Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 17-18)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } الآية . لما قال : { وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ } [ الحج : 16 ] أتبعه ببيان من يهديه ومن لا يهديه . واعلم أن ( إن ) الثانية واسمها وخبرها في محل رفع خبراً لـ " أن " الأولى قال الزمخشري : وأدخلت " إنَّ " على كل واحد من جزأي الجملة لزيادة التأكيد ونحوه قول جرير : @ 3751 - إنَّ الخَلِيفَة إنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الخَوَاتِيم @@ قال أبو حيان : وظاهر هذا أنه شبه البيت بالآية ، وكذلك قرنه الزجاج بالآية ، ولا يتعين أن يكون البيت كالآية ، لأن البيت يحتمل أن يكون ( إن الخليفة ) خبره ( به ترجى الخواتيم ) ويكون ( إنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ ) جملة اعتراض بين اسم ( إنَّ ) وخبرها بخلاف الآية فإنه يتعين قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ } وحسن دخول " إن " على الجملة الواقعة خبراً لطول الفصل بينهما بالمعاطيف . قال شهاب الدين : قوله : فإنه يتعين قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ } يعني أن يكون خبراً . ليس كذلك ، لأن الآية محتملة لوجهين آخرين ذكرهما الناس : الأول : أن يكون الخبر محذوفاً تقديره : يفترقون يوم القيامة ونحوه ، والمذكور تفسير له كذا ذكره أبو البقاء . والثاني : أن " إن " الثانية تكرير للأولى على سبيل التوكيد ، وهذا ماش على القاعدة وهو أن الحرف إذا كرر توكيداً أعيد معه ما اتصل به أو ضمير ما اتصل به ، وهذا قد أعيد معه ما اتصل به أولاً ، وهي الجلالة المعظمة فلم يتعين أن يكون قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ } خبراً لـ " إنَّ " الأولى كما ذكر . واختلف العلماء في المجوس ، فقيل : قوم يعبدون النار ، وقيل : الشمس والقمر وقيل : اعتزلوا النصارى ولبسوا المسوح ، وقيل : أخذوا من دين النصارى شيئاً ومن دين اليهود شيئاً ، وهم القائلون بأن للعالم أصلان ، نور وظلمة ، وقيل هم قوم يستعملون النجاسات ، والأصل : نجوس - بالنون - فأبدلت ميماً . ومعنى { يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } أي : يحكم بينهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } أي : عالم بما يستحقه كل منهم ، فلا يجري في ذلك الفصل ظلم ولا حيف . قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ } الآية . قيل المراد بهذه الرؤية العلم ، أي : ألم تعلم ، وقيل : ألم تر بقلبك . والمراد بالسجود : قال الزجاج : أنها مطيعة لله تعالى كقوله تعالى للسماء والأرض { ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [ فصلت : 11 ] ، { أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] { وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 74 ] ، { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } [ الإسراء : 44 ] ، { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ } [ الأنبياء : 79 ] . والمعنى أن هذه الأجسام لما كانت قابلة لجميع ما يحدثه الله تعالى فيها من غير امتناع أشبهت الطاعة والانقياد وهو السجود . فإن قيل : هذا التأويل يبطله قوله تعالى { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } ، فإن السجود بالمعنى المذكور عام في كل الناس ، فإسناده إلى كثير منهم يكون تخصيصاً من غير فائدة . فالجواب من وجوه : الأول : أن السجود بالمعنى المذكور وإن كان عاماً في حق الكل إلا أن بعضهم تكبر وترك السجود في الظاهر ، فهذا الشخص ، وإن كان ساجداً بذاته لا يكون ساجداً بظاهره ، وأما المؤمن فإن ساجد بذاته وبظاهره ، فلأجل هذا الفرق حصل التخصيص بالذكر . وثانيها : أن نقطع قوله : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } عما قبله ، ثم فيه ثلاثة أوجه : الأول : أن تقدير الآية : ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض ويسجد له كثير من الناس فيكون السجود الأول بمعنى الانقياد ، والثاني بمعنى العبادة ، وإنما فعلنا ذلك لقيام الدلالة على أنه لا يجوز استعمال اللفظ المشترك في معنييه جميعاً . الثاني : أن يكون قوله : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } مبتدأ وخبره محذوف وهو مثاب ، لأن خبر مقابله يدل عليه وهو قوله : { حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } . والثالث : أن يبالغ في تكثير الحقوق بالعذاب ، فيعطف " كثير " على كثير ثم يخبر عنهم بحق عليهم العذاب . وثالثها : أن من يجوز استعمال اللفظ المشترك في مفهوميه جميعاً يقول : المراد بالسجود في حق الأحياء العقلاء العبادة ، وفي حق الجمادات الانقياء ( ومن ينكر ذلك فيقول : إن الله تكلم بهذه اللفظة مرتين ، فعنى بها في حق العقلاء الطاعة ، وفي حق الجمادات الانقياد ) فإن قيل : قوله : " وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَ مَنْ فِي ٱلأَرْضِ " عام فيدخل فيه الناس ، فلم قال { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } مرة أخرى ؟ فالجواب : لو اقتصر على ما تقدم لأوهم أن كل الناس يسجدون كما أن كل الملائكة يسجدون فبين أن كثيراً منهم يسجد طوعاً دون كثير منهم فإنه يمتنع من ذلك ، وهم الذين حق عليهم العذاب وقال القفال : السجود هاهنا هو الخضوع والتذلل ، بمعنى كونها معترفة بالفاقة إليه والحاجة إلى تخليقه وتكوينه ، وعلى هذا تأولوا قوله : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } [ الإسراء : 44 ] . وقال مجاهد : إنَّ سجود هذه الأشياء سجود ظلها لقوله تعالى : { يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ } [ النحل : 48 ] . وقال أبو العالية : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجداً حين يغيب ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، فيأخذ ذات اليمين حين يرجع إلى مطلعه . قوله : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } . فيه أوجه : أحدها : أنه مرفوع بفعل مضمر تقديره : ويسجد له كثير من الناس ، وهذا عند من يمنع استعمال المشترك في معنييه ، والجمع بين الحقيقة والمجاز في كلمة واحدة ، وذلك أن السجود المسند لغير العقلاء غير السجود المسند للعقلاء فلا يعطف { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } على ما قبله لاختلاف الفعل المسند إليهما في المعنى ، ألا ترى أن سجود غير العقلاء هو الطواعية والإذعان لأمره ، وسجود العقلاء هو هذه الكيفية المخصوصة . الثاني : أنه معطوف على ( ما تقدمه ) وفي ذلك ثلاث تأويلات : أحدها : أن المراد بالسجود القدر المشترك بين الكل العقلاء وغيرهم ، وهو الخضوع والطواعية ، وهو من باب الاشتراك المعنوي . والتأويل الثاني : أنه مشترك اشتراكاً لفظياً ، ويجوز استعمال المشترك في معنييه . والتأويل الثالث : أن السجود المسند للعقلاء حقيقة ولغيرهم مجاز ، ويجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز على خلاف في هذه الأشياء مذكور في كتب الأصول . الثالث من الأوجه المتقدمة : أن يكون " كَثِيرٌ " مرفوعاً بالابتداء ، وخبره محذوف وهو مثاب لدلالة خبر مقابله عليه وهو قوله : { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } كذا قدره الزمخشري ، وقدره أبو البقاء مطيعون أو مثابون أو نحو ذلك . الرابع : أن يرتفع " كثير " على الابتداء أيضاً ويكون خبره " مِنَ النَّاسِ " أي من الناس الذين هم الناس على الحقيقة ، وهم الصالحون والمتقون . الخامس : أن يرتفع بالابتداء أيضاً ويبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب فيعطف " كَثِيرٌ " على " كثير " ثم يخبر عنهم بـ { حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } ، ذكر ذلك الزمخشري كما تقدم . قال أبو حيان بعد أن حكى عن الزمخشري الوجهين الأخيرين قال : وهذان التخريجان ضعيفان . ( ولم يبين وجه ضعفهما ) . قال شهاب الدين : أما أولهما فلا شك في ضعفه إذ لا فائدة طائلة في الإخبار بذلك ، وأما الثاني فقد يظهر ، وذلك أن التكرير يفيد التكثير وهو قريب من قولهم : عندي ألف وألف ، وقوله : @ 3752 - لَوْ عُدَّ قَبْرٌ وَقَبْرٌ كُنْتَ أَكْرَمَهُمْ @@ وقرأ الزُّهري " وَالدَّواب " مخفف الباء ، قال أبو البقاء : ووجهها أنَّه حذف الباء الأولى كراهية التَّضعيف والجمع بين ساكنين . وقرأ جناح بن حبيش : " وكَبِيرٌ " بالباء الموحدة . وقرئ " وَكَثِيرٌ حَقًّا " بالنصب ، وناصبه محذوف وهو الخبر تقديره : وكثير حق عليه العذاب حقاً ، و " العَذَابُ " مرفوع بالفاعلية . وقرئ " حُقَّ " مبنياً للمفعول . وقال ابن عطية : { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } يحتمل أن يكون معطوفاً على ما تقدم أي : وكثير حق عليه العذاب يسجد أي كراهية وعلى رغمه إما بظله وإما بخضوعه عند المكاره . فقوله : معطوف على ما تقدم يعني عطف الجمل لا أنه هو وحده عطف على ما قبله بدليل أنه قدره مبتدأ وخبره قوله : يسجد . فصل قال ابن عباس في رواية عطاء : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } يوحده ، { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } ممن لا يوحده ، وروي عنه أنه قال : { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } في الجنة . وهذه الرواية تؤكد أن قوله { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } مبتدأ وخبره محذوف . وقال آخرون الوقف على قوله { وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ } ثم استأنف بواو الاستئناف فقال : { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ } . ( وأما قوله تعالى { وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } فالمعنى أن الذين حق عليهم العذاب ) ليس لهم أحد يقدر على إزالة ذلك الهوان عنهم مكرماً لهم . ثم بين بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } أنه الذي يصح منه الإكرام والهوان يوم القيامة بالثواب والعقاب .