Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 57-60)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وأما الفعل فقوله : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم } لأمكرن بها . قرأ العامة " تَاللهِ " بالتاء المثناة فوق . وقرأ معاذ بن جبل ، وأحمد بن حنبل بالباء الموحدة . قال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ : ما الفرق بين التاء والباء ؟ قلتُ : الباء هي الأصل ، والتاء بدل من الواو المبدل منها ، وأنَّ التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه . أما قوله : إنَّ الباء في الأصل فيدل على ذلك تصرفها في الباب بخلاف الواو والتاء ، وإن كان السُّهيلي قد ردَّ كون الواو بدلاً منها . وقال أبو حيان : النظر يقتضي أن كلاً منهما أصل . وأما قوله : التعجب فنصوص النحويين أنه يجوز فيها التعجب وعدمه ، وإنما يلزم ذلك مع اللام كقوله : @ 3727 - لِلَّهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيانُ والآسُ @@ و " بَعْدَ " منصوب بـ " لأكِيدَنَّ " ، و " مُدْبِرِينَ " حال مؤكدة ، لأن " تُوَلُّوا " يفهم معناها . وقرأ العامة " تُوَلُّوا " بضم التاء واللام مضارع ( وَلَّى ) مشدداً . وقرأ عيسى بن عمر " تَوَلَّوا " بفتحهما مضارع ( تَوَلَّى ) ، والأصل : تتولوا فحذف إحدى التاءين إمَّا الأولى على رأي هشام ، وإمَّا الثانية على رأي البصريين وينصرها قراءة الجميع { فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ } [ الصافات : 90 ] ، ولم يقرأ أحد " تُوَلُّوا " وهي قياس قراءة الناس هنا ، وعلى كلتا القراءتين فلام الكلمة محذوفة ، وهو الياء ، لأنه من " وَلَّى " ، ومتعلق هذا الفعل محذوف تقديره : تولوا إلى عيدكم ونحوه . فإن قيل : الكيد ضرر الغير بحيث لا يشعر به ولا يتأتى ذلك في الأصنام فكيف قال : " لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم " ؟ فالجواب : توسعاً لما كان عندهم أنَّ الضرر يجوز عليها ، وقيل : المراد لأكيدنكم في أصنامكم لأنه بذلك الفعل أنزل بهم الغم . قوله : " فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً " . قرأ العامة " جُذَاذاً " بضم الجيم ، والكسائي بكسرها وابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال بفتحها . قال قطرب : هي في لغاتها كلها مصدر ، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث والظاهر أنَّ المضموم اسم للشيء المكسر كالحطام والرفات والفتات بمعنى الشيء المحطم والمفتت . وقال اليزيدي : المضموم جمع جُذَاذَة بالضم نحو زجاج في زجاجة ، والمكسور جمع جَذِيذ نحو كِرَام في كَرِيم . وقال بعضهم : المفتوح مصدر بمعنى المفعول أي : مَجْذوذِينَ . ويجوز على هذا أن يكون على حذف مضاف أي : ذوات جذاذ . وقيل : المضموم جمع جُذَاذَة بالضم ، والمكسور جمع جِذَاذَة بالكسر ، والمفتوح مصدر وقرأ ابن وثاب " جُذُذاً " بضمتين دون ألف بين الذالين ، وهو جمع جَذِيذ كقَلِيب وقُلُبٍ . وقرىء بضم الجيم وفتح الذال ، وفيها وجهان : أحدهما : أن يكون أصلها ضمتين ، وإنما خففت بإبدال الضمة فتحة نحو سُرَر وذُلَل في جمع سرير وذليل ، وهي لغة لبني كلب . والثاني : أنه جمع جذَّة نحو قبب في قبة ودرر في درة . والجذ القطع والتكسير ، وعليه قوله : @ 3728 - بَنُو المُهَلَّبِ جَذَّ اللهُ دَابِرَهُمْ أَمْسَوا رَمَاداً فَلاَ أصْلٌ وَلاَ طَرَفُ @@ وتقدم هذا مستوفى في هود . فإن قيل : لِمَ قال " جَعَلَهُمْ " وهذا جمع لا يليق إلا بالعقلاء ؟ فالجواب عَامَلَ الأصنام مُعَاملة العقلاء حيث اعتقدوا فيها ذلك . قوله : " إلاَّ كَبِيراً " استثناء من المنصوب في " فَجَعلَهُمْ " أي : لم يكسره بل تركه و " لَهُمْ " صفة له ، وهذا الضمير يجوز أن يعود على الأصنام ، وتأويل عود ضمير العقلاء عليها تقدم . ويجوز أن يعود على عابديها . والضمير في " إلَيْهِ " يجوز أن يعود إلى " إبراهيم " ، أي : يرجعون إلى مقالته حين يظهر لهم الحق ، أو غلب على ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما شاهدوه من إنكاره لدينهم ، وسب آلهتهم ، فيبكتهم بما أهانهم به من قوله : { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ } [ الأنبياء : 63 ] . ويجوز أن يعود إلى الكبير ، وفيه وجهان : أحدهما : لعلهم يرجعون إليه كما يرجعون إلى العالم في حل المشكلات ، فيقولون : ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيحاً والفأس على عاتقك ؟ وهذا قول الكلبي . وإنما قال ذلك بناء على كثرة جهالاتهم ، فلعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تجيب وتتكلم . والثاني : أنه - عليه السلام - قال ذلك مع علمه أنهم لا يرجعون إليه ( استهزاء بهم ) . فصل قال السّدّيّ : كان لهم في كل سنة عيد يجتمعون فيه ، فكانوا إذا رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام فسجدوا لها ، ثم عادوا إلى منازلهم ، فلما كان هذا الوقت قال آزر لإبراهيم : لو خرجت معنا ، فخرج معهم ، فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال : إنَّي سَقِيم أشتكي رِجْلي ، ، فلمَّا مَضَوْا وبقي ضعفاء الناس ، نادى وقال : { تَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } أي : إلى عيدكم . فسمعوها منه . واحتج هذا القائل بقوله تعالى : { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ } . وقال الكلبيّ : كان إبراهيم - عليه السلام - من أهل بيت ينظرون في النجوم وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم لم يتركوا إلاَّ مريضاً ، فلما هَمَّ إبراهيم بكسر الأصنام ، نظر قبل يوم العيد إلى السماء ، وقال لأصحابه : أراني أشتكي غداً ، وهو قوله : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } [ الصافات : 88 ، 89 ] . وأصبح في الغد معصوباً رأسه ، فخرج القوم لعيدهم ولم يتخلف أحد غيره ، فقال : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم } فسمع رجل منهم هذا القول ، فحفظه عيله ، ثم أخبر به غيره ، وانتشر ذلك في جماعة ، فلذلك قال تعالى : { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ } ، ثم إنَّ إبراهيم - عليه السلام - دخل بيت الأصنام فوجد سبعين صنماً مصطفة ، وعند الباب صنم عظيم من ذهب مستقبل الباب وفي عينه جوهرتان تضيئان بالليل ، فكسرها كلها بفأس في يده حتى لم يبق إلاَّ الكبير علق الفأس في عنقه . فإن قيل : أولئك الأقوام إمَّا أنْ يكونوا عقلاء أو لم يكونوا عقلاء ، فإن كانوا عقلاء وجب أن يكونوا عالمين بالضرورة أنَّ تلك الأصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضرّ ، فأي حاجة في إثبات ذلك إلى كسرها ؟ أقصى ما في الباب أن يقال : القوم كانوا يعظمونها كما يعظم الواحد منا المصحف والمسجد والمحراب وكسرها لا يقدح في تعظيمها من هذا الوجه . وإن لم يكونوا عقلاء لم يحسن مناظرتهم ولا بعثة الرسل إليهم . فالجواب : أنهم كانوا عقلاء وكانوا عالمين بالضرورة أنها جمادات ، ولكن لعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تماثيل للكواكب ، وأنها طلسمات موضوعة ، بحيث إنّ كل من عبدها انتفع ، وكل من استخف بها ناله منها ضرر شديد ، ثم إنَّ إبراهيم - عليه السلام - كسرها ولم ينله منها ضرر ألبتة ، فكان فعله دالاً على فساد مذهبهم . قوله { مَن فَعَلَ هَـٰذَا } يجوز في " مَن " أن تكون استفهامية