْبِقُونَهُ " جملة في محل رفع صفة لـ " عباد " والعامة على كسر الباء في " يَسْبِقُونَهُ " وقرىء بضمها وخرجت على أنه مضارع سَبَقَهُ ، أي : غلبه في السبق ، يقال : سابقه فَسَبقَه يَسْبُقُه أي : غلبه في السبق ، ومضارع فعل في المغالبة مضموم العين مطلقاً إلا في يائيّ العين أو لامه والمراد لا يسبقونه بقوله ، فعوض الألف واللام عن الضمير عند الكوفيين ، والضمير محذوف عند البصريين أي : بالقول منه . فصل لما نزه تعالى نفسه أخبر عنهم بأنهم عباد ، والعبودية تنافي الولادة إلا أنهم مكرمون مفضلون على سائر العباد لا يسبق قولهم قوله ، وإن كان قولهم تابع لقوله فعملهم أيضاً مبني على أمره لا يعملون عملاً ما لم يؤمروا به ثم إنه تعالى ذكر ما يجري مجرى السبب لهذه الطاعة فقال : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } والمعنى أنهم لما علموا كونه سبحانه عالماً بجميع المعلومات علموا كونه عالماً بظواهرهم وبواطنهم ، فكان ذلك داعياً لهم إلى نهاية الخضوع وكمال العبودية . قال ابن عباس : يعلم ما قدموا وأخروا من أعمالهم . وقال مقاتل : يعلم ما كان قبل أن يخلقهم ، وما يكون بعد خلقهم . وقيل : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } الآخرة ، " وَمَا خَلْفَهُمْ " الدنيا . وقيل بالعكس ثم قال : { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } أي لمن هو عند الله مرضي . قاله مجاهد ، وقال ابن عباس : لمن قال لا إله إلا الله . { وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ } أي : من خشيتهم منه ، فأضيف المصدر إلى مفعوله . " مُشْفِقُونَ " خائفون لا يأمنون من مكره ، ونظيره قوله تعالى { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } [ النبأ : 38 ] . " وروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أنه رأى جبريل - عليه السلام - ليلة المعراج ساقطاً كالحلس من خشية الله " " . قوله : { وَمَن يَقُلْ مِنْهُم إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ } . قال قتادة : عنى إبليس حيث دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعة نفسه فإن أحداً من الملائكة لم يقل إني إلهٌ من دون الله . والآية لا تدل على أنهم قالوا ذلك أو ما قالوه ، وهذا قريب من قوله : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] قوله : " فذلك نجزيه " يجوز في " ذلك " وجهان : أحدهما : أنه مرفوع بالابتداء ، وهذا وجه حسن . والثاني : أنه منصوب بفعل مقدر يفسره هذا الظاهر ، والمسألة من باب الاشتغال ، وفي هذا الوجه إضمار عامل مع الاستغناء عنه ، فهو مرجوح . والفاء وما في حيزها في موضع جزم جواباً للشرط . و " كذلك " نعت لمصدر محذوف ، أو حال من ضمير المصدر أي جزاء مثل ذلك الجزاء ، أو نجزي الجزاء حال كونه مثل ذلك . وقرأ العامة " نَجْزِيه " بفتح النون ، وأبو عبد الرحمن المقرىء بضمها ، ووجهها أنه من أجزأ بالهمز من أجزائي كذا ، أي : كفاني ، ثم خففت الهمزة فانقلبت إلى الياء . فصل احتجت المعتزلة بقوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَن ٱرْتَضَىٰ } على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر ، لأنه لا يقال في أهل الكبائر : إن الله يرتضيهم . والجواب : قول ابن عباس والضحاك : أن معنى { إِلاَّ لِمَن ٱرْتَضَىٰ } أي لمن قال : لا إله إلا الله . وهذه الآية من أقوى الدلائل في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر ، وهو أن من قال لا إله إلا الله فقد ارتضاه الله في ذلك ، ومتى صدق عليه أنه ارتضاه الله في ذلك ( فقد صدق عليه أنه ارتضاه الله ) لأن المركب متى صدق عليه أنه ارتضاه فقد صدق لا محالة كل واحد من أجزائه ، وإذا ثبت الله سبحانه قد ارتضاه وجب اندراجه تحت هذه الآية ، فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على ما قرره ابن عباس . فصل دلَّت الآية على أن الملائكة مكلفون لقوله : { وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } ، وعلى أن الملائكة معصومون . قوله : { كَذَٰلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } قال القاضي عبد الجبار : هذا يدل على أن كل ظالم يجزيه الله جهنم ، كما توعد الملائكة به ، وذلك يوجب القطع بأنه تعالى لا يغفر الكبائر في الآخرة . وأجيب بأن أقصى ما فيه أن هذا العموم مشعر بالوعيد ، وهو معارض بعمومات الوعد . والمراد بـ " الظَّالِمينَ " الواضعين الإلهية والعبادة في غير موضعها .