Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 34-36)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } الآية . لما استدل بالأشياء المذكورة ، وهي من أصول النعم الدنيوية أتبعه بما يدل على أن هذه الدنيا أمرها كذلك يبقى ولا يدوم ، وإنما خلقها سبحانه وتعالى للابتلاء والامتحان ، وليتوصل بها إلى دار الخلود فقال : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ } . قال مقاتل : إن ناساً كانوا يقولون : إن محمداً لا يموت فنزلت هذه الآية . وقيل : كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون به في قولهم : نتربص بمحمد ريب المنون ، فنفى الله عنه الشماتة بهذه الآية فقال : { أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } قضى الله تعالى أن لا يخلد في الدنيا بشراً لا أنت ولا هم ، وفي هذا المعنى قول القائل : @ 3713 - فَقُلْ للشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا سيلقى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا @@ وقيل : يحتمل أنه لما أظهر أنه عليه السلام خاتم الأنبياء ، وجاز أن يقدم مقدر أنه لا يموت إذ لو مات لتغير شرعه ، فنبه الله تعالى على أن حاله كحال غيره من الأنبياء عليهم السلام في الموت . قوله : { أَفَإِيْن مِتَّ } تقدم نظيره في آل عمران عند قوله : { أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ } [ آل عمران : 144 ] وفي هذه الآية دليل لمذهب سيبويه ، وهو أنه إذا اجتمع شرط واستفهام أجيب الشرط ، فتكون الآية قد دخلت فيها همزة الاستفهام على جملة الشرط والجملة المقترنة بالفاء جواب الشرط ، وليست مصبًّا للاستفهام ، وزعم يونس أن الاستفهام منصب على الجملة المقترنة بالفاء ، وأن الشرط معترض بين الاستفهام وبينها ، وجوابه محذوف . وليس بشيء إذ لو كان كما قال لكان التركيب : أفإن مت هم الخالدون بغير فاء . وكان ابن عطية ينحى منحى يونس فإنه قال : وألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط . قوله : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } هذا العموم مخصوص فإن له تعالى نفساً لقوله تعالى : { تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ } [ المائدة : 116 ] مع أن الموت لا يجوز عليه . قال ابن الخطيب : وكذا الجمادات لها نفوس ، وهي لا تموت ، والعام المخصوص حجة فيبقى معمولاً به فيما عدا هذه الأشياء ، وذلك يبطل قول الفلاسفة في أن الأرواح البشرية والعقول والنفوس الفلكية لا تموت . واعلم أن الذوق ها هنا لا يمكن إجراؤه على ظاهره ، لأن الموت ليس من جنس المطعوم حتى يذاق ، بل الذوق إذ ذاك خاص ، فيجوز جعله مجازاً عن أصل الإدراك . وأما الموت فالمراد منه هنا مقدماته من الآلام العظيمة ، لأن الموت قبل دخوله في الوجود يمتنع إدراكه ، وحال وجوده يصير الشخص ميتاً ، والميت لا يدرك شيئاً والإضافة في " ذَائِقَةُ المَوْتِ " في تقدير الانفصال ، لأنه لما يستقبل ، كقوله : { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ } [ المائدة : 1 ] و { هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [ المائدة : 95 ] . قوله : { وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ } " نَبْلُوكُم " نختبركم " بالشَّر والخَيْرِ " بالشدة والرخاء ، والصحة والسقم والغنى والفقر . وقيل : بما تحبون وما تكرهون لكي يشكر على المنح ويصبر على المحن ، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم . وإنما سمي ذلك ابتلاء وهو عالم بما يكون من أعمال العالمين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار . قوله : " فِتْنَةً " في نصبه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مفعول من أجله . الثاني : أنه مصدر في موضع الحال ، أي فاتنين . الثالث : أنه مصدر من معنى العامل لا من لفظه ، لأن الابتلاء فتنة ، فكأنه قيل : نفتنكم فتنة . ثم قال : " وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ " أي : إلى حكمه ومحاسبته ومجازاته بيّن بذلك بطلان قولهم في نفي البعث والمعاد . وقرأ العامة " ترجعون " بتاء الخطاب مبنياً للمفعول . وغيرهم بياء الغيبة على الالتفات . قوله : { وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً } المعنى : ما يتخذونك إلا هزواً ، وهذا رجوع إلى تهجين كفرهم . قال السدي ومقاتل : " نزلت في أبي جهل قربه النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان أبو سفيان مع أبي جهل ، فقال أبو جهل لأبي سفيان : هذا نبيّ عبد مناف ، فقال أبو سفيان : وما تنكر أن يكون نبياً في بني عبد مناف . فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولهما فقال لأبي جهل " ما أراك تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة ، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلته رحمة " فنزلت هذه الآية . قوله : " إِن يَتَّخِذونَك " " إن " هنا نافية ، وهي وما في حيزها جواب الشرط بإذا . و " إذا " مخالفة لأدوات الشرط في ذلك ، فإن أدوات الشرط متى أجيبت بـ ( إن ) النافية أو بـ ( ما ) النافية وجب الإتيان بالفاء تقول : إن أتيتني فإن أهنتك ، أو فما أهنتك ، وتقول : إذا أتيتني ما أهنتك بغير فاء يدل له قوله تعالى : { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ } [ الجاثية : 25 ] و " اتخذ " هنا متعد لاثنين و " هُزُواً " هو الثاني إما على حذف مضاف ، وإما على الوصف بالمصدر مبالغة ، وإما على وقوعه موقع اسم المفعول . وفي جواب " إذَا " قولان : أحدهما : أنه " إِن " النافية وقد تقدم . والثاني : أنه محذوف ، وهو القول الذي قد حكي به الجملة الاستفهامية في قوله { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ } إذ التقدير : وإذا رآك الذين كفروا يقولون أهذا الذي ، وتكون الجملة المنفية معترضة بين الشرط وبين جوابه المقدر . قوله : { وَهُم بِذِكْرِ ٱلرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ } " هُم " الأولى مبتدأ مخبر عنه بـ " كَافِرُونَ " ، و " بِذِكْرِ " متعلق بالخبر ، والتقدير : وهم كافرون بذكر ، و " هُمْ " الثانية تأكيد للأول تأكيداً لفظياً ، فوقع الفصل بين العامل ومعموله بالمؤكد ، وبين المؤكد والمؤكد بالمعمول . وفي هذه الجملة قولان : أحدهما : أنها في محل نصب على الحال من فاعل القول المقدر ، أي : يقولون ذلك وهم على هذه الحالة . والثاني : أنها حال من فاعل " يتخذونك " ، وإليه نحا الزمخشري فإنه قال : والجملة في موضع الحال ، أي يتخذونك هزواً وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله . فصل والمعنى : أنهم يعيبون عليه كونه يذكر آلهتهم التي لا تضر ولا تنفع بالسوء مع أنهم بذكر الرحمن المنعم عليهم الخالق المحيي المميت كافرون ، ولا فعل أقبح من ذلك فيكون الهزؤ واللعن والذم عليهم من حيث لا يشعرون . ويحتمل أن يراد " بذكر الرحمن " القرآن . ومعنى إعادة " وهم " أن الأولى إشارة إلى القوم الذين كانوا يفعلون ذلك الفعل ، والثانية إبانة لاختصاصهم به ، وأيضاً فإن في إعادتها تأكيداً وتعظيماً لفعلهم .