وهو الظاهر ، فعلى هذا تكون الجملة من قوله : { إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } استئنافاً لا محل لها من الإعراب . ويجوز أن تكون موصولة بمعنى ( الَّذِي ) ، وعلى هذا فالجملة من " إنَّهُ " في محل رفع خبراً للموصول ، والتقدير : الذي فعل هذا بآلهتنا إنَّه . ومعنى الآية : مَنْ فَعَلَ هذا الكسر والحطم الشديد معدود في الظلمة إما لجرأته على الآلهة الحقيقة بالتوقير والإعظام ، وإما لأنهم رأوا إفراطاً في كسرها ، وتمادياً في الاستهانة بها . قوله : " يَذْكُرُهُمْ " . في هذه الجملة أوجه : أحدها : أن " سمع " هنا يتعدى لاثنين ، لأنها متعلقة بعين ، فيكون " فَتًى " مفعولاً أولاً و " يَذْكُرُهُمْ " هذه الجملة في محل نصب مفعولاً ثانياً ، ألا ترى أنك لو قلت : سَمِعْتُ زَيْداً ، وسَكَتَّ لم يكن كلاماً بخلاف : سمعت قراءته وحديثه . والثاني : أنها في محل نصب أيضاً صفة لـ " إبراهيم " . قال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ : ما حكم الفعلين بعد " سَمِعْنَا " ، وما الفرق بينهما ؟ قلت : هما صفنان لـ " فَتًى " إلاَّ أنَّ الأول وهو " يَذْكُرُهُمْ " لا بدَّ منه لـ " سَمِع " لأنك لا تقول : سَمِعْتُ زَيْداً وتسكت حتى تذكر شيئاً مما يسمع ، وأما الثاني فليس كذلك . وهذا الذي قاله لا يتعين لما عرفت أن سمع إن تعلقت بما سمع نحو سمعت مقالة بكر فلا خلاف أنها تتعدى لواحد . وإن تعلقت بما لا يسمع فلا يكتفى به أيضاً بلا خلاف بل لا بدّ من ذكر شيء يسمع ، فلو قلت : سَمِعْتُ زَيْداً ، وسكت ، أم سَمِعْتُ زَيْداً يركب ، لم يجز ، فإن قلت : سمعته يقرأ صح ، وجرى في ذلك خلاف بين النحاة فأبو علي يجعلها متعدية لاثنين ، ولا يتمشى عليه قول الزمخشري . وغيره يجعلها متعدية لواحد ، ويجعل الجملة بعد المعرفة حالاً وبعد النكرة صفة ، وهذا أراد الزمخشري . قوله : " إِبْرَاهِيمُ " . في رفع " إِبْرَاهِيمُ " أوجه : أحدها : أنه مرفوع على ما لم يسم فاعله ، أي : يقال له هذا اللفظ ، وكذلك قال أبو البقاء : فالمراد الاسم لا المسمى . وفي هذه المسألة خلاف بين النحويين أعني تسلط القول على المفرد الذي يؤدي معنى جملة ولا هو مقتطع من جملة ، ولا هو مصدر لـ " قال " ، ولا هو صفة لمصدره نحو : قلت زَيْداً ، أي : قلت هذا اللفظ ، فأجازه جماعة كالزجاجي والزمخشري وابن خروف وابن مالك ، ومنعه آخرون . وممن اختار رفع " إِبْرَاهِيمُ " على ما ذكرت الزمخشري وابن عطية . أمَّا إذا كان المفرد مؤدياً معنى جملة كقولهم : قلت خطبة وشعراً وقصيدة أو اقتطع من جملة كقوله : @ 3729 - إذَا ذُقْتَ فَاهَا قُلْتَ طَعْمُ مُدَامةٍ مُعَتَّقَةٍ مِمَّا يَجِيءُ بِهِ التُّجُرْ @@ أو كان مصدراً نحو قُلْتُ قَوْلاً ، أو صفة له نحو : قُلْتُ حقاً أو باطِلاً ، فإنه يتسلط عليه كذا قالوا . وفي قولهم : المفرد المقتطع من الجملة نظر ، لأنَّ هذا لم يتسلط عليه القول إنما تسلط على الجملة المشتملة عليه . الثاني : أنه خبر مبتدأ مضمر ، يقال له : هذا إبراهيم ، أو هو إبراهيم . الثالث : أنه مبتدأ محذوف الخبر ، أي : يقال له إبراهيم فاعل ذلك . الرابع : أنه منادى وحرف النداء محذوف أي : يا إبراهيم . وعلى الأوجه الثلاثة فهو مقتطع من جملة ، وتلك الجملة محكية بـ " يُقَالُ " وتقدم تحقيق هذا في البقرة عند قوله { وَقُولُوا حِطَّةٌ } ] [ 58 رفعاً ونصباً وفي الأعراف عند قوله { قَالُواْ مَعْذِرَةً } [ الأعراف : 164 ] رفعاً ونصباً . والجملة من " يُقَالُ لَهُ " يحتمل أن تكون مفعولاً آخر نحو ظننت زيداً كاتباً شاعراً . وأن تكون صفة على رأي الزمخشري ومن تابعه وأن تكون حالاً من " فَتًى " وجاز ذلك لتخصصها بالوصف .