Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 25-25)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } الآية . لما فصل بين الكفار والمؤمنين ذكر عظم حرمة البيت ، وعظم كفر هؤلاء فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } وذلك بالمنع من الهجرة والجهاد . قال ابن عباس : نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية عن المسجد الحرام وعن أن يحجوا ويعتمروا وينحروا الهَدْي ، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتالهم وهو محرم ، ثم صالحوه على أن يعود في العام القابل . قوله : " وَيَصدُّونَ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه معطوف على ما قبله ، وحينئذ ففي عطفه على الماضي ثلاثة تأويلات : أحدها : أنّ المضارع قد لا يقصد به الدلالة على زمن معين من حال أو استقبال وإنما يُراد به مجرد الاستمرار ، فكأنه قيل : إن الذين كفروا ومن شأنهم الصدّ عن سبيل الله ، ومثله : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 28 ] . الثاني : أنه مؤول بالماضي لعطفه على الماضي . الثالث : أنه على بابه فإن الماضي قبله مؤول بالمستقبل . الوجه الثاني : أنه حال من فاعل " كَفَرُوا " ، وبه بدأ أبو البقاء . وهو فاسد ظاهراً ، لأنه مضارع مثبت وما كان كذلك لا تدخل عليه الواو وما ورد منه على قلته مؤول ، فلا يحمل عليه القرآن . وعلى هذين القولين فالخبر محذوف ، واختلفوا في موضع تقديره ، فقدره ابن عطية بعد قوله : " وَالبَادِ " أي : إن الذين كفروا خسروا أو أهلكوا ، ونحو ذلك . وقدره الزمخشري بعد قوله : " وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ " أي إن الذين كفروا نذيقهم من عذاب أليم ، وإنما قدره كذلك ؛ لأن قوله : { نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } يدل عليه . إلا أن أبا حيان في تقدير الزمخشري بعد " المَسْجِدِ الحَرَامِ " : لا يصح ، قال : لأن " الَّذِي " صفة للمسجد الحرام ، فموضع التقدير هو بعد " وَالْبَادِ " . يعني أنه يلزم من تقديره الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو خبر " إنَّ " فيصير التركيب : إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم الذي جعلناه للناس . وللزمخشري أن ينفصل عن هذا الاعتراض بأن " الَّذِي جَعَلْنَاه " لا نسلم أنه نعت للمسجد حتى يلزم ما ذكر بل نجعله مقطوعاً عنه نصباً أو رفعاً . ثم قال أبو حيان : لكن مقدر الزمخشري أحسن من مقدر ابن عطية ، لأنه يدل عليه الجملة الشرطية بعد من جهة اللفظ وابن عطية لحظ من جهة المعنى لأن من أذيق العذاب خسر وهلك . الوجه الثالث : أن الواو في " وَيَصُدُّونَ " مزيدة في خبر " إنَّ " تقديره : إن الذين كفروا ( يصدون ) . وزيادة الواو مذهب كوفي تقدم بطلانه . وقال ابن عطية : وهذا مفسد للمعنى المقصود . قال شهاب الدين : ولا أدري فساد المعنى من أي جهة ألا ترى لو صرح بقولنا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَصُدُّونَ ) لم يكن فيه فساد معنى ، فالمانع إنما هو أمر صناعي عند أهل البصرة لا معنوي ، اللهم إلا أن يريد معنى خاصاً يفسد بهذا التقدير فيحتاج إلى بيانه . قوله : " الَّذِي جَعَلْنَاهُ " يجوز جره على النعت والبيان ، والنصب بإضمار فعل ، والرفع بإضمار مبتدأ . والجعل يجوز أن يتعدى لاثنين بمعنى صيّر ، وأن يتعدى لواحد . والعامة على رفع " سواء " . وقرأ حفص عن عاصم بالنصب هنا ، وفي الجاثية " سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ " وافقه على الذي في الجاثية الأخوان وسيأتي توجيهه . فأما على قراءة الرفع ، فإِن قلنا : إنَّ " جَعَلَ " بمعنى ( صير ) كان في المفعول الثاني ثلاثة أوجه : أظهرها : أن الجملة من قوله : " سَوَآءٌ ٱلْعَاكِفُ فِيهِ " هي المفعول الثاني ، ثم الأحسن في رفع " سَوَاءٌ " أن يكون خبراً مقدماً ، و " العاكف " ، والبادي مبتدأ مؤخر ، وإنما وَحَّد الخبر وإن كان المبتدأ اثنين ، لأنَّ " سَواءٌ " في الأصل مصدر وصف به ، وقد تقدم أول البقرة . وأجاز بعضهم أن يكون " سَوَاءٌ " مبتدأ ، وما بعده الخبر ، وفيه ضعف أو منع من حيث الابتداء بالنكرة من غير مسوّغ ، ولأنه متى اجتمع معرفة ونكرة جعلت المعرفة المبتدأ . وعلى هذا الوجه أعني كون الجملة مفعولاً ثانياً فقوله : " للنَّاس " يجوز فيه وجهان : أحدهما : أن يتعلق بالجعل ، أي : جعلناه لأجل الناس كذا . والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه حالٌ من مفعول " جَعَلْنَاهُ " ، ولم يذكر أبو البقاء فيه على هذا الوجه غير ذلك ، وليس معناه متضحاً . الوجه الثاني : أنَّ " لِلنَّاسِ " هو المفعول الثاني ، والجملة من قوله : " سَوَاءٌ العَاكِفُ " في محل نصب على الحال ، إما من الموصول وإما من عائده وبهذا الوجه بدأ أبو البقاء ، وفيه نظر ؛ لأنه جعل هذه الجملة التي هي محطّ الفائدة فضلة . الوجه الثالث : أن المفعول الثاني محذوف . قال ابن عطية : المعنى الذي جعلناه للناس قبلة ومتعبداً . فتقدير ابن عطية هذا مرشد لهذا الوجه . إلا أن أبا حيان قال : ولا يحتاج إلى هذا التقدير إلا إن كان أراد تفسير المعنى لا الإعراب فيسوغ ؛ لأن الجملة في موضع المفعول الثاني ، فلا يحتاج إلى هذا التقدير وإن جعلناها متعدية لواحد كان قوله : " لِلنَّاسِ " متعلقاً بالجعل على الغلبة وجوَّز فيه أبو البقاء وجهين آخرين : أحدهما : أنه حال من مفعول " جَعَلْنَاهُ " . والثاني : أنه مفعول تعدى إليه بحرف الجر . وهذا الثاني لا يتعقل كيف يكون " لِلنَّاسِ " مفعولاً عدي إليه الفعل بالحرف هذا ما لا يعقل ، فإن أراد أنه مفعول من أجله فهي عبارة بعيدة من عبارة النحاة . وأما على قراءة حفص فإن قلنا : " جَعَلَ " يتعدى لاثنين كان " سواء " مفعولاً ثانياً . وإن قلنا : يتعدى لواحد كان حالاً من هاء " جَعَلْنَاهُ " وعلى التقديرين فـ " العَاكِفُ " مرفوع به على الفاعلية ؛ لأنه مصدر وصف به ، فهو في قوة اسم الفاعل المشتق ، تقديره : جعلناه مستوياً فيه العاكف ، ويدل عليه قولهم : مَرَرْتُ بِرَجُلٍ سَوَاءٍ هُوَ وَالعَدَمُ ، فهو تأكيد للضمير المستتر فيه ، والعدم نسق على الضمير المستتر ؛ ولذلك ارتفع ، ويروى : سَوَاءٍ وَالعَدَمُ ؛ بدون تأكيد وهو شاذ وقرأ الأعمش وجماعة " سَوَاء " نصباً " العَاكِف " جرًّا ، وفيه وجهان : أحدهما : أنه بدل من الناس بدل تفصيل . والثاني : أنه عطف بيان ، فهذا أراد ابن عطية بقوله : عطفاً على الناس . ويمتنع في هذه القراءة رفع " سَوَاءٌ " لفساده صناعة ومعنى ، ولذلك قال أبو البقاء : و " سَوَاء " على هذا نصب لا غير . وأثبت ابن كثير ياء " وَالبَادِي " وقفاً ووصلاً . وأثبتها أبو عمرو وورش وصلاً وحذفاها وقفاً . وحذفها الباقون وصلاً ووقفاً ، وهي محذوفة في الإمام . فصل معنى الكلام : ويصدون عن المسجد الحرام الذي جعلناه للناس قبلة لصلاتهم ومنسكاً ومتعبداً كما قال : " وُضِعَ لِلنَّاسِ " وتقدم الكلام على معنى " سَوَاء " باختلاف القراءة . وأراد بـ " العَاكِف " المقيم فيه ، و " البَادِي " الطارئ من البدو ، وهو النازع إليه من غربته . وقال بعضهم : يدخل في " العَاكِف " الغريب إذا جاور ولزمه كالبعيد وإن لم يكن من أهله . واختلفوا في معنى " سَوَاء " فقال ابن عباس في بعض الروايات : إنهما يستويان في سكنى مكة والنزول بها ، فليس أحدهما أحق بالنزول الذي يكون فيه من الآخر إلا أن يكون أحدهما سبق إلى المنزل ، وهو قول قتادة وسعيد بن جبير ، ومن مذهب هؤلاء تحريم كراء دور مكة وبيعها ، واستدلوا بالآية والخبر أما الآية فهذه ، قالوا : إن أرض مكة لا تملك ، فإنها لو ملكت لم يستو العاكف فيها والباد ، فلما استويا ثبت أن سبيلها سبيل المساجد . وأما الخبر فقوله عليه السلام : " مكة مناخ لمن سبق إليه " وهذا مذهب ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وأبي حنفية وإسحاق الحنظلي . وقال عبد الرحمن بن سابط : كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة أحق بمنزله منهم . وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ينهى الناس أن يغلقوا أبوابهم في الموسم وعلى هذا فالمراد بـ " المَسْجِدِ الحَرَامِ " الحرم كله ؛ لأن إطلاق لفظ المسجد الحرام وإرادة البلد الحرام جائز لقوله تعالى { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [ الإسراء : 1 ] . وأيضاً فقوله : " العَاكِفُ " المراد منه المقيم ، وإقامته لا تكون في المسجد بل في المنازل . وقيل : " سَوَآءٌ ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِي " في تعظيم حرمته وقضاء النسك به وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة ، أي ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس ، قال عليه السلام : " يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلب من وُلِّي منكم من أمور الناس شيئاً فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت أو صَلّى أية ساعة من ليل أو نهار " وهذا قول من أجاز بيع دور مكة . وقد جرت مناظرة بين الشافعي وإسحاق الحنظلي بمكة وكان إسحاق لا يرخِّص في كراء بيوت مكة ، فاحتج الشافعي بقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم } [ الحج : 40 ] . فأضاف الديار إلى مالكيها أو إلى غير مالكيها . وقال عليه السلام يوم فتح مكة : " من أغلق بابه فهو آمن " وقوله عليه السلام : " هل ترك لنا عقيل من رباع " وقد اشترى عمر بن الخطاب دار السجن ، أترى أنه اشتراها من مالكيها أو من غير مالكيها . قال إسحاق : فلما علمت أن الحجة لزمتني تركت قولي . والقول بجواز بيع دور مكة وإجارتها قول طاوس وعمرو بن دينار وبه قال الشافعي . قوله : { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ } فيه أربعة أوجه : أحدها : أن مفعول " يُرِدْ " محذوف ، وقوله : " بإلحَادٍ بظُلمٍ " حالان مترادفان ، والتقدير : ومن يرد فيه مراداً ما عادلاً عن القصد ظالماً نذقه من عذاب إليم . وإنما حذف ليتناول كل متناول ، قال معناه الزمخشري . والثاني : أنّ المفعول أيضاً محذوف تقديره : ومن يرد فيه تَعَدِّيا ، و " بإلحاد " حال ، أي : ملتبساً بإلحاد ، و " بِظُلْمٍ " بدل بإعادة الجار . الثالث : أن يكون " بظلم " متعلقاً بـ " يُرِدْ " والباء للسببية ، أي : بسبب الظلم و " بإلحَادٍ " مفعول به ، والباء مزيدة فيه كقوله : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [ البقرة : 195 ] . @ 3756 - لاَ يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ @@ وإليه ذهب أبو عبيدة ، وأنشد للأعشى : @ 3757 - ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيالنَا أَرْمَاحُنَا @@ أي : ضمنت رزق . ويؤيده قراءة الحسن : { وَمَنْ يُرِدْ إلحَادَهُ بِظُلْمٍ } . قال الزمخشري : أراد إلحاده فيه ، فأضافه على الاتساع في الظرف كـ " مَكْرُ اللَّيْلِ " ومعناه : ومن يرد أن يلحد فيه ظالماً . الرابع : أن تضمن " يُرِدْ " معنى يلتبس فذلك تعدى بالباء ، أي : ومن يلتبس بإلحاد مريداً له . والعامة على " يُرِد " بضم الياء من الإرادة . وحكى الكسائي والفراء أنه قرئ " يَرد " بفتح الياء ، قال الزمخشري : من الورود ومعناه : من أتى فيه بإلحاد ظالماً . فصل الإلحاد : العدول عن القصد ، وأصله إلحاد الحافر . واختلف المفسرون فيه ، فقيل : إنه الشرك ، أي مَن لجأ إلى الحرم ليشرك به عَذّبه الله ، وهو إحدى الروايات عن ابن عباس ، وهو قول مجاهد وقتادة . وروي عن ابن عباس هو أن تقتل فيه من لا يقتلك أو تظلم من لا يظلمك . وروي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن سعد حيث استسلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - فارتد مشركاً ، وفي قيس بن ( ضبابة ) . وقال مقاتل : نزلت في عبد الله بن خطل حيث قتل الأنصاريّ وهرب إلى مكة كافراً ، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتله يوم الفتح . وقال مجاهد : تضاعَفُ السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات . وعن سعيد بن جبير وحبيب بن أبي ثابت : هو احتكار الطعام بمكة . وعن عطاء هو قول الرجل في المبايعة : لا والله وبلى والله . وعن عبد الله بن عمر : أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم ، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل ، فقيل له في ذلك فقال : كنا نُحدث أن من الإلحاد فيه أن يقول الرجل كلا والله ، وبلى والله . وعن عطاء : هو دخول الحرم غير محرم وارتكاب شيء من محظورات الإحرام من قتل صيد أو قطع شجر . ولما كان الإلحاد بمعنى الميل من أمر إلى أمر بيَّن تعالى أن المراد بهذا الإلحاد ما يكون ميلاً إلى الظلم فلهذا قرن الظلم بالإلحاد ؛ لأنه لا معصية كبرت أم صغرت إلا وهو ظلم ، ولذلك قال تعالى { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . وقوله : { نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } بيان للوعيد .