Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 14-16)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية . لما بين في الآية السالفة حال عباده المنافقين وحال معبودهم ، وأن معبودهم لا ينفع ولا يضر بين هاهنا صفة عباده المؤمنين وصفة معبودهم ، وأن عبادتهم حقيقة ، ومعبودهم يعطيهم أعظم المنافع وهو الجنة ، التي من كمالها جمعها بين الزرع والشجر وأن تجري من تحتها الأنهار ، وبين أنه يفعل ما يريد بهم من أنواع الفضل والإحسان زيادة على أجورهم كما قال تعالى { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } [ النساء : 173 ] . واحتج أهل السنة في خلق الأفعال بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } قالوا : أجمعنا على أنه تعالى يريد الإيمان ، ولفظة " ما " للعموم فوجب أن يكون فاعلاً للإيمان لقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } . وأجاب عنه الكعبي بأن الله تعالى يفعل ما يريد أن يفعله ( لا ما يريد أن يفعله ) غيره . وأجيب : بأن هذا تقييد للعموم وهو خلاف النص . قوله : { مَن كَانَ يَظُنُّ } . " مَنْ " يجوز أن تكون شرطية وهو الظاهر ، وأن تكون موصولة ، والضمير في " يَنْصُرَهُ " الظاهر عوده على " مَنْ " ، وفسر النصر بالرزق ، وقيل يعود على الدين والإسلام فالنصر على بابه . قال ابن عباس والكلبي ومقاتل والضحاك وقتادة وابن زيد والسدي واختيار الفراء والزجاج : أن الضمير في " يَنْصُرَهُ " يرجع إلى محمد - عليه السلام - يريد أن من ظن أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا بإعلاء كلمته وإظهار دينه ، وفي الآخرة بإعلاء درجته ، والانتقام ممن كذبه ، والرسول - عليه السلام - وإن لم يجر له ذكر في هذه الآية ففيها ما يدل عليه وهو ذكر الإيمان في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ، والإيمان لا يتم إلا بالله ورسوله . قوله : " فَلْيَمْدُد " إما جزاء للشرط ، أو خبر للموصول ، والفاء للتشبيه بالشرط . والجمهور على كسر اللام من " ليَقْطَعْ " ، وسكنها بعضهم كما يسكنها بعد الفاء والواو لكونهن عواطف ، ولذلك أجروا " ثم " مجراهما في تسكين هاء ( هو ) و ( هي ) بعدها ، وهي قراءة الكسائي ونافع في رواية قالون عنه . قوله : { هَلْ يُذْهِبَنَّ } الجملة الاستفهامية في محل نصب على إسقاط الخافض ، لأن النظر تعلق بالاستفهام ، وإذا كان بمعنى الفكر تعدى بـ " في " . وقوله : { مَا يَغِيظُ } " ما " موصولة بمعنى الذي ، والعائد هو الضمير المستتر ، و " ما " وصلتها مفعول بقوله : " يُذْهِبَنَّ " أي : هل يذهبن كيده الشيء الذي يغيظه ، فالمرفوع في " يغيظه " عائد على الذي والمنصوب على { مَن كَانَ يَظُنُّ } . وقال أبو حيان : و " ما " في " مَا يَغِيظُ " بمعنى الذي والعائد محذوف أو مصدرية . قال شهاب الدين : كلا هذين القولين لا يصح ، أما قوله : العائد محذوف فليس كذلك بل هو مضمر مستتر في حكم الموجود كما تقدم تقريره قبل ذلك ، وإنما يقال : محذوف فيما كان منصوب المحل أو مجروره ، وأما قوله : أو مصدرية فليس كذلك أيضاً ، إذ لو كانت مصدرية لكانت حرفاً على الصحيح ، وإذا كانت حرفاً لم يعد عليها ضمير وإذا لم يعد عليها ضمير بقي الفعل بلا فاعل ، فإن قلت : أضمر في " يَغِيْظ " ضميراً فاعلاً يعود على { مَن كَانَ يَظُنُّ } . فالجواب : أن من كان يظن في المعنى مغيظ لا غائظ . وهذا بحث حسن . فصل المعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ، والسبب الحبل ، والسماء سقف البيت هذا قول الأكثرين ، أي : ليشدد حبلاً في سقف بيته فليختنق به حتى يموت ، ثم ليقطع الحبل بعد الاختناق . وقيل : سمي الاختناق قطعاً . وقيل : ليقطع ، أي : ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقاً { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } صنيعه وحيلته ، أي : هل يذهبن كيده وحيلته غيظه . والمعنى : فليختنق غيظاً حتى يموت ، وليس هذا على سبيل الحتم أن يفعل لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق والموت ، ولكنه كما يقال للحاسد إذا لم ترض بهذا فاختنق ومت غيظاً . وقا ابن زيد : المراد من السماء : السماء المعروفة . ومعنى الآية : من كان يظن أن لا ينصر الله نبيه ، ويكيد في أمره ليقطعه عنه ، فليقطعه من أصله ، فإن أصله من السماء ، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي الذي يأتيه فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل . فصل روي أن هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام ، وكان بينهم وبين اليهود حلف ، وقالوا : لا يمكننا أن نسلم لأنا نخاف أن لا يُنصر محمد ولا يظهر أمره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود فلا يميروننا ولا يؤوونا فنزلت هذه الآية وقال مجاهد : النصر يعني الرزق ، والهاء راجعة إلى " مَنْ " ومعناه من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة : نزلت فيمن أساء الظن بالله - عز وجل - وخاف أن لا يرزقه { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } أي : سماء البيت ، { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ } فعله ذلك ما يغيظ وهو خِيفَة أن لا يُرزق . وقد يأتي النصر بمعنى الرزق تقول العرب : من ينصرني نصره الله ، أي من يعطيني أعطاه الله . قال أبو عبيدة : تقول العرب : أرض منصورة ، أي ممطورة وعلى كل الوجوه فإنه زجر للكفار عن الغيظ فيما لا فائدة فيه . قوله : { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ } الكاف إما حال من ضمير المصدر المقدر ، وإما نعت لمصدر محذوف على حسب ما تقدم من الخلاف ، أي : ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله " آيَاتٍ بَيِّنَات " فـ " آيات " حال . قوله : { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي } يجوز في " أن " ثلاثة أوجه : أحدها : أنها منصوبة المحل ، عطفاً على مفعول " أنزلناه " ، أي : وأنزلنا أن الله يهدي من يريد ، أي : أنزلنا هداية الله لمن يريد هدايته . الثاني : أنها على حذف حرف الجر ، وذلك الحرف متعلق بمحذوف والتقدير : ولأن الله يهدي من يريد أنزلناه ، فيجيء في موضعها القولان المشهوران أفي محل نصب هي أم جر ؟ وإلى هذا ذهب الزمخشري ، وقال في تقديره : ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أنزله كذلك مبيناً . الثالث : أنها في محل رفع خبراً لمبتدأ مضمر تقديره : والأمر أن الله يهدي من يريد . فصل قال أهل السنة : المراد من الهداية إما وضع الأدلة أو خلق المعرفة ، أما الأول فغير جائز ؛ لأنه تعالى فعل ذلك في حق كل المكلفين ، ولأن قوله : { يَهْدِي مَن يُرِيدُ } دليل على أن الهداية غير واجبة عليه بل هي متعلقة بمشيئته سبحانه ، ووضع الأدلة عند الخصم واجب ، فيبقى أن المراد منه خلق المعرفة . قال القاضي عبد الجبار في الاعتذار : هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : يكلف من يريد لأن من كلف أحداً شيئاً فقد وصفه له وبينه . وثانيها : أن يكون المراد يهدي إلى الجنة والإنابة من يريد ممن آمن وعمل صالحاً . وثالثها : أن يكون المراد أن الله يلطف بمن يريد ممن علم أنه إذا هدي ثبت على إيمانه كقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } [ محمد : 17 ] . وهذا الوجه هو الذي أشار الحسن إليه بقوله : إن الله يهدي من قَبِلَ لا من لم يقبل ، والوجهان الأولان ذكرهما أبو علي . وأجيب عن الأول بأن الله تعالى ذكر ذلك بعد بيان الأدلة ، وعن الثاني ، من الشبهات فلا يجوز حمله على محض التكليف ، وأما الوجهان الأخيران فمدفوعان ، لأنهما عند الخَصْم واجبان على الله ، وقوله : { يَهْدِي مَن يُرِيدُ } يقتضي عدم الوجوب .