Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 26-29)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } الآية . أي ؛ اذكر حين ، واللام في " لإبراهيم " ثلاثة أوجه : أحدها : أنها للعلة ، ويكون مفعول " بَوَّأْنا " محذوفاً ، أي : بوأنا الناس لأجل إبراهيم مكان البيت ، و " بَوَّأَ " جاء متعدياً صريحاً قال تعالى : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } [ يونس : 93 ] { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } [ العنكبوت : 58 ] ، وقال الشاعر : @ 3758 - كَمْ صَاحِبٍ لِي صَالِحٍ بَوَّأْتُه بِيَدَيَّ لَحْدا @@ والثاني : أنها مزيدة في المفعول به ، وهو ضعيف لما تقرر أنها لا تزاد إلا بعد تقدم معمول أو كان العامل فرعاً . الثالث : أن تكون معدية للفعل على أنه مضمن معنى فعل يتعدى بها ، أي ؛ هيأنا له مكان البيت ، كقولك : هيأت له بيتاً ، فتكون اللام معدية قال معناه أبو البقاء . وقال الزمخشري : واذكر حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة ففسر المعنى بأنه ضمن " بَوأْنا " معنى ( جعلنا ) ، ولا يريد تفسير الإعراب . وفي " مكان البيت " وجهان : أظهرهما : أنه مفعول به . والثاني : قال أبو البقاء : أن يكون ظرفاً . وهو ممتنع من حيث إنه ظرف مختص فحقه أن يتعدى إليه بـ ( في ) . فصل روي أن الكعبة الكريمة بنيت خمس مرات : أحدها : بناء الملائكة قبل آدم ، وكانت من ياقوتة حمراء ، ثم رفعت إلى السماء أيام الطوفان . والثانية : بناء إبراهيم - عليه السلام - . والثالثة : بناء قريش في الجاهلية ، وقد حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا البناء . والرابعة : بناء ابن الزبير . والخامسة : بناء الحجاج وهو البناء الموجود اليوم . " وروى أبو ذر قال : قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع أول ؟ قال : " المسجد الحرام " . قال : ثم قلت : أي ؟ قال : " المسجد الأقصى " . قلت : كم بينهما ؟ قال : " أربعون سنة " والمسجد الأقصى أسسه يعقوب - عليه السلام - وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بعثَ اللَّهُ جبريلَ عليه السلام إلى آدم وحواء فقال لهما : ابنيا ليَ بيتاً ، فخطّ لهما جبريل فجعل آدمُ يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته : حسبك يا آدم . فلما بنياه أوحى الله تعالى إليه أن يطوف به ، وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت ، ثم تناسخت القرون حتى حجه نوح ، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه " روي عن عليّ - رضي الله عنه - أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم - عليه السلام - أن ابنِ لي بيتاً في الأرض ، فضاق به زرعاً ، فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها رأس ، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت ، ثم تطوقت في موضع البيت تطوُّق الحية ، فبنى إبراهيم حتى إذا بلغ مكان الحجر ، قال لابنه : ابغني حجراً ، فالتمس حجراً حتى أتاه به ، فوجد الحجر الأسود قد ركب ، فقال لأبيه : من أين لك هذا ؟ قال : جاء به من لا يتكل على بنائك ، جاء به جبريل من السماء فأتمه ، قال : فمرّ عليه الدهر فانهدم ، فبنته العمالقة ، ثم انهدم فبنته جرهم ، ثم انهدم فبنته قريش ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ رجل شاب فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فقالوا : نحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السكة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول من خرج ، فقضى بينهم أن يجعلوه في مربط ثم ترفعه جميع القبائل كلهم ، فرفعوه ، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن ، فوضعه ، وكانوا يدعونه الأمين . قال موسى بن عقبة : كان بناء الكعبة قبل المبعث بخمس عشرة سنة . قال ابن إسحاق : كانت الكعبة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثماني عشرة ذراعاً ، وكانت تكسى القباطي ثم كسيت البرود ، وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف . وأما المسجد الحرام فأول من أخر بنيان البيوت من حول الكعبة عمر بن الخطاب اشتراها من أهلها وهدمها ، فلما كان عثمان اشترى دوراً وزادها فيه ، فلما وُلّي ابن الزبير أحكم بنيانه وأكثر أبوابه وحسن جدرانه ، ولم يوسعه شيئاً آخر ، فلما استوى الأمر إلى عبد الملك بن مروان زاد في ارتفاع جدرانه وأمر بالكعبة فكسيت الديباج ، وتولى ذلك بأمره الحجاج . وروي أن الله تعالى لما أمر إبراهيم - عليه السلام - ببناء البيت لم يدر أين يبني فبعث الله تعالى ريحاً خجوجاً فكشفت ما حول البيت عن الأساس . وقال الكلبي : بعث الله سحابة بقدر البيت ، فقامت بحيال البيت فيها رأس يتكلم وله لسان وعينان يا إبراهيم ابن على قدري وحيالي ، فبنى عليه . قوله : { أَن لاَّ تُشْرِكْ } في " أَنْ " هذه ثلاثة أوجه : أحدها : أنها هي المفسرة . قال الزمخشري بعد أن ذكر هذا الوجه : فإن قلت : كيف يكون النهي عن الشرك ، والأمر بتطهير البيت تفسيراً للتبوئِة . قلت : كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة ، وكأنه قيل تعبدنا إبراهيم قلنا لا تشرك . يعني الزمخشري أن " أن " المفسرة لابد أن يتقدمها ما هو بمعنى القول لا حروفه ولم يتقدم إلا لتبوئة وليست بمعنى القول فضمنها معنى القول ، ولا يريد بقوله : قلنا : لا تشرك . تفسير الإعراب بل تفسير المعنى ، لأن المفسرة لا تفسر القول الصريح . الثاني : أنها المخففة من الثقيلة . قاله ابن عطية . وفيه نظر من حيث إن ( أن ) المخففة لا بد أن يتقدمها فعل تحقيق أو ترجيح كحالها إذا كانت مشددة . الثالث : أنها المصدرية التي تنصب المضارع ، وهي توصل بالماضي والمضارع والأمر ، والنهي كالأمر ، وعلى هذا فـ " أن " مجرورة بلام العلة مقدرة أي : بوأناه لئلا تشرك ، وكان من حق اللفظ على هذا الوجه أن يكون " أن لا يشرك " بياء الغيبة ، وقد قرئ بذلك ، قاله أبو البقاء : وقوى ذلك قراءة من قرأة بالياء . يعني من تحت . ووجه قراءة العامة على هذا التخريج أن يكون من الالتفات من الغيبة إلى الخطاب . الرابع : أنها الناصبة ومجرورة بلام أيضاً ، إلا أن اللام متعلقة بمحذوف ، أي : فعلنا ذلك لئلا تشرك ، فجعل النهي صلة لها ، وقَوَّى ذلك قراءة الياء قاله أبو البقاء . والأصل عدم التقدير مع عدم الاحتياج إليه . وقرأ عكرمة وأبو نهيك " أن لا يشرك " بالياء . قال أبو حيان : على معنى أن يقول معنى القول الذي قيل له . وقال أبو حاتم : ولا بد من نصب الكاف على هذه القراءة بمعنى : لئلا يُشْرِكَ . قال شهاب الدين : كأنه لم يظهر له صلة ( أَنْ ) المصدرية بجملة النهي ؛ فجعل ( لاَ ) نافية ، وسلّط ( أَنْ ) على المضارع بعدها حتى صار علة للفعل قبله ، وهذا غير لازم لما تقدم من وضوح المعنى مع جعلها ناهية . فصل وههنا سؤالات : الأول : إذا قلنا : أنّ ( أَنْ ) هي المفسرة : فكيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيراً للتبوئة ؟ والجواب : أنه سبحانه لما قال : جعلنا البيت مرجعاً لإبراهيم ، فكأنه قيل : ما معنى كون البيت مرجعاً له ، فأجيب عنه بأن معناه أن يكون بقلبه موحداً لرب البيت عن الشريك والنظير مشتغلاً بتنظيف البيت عن الأوثان والأصنام . السؤال الثاني : أن إبراهيم - عليه السلام - لما لم يشرك بالله فيكف قيل : " لا تُشْرك بِي " ؟ والجواب : المعنى : لا تجعل في العبادة لي شريكاً ، ولا تشرك بي غرضاً آخر في بناء البيت . السؤال الثالث : أنَّ البيت ما كان معموراً قبل ذلك فكيف قال : " وَطَهِّرْ بَيتِي " . والجواب : لعل ذلك المكان كان صحراء فكانوا يرمون إليها الأقذار ، فأمر إبراهيم ببناء ذلك البيت في ذلك المكان وتطهيره عن الأقذار ، أو كانت معمورة وكانوا وضعوا فيها أصناماً ، فأمره الله تعالى بتخريب ذلك البناء ووضع بناء جديد ، فذلك هو التطهير عن الأوثان ، أو يكون المراد أنك بعد أن تبنيه فطهره عما لا ينبغي من الشرك . وقوله : " لِلطَّائِفينَ " قال ابن عباس : للطائفين بالبيت من غير أهل مكة " والقائمين " أي : المقيمين فيها ، " والرُّكَّع السُّجُود " أي : المصلين من الكل ، وقيل : القائمون هم المصلون . قوله : { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ } . قرأ العامة بتشديد الذال بمعنى ( ناد ) . وقرأ الحسن وابن محيصن " آذن " بالمد والتخفيف بمعنى أعلم . ويبعده قوله : " فِي النّاس " إذ كان ينبغي أن يتعدى بنفسه . ونقل أبو الفتح عنهما أنهما قرءا بالقصر وتخفيف الذال ، وخرجها أبو الفتح وصاحب اللوامح على أنها عطف على " بَوَّأْنَا " أي : واذكر إذ بوأنا وإذ أُذن في الناس ، وهي تخريج واضح . وزاد صاحب اللوامح فقال : فيصير في الكلام تقديم وتأخير ويصير " يأتوك " جزماً على جواب الأمر في " وَطهِّر " . ونسب ابن عطية أبا الفتح في هذه القراءة إلى التصحيف فقال بعد أن حكى قراءة الحسن وابن محيصن " وآذن " بالمد : وتصحف هذا على ابن جنيّ فإنه حكى عنهما " وأَذِنَ " على أنه فعل ماض وأعرب على ذلك بأن جعله عطفاً على " بَوَّأْنَا " . قال شهاب الدين : ولم يتصحف عليه بل حكى هذه القراءة أبو الفضل الرازي في اللوامح له عنهما ، وذكرها أيضاً ابن خالويه ، ولكنه لم يطلع عليها ، فنسب من اطّلع عليها للتصحيف ، ولو تأنّى أصاب أو كاد . وقرأ ابن أبي إسحاق " بالحجِّ " بكسر الحاء حيث وقع كما تقدم . فصل قال أكثر المفسرين : لما فرغ إبراهيم من بناء البيت قال الله له : { أذن في الناس بالحج } ، قال : يا رب وما يبلغ صوتي ؟ قال : عليك الأذان وعليَّ البلاغ فصعد إبراهيم الصفا ، وفي رواية أبا قبيس ، وفي رواية على المقام . فارتفع المقام حتى صار كأطول الجبال فأدخل أصبعيه في أذنيه ، وأقبل بوجهه يميناً وشمالاً وشرقاً وغرباً وقال : يا أيها الناس ألا إن ربكم قد بنى بيتاً ، وقد كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فأجيبوا ربكم ، فأجابه كل من يحج من أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات لبيك اللهم لبيك . قال ابن عباس : فأول من أجابه أهلُ اليَمَن فهم أكثر الناس حجاً . وقال مجاهد : من أجاب مرّة حجّ مرّة ومن أجاب مرتين أو أكثر فيحج مرتين أو أكثر بذلك المقدار . قال ابن عباس : لما أمر الله إبراهيم بالأذان تواضعت له الجبال وخفضت وارتفعت له القرى . وقال الحسن وأكثر المعتزلة : إنّ المأمور بالأذان هو محمد - عليه السلام - واحتجوا بأن ما جاء في القرآن وأمكن حَمْله على أن محمداً هو المخاطب فهو أولى وقد بينا أن قوله : " وَإِذْ بَوَّأنَا " ، أي : واذكر يا محمد إذ بوأنا ، فهو في حكم المذكور ، فلما قال : " وَأَذِّنْ " فإليه يرجع الخطاب . قال الجبائي : أمر محمداً - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل ذلك في حجة الوداع . قالوا : إنه ابتداء فرض الحج من الله تعالى للرسول ، وفي قوله : " يَأْتُوكَ " دلالة على أن المراد أن يحج فيقتدى به . وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إِنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُم الحجَّ فحُجُّوا " . قوله : " رِجَالاً " نصب على الحال ، وهو جمع راجل نحو : صاحب وصِحَاب ، وتاجر وتجار ، وقائم وقيام . وقرأ عكرمة والحسن وأبو مجلز " رُجَّالاً " بضم الراء وتشديد الجيم . وروي عنهم تخفيفها ، وافقهم ابن أبي إسحاق على التخفيف ، وجعفر بن محمد ومجاهد على التشديد ، ورويت عن ابن عباس أيضاً . فالمخفف اسم جمع كظؤار ، والمشدد جمع تكسير كصائم وصوام . وروي عن عكرمة أيضاً " رُجَالَى " كنُعَامى بألف التأنيث . وكذلك عن ابن عباس وعطاء إلا أنهما شددا الجيم . قوله : { وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } نسق على " رجالاً " ، فيكون حالاً أي : مشاة وركباناً . والضمور : الهزال ، ضَمَر يضْمُر ضُمُوراً ، والمعنى أن الناقة صارت ضامرة لطول سفرها . قوله : " يأتين " . النون ضمير " كُلِّ ضَامِر " حملاً على المعنى ، إذ المعنى : على ضوامر ، فـ " يَأْتِينَ " صفة لـ " ضامر " ، وأتى بضمير الجمع حَملاً على المعنى ، أي جماعة الإبل ، وقد تقدم في أول الكتاب أن " كل " إذا أضيفت إلى نكرة لم يراع معناها إلا في قليل ، كقوله : @ 3759 - جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ عَيْنٍ ثَرَّةٍ فَتَرَكْتُ كُلَّ حَديقَة كَالدِّرْهَمِ @@ وهذه الآية ترده ، فإن " كلّ " فيها مضافة لنكرة وقد روعي معناها ، وكان بعضهم أجاب عن بيت زهير بأنه إنما جاز ذلك ؛ لأنه في جملتين ، قيل له : فهذه الآية جملة واحدة ، لأن " يأتين " صفة لـ " ضَامِر " . وجوَّز أبو حيان أن يكون الضمير يشمل " رجالاً " و " كل ضامر " قال : على معنى الجماعات والرفاق . قال شهاب الدين : فعلى هذا يجوز أن يقال عنده : الرجال يأتين ، ولا ينفعه كونه اجتمع مع الرجال هنا " كل ضامر " ، فيقال جاز ذلك لما اجتمع معه ما يجوز فيه ذلك إذ يلزم منه تغليب غير العاقل على العاقل وهو ممنوع . وقال البغوي : وإنما جمع " يَأْتِين " لمكان " كُلّ " وأراد النوق . وقرأ ابن مسعود والضحاك وابن أبي عبلة " يَأْتون " تغليباً للعقلاء الذكور . وعلى هذا فيحتمل أن يكون قوله : { على كل ضامر } حالاً أيضاً ، ويكون " يأتون " مستأنفاً متعلق به من كل فج أي يأتونك رجالاً وركباناً ثم قال : { يأتون من كل فج } وأن يتعلق بقوله " يأتون " أي يأتون على كل ضامر من كل فجّ ، و " يأتون " مستأنف أيضاً ، فلا يجوز أن يكون صفة لـ " رجالاً " ولـ " ضامر " لاختلاف الموصوف في الإعراب ؛ لأن أحدهما منصوب والآخر مجرور ، ولو قلت : رأيت زيداً ومررت بعمرو العاقلين . على النعت لم يجز بل على القطع . وقد جوَّز ذلك الزمخشري فقال : وقرئ " يَأْتُون " صفة للرجال والركبان وهو مردود بما ذكرنا . والفج : الطريق بين الجبلين ، ثم يستعمل في سائر الطرق اتساعاً . والعميق : البعيد سفلاً ، يقال : بئر عميقة معيقة ، فيجوز أن يكون مقلوباً إلا أنه أقل من الأول ، قال : @ 3760 - إِذَا الخَيْلُ جَاءَتْ مِنْ فِجَاجٍ عَمِيقَةٍ يَمُدُّ بِهَا فِي السَّيْرِ أَشْعَثُ شَاحِبُ @@ وقرأ ابن مسعود : " مَعِيقٌ " ويقال : عمق وعمق بكسر العين وضمها عمقاً بفتح الفاء قال الليث : عميق ( ومعيق ، والعميق في الطريق أكثر . وقال الفراء : عميق لغة الحجاز ) ومعيق لغة تميم وأعمقت البئر وأمعقتها وعَمُقَت ومَعُقَت عماقة ومعاقة وإعماقاً وإمعاقاً قال رؤبة : @ 3761 - وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ خَاوِي المُخْتَرقْ @@ الأعماق هنا بفتح الهمزة جمع عُمْق وعلى هذا فلا قلب في معيق ، لأنها لغة مستقلة ، وهو ظاهر قول الليث أيضاً ، ويؤيده قراءة ابن مسعود بتقديم الميم ، ويقال : غميق بالغين المعجمة أيضاً . فصل بدأ الله بذكر المشاة تشريفاً لهم ، وروى سعيد بن جبير بإسناده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الحاج الراكب له بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة وللماشي سبعمائة حسنة من حسنات الحرم ، قيل : يا رسول الله وما حسنات الحرم ؟ قال : الحسنة بمائة ألف حسنة " . وإنما قال تعالى : " يَأْتُوكَ رِجَالاً " ؛ لأنه هو المنادي فمن أتى مكة حاجّاً فكأنه أتى إبراهيم - عليه السلام - ، لأنه يجيب نداءه . قوله : " لِيَشْهَدُوا " يجوز في هذه اللام وجهان : أحدهما : أن تتعلق بـ " أَذِّنْ " ، أي : أذن ليشهدوا . والثاني : أنها متعلقة بـ " يَأْتُوكَ " . وهو الأظهر . قال الزمخشري : ونكر " مَنَافِعَ " لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات . قل سعيد بن المسيب ومحمد بن علي الباقر : المنافع : هي العفو والمغفرة وقال سعيد بن جبير : التجارة ، وهي رواية ابن زيد . وعن ابن عباس قال : الأسواق . وقال مجاهد : التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة . { وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } قال الأكثرون : هي عشر ذي الحجة قيل لها " مَعْلُومَات " للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها . والمعدودات : أيام التشريق . وروي عن علي : أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وهو اختيار الزجاج . لأن الذكر على " بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ " يدل على التسمية على نحرها . والنحر للهدايا إنما يكون في هذه الأيام . وروى عطاء عن ابن عباس : أنها يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق . وقيل : عبر عن الذبح والنحر بذكر اسم الله ؛ لأن المسلمين لا ينفكون عن ذكر اسم الله إذا نحروا . ثم قال : { عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } يعني الهدايا والضحايا تكون من النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم . قال الزمخشري : البهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر ، فبينت بالأنعام وهي : الإبل والبقر والغنم . قوله : " فَكُلُوا مِنْهَا " . قيل : هذا أمر وجوب ، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئاً تَرَفُّقاً على الفقراء . وقيل : هذا أمر إباحة . واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعاً كان للمُهْدِي أن يأكل منه ، وكذلك أضحية التطوع ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يؤخذ من كل جزور بضعه ، فطبخت ، وأكل لحمها ، وحسي من مرقها ، وكان هذا تطوعاً . واختلفوا في الهدي الواجب في النذور والكفارات والجبرانات للنقصان مثل دم القران ودم التمتع ودم الإساءة ودم التقليم والحلق ، والواجب بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد . فقال الشافعي وأحمد : لا يأكل منه . وقال ابن عمر : لا يأكل من جزاء الصيد والنذور ، ويأكل مما سواهما . وقال مالك : يأكل من هدي التمتع ، ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور . وعند أصحاب الرأي : يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما . قوله : { وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } . يعني الزمن الفقير الذي لا شيء له . قال ابن عباس : البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه ، والفقير الذي لا يكون كذلك فتكون ثيابه نقية ووجهه وجه غني . والبؤس شدة الفقر . قوله : { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } . العامة على كسر اللام ، وهي لام الأمر . وقرأ نافع والكوفيون والبزي بسكونها ، إجراء للمنفصل مجرى المتصل نحو كتف ، وهو نظير تسكين هاء ( هو ) بعد ( ثُمَّ ) في قراءة الكسائي وقالون حيث أجريت ( ثُمَّ ) مجرى الواو والفاء والتَّفَث : قيل أصله من التف . وهو وسخ الأظفار قلبت الفاء ثاء كمعثور في معفور . وقيل : هو الوسخ والقذر يقال : ما تفثك . وحكى قطرب : تفث الرجل ، أي : كثر وسخه في سفره . قال الزجاج : إن أهل اللغة لا يعرفون التّفَث إلا من التفسير . وقال المبرد : أصل التفث في كلام العرب كل قاذورة تلحق الإنسان فيجب عليه نقضها . وقال القفال : قال نفطويه : سألت أعرابياً فصيحاً ما معنى قوله : { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ } ، فقال : ما أفسر القرآن ، ولكنا نقول للرجل : ما أتفثك ، أي : أوسخك وما أدرنك . ثم قال القفال : وهذا أولى من قول الزجاج لأن القول قول المثبت لا قول النافي . والمراد بالتفث هنا : الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث والحاج أشعث أغبر ، والمراد قص الشارب والأظفار ونتف الإبط وحلق العانة . والمراد بالقضاء إزالة ذلك ، والمراد به الخروج من الإحرام بالحلق وقص الشارب والتنظيف ولبس الثياب . وقال ابن عمر وابن عباس : قضاء التفث مناسك الحج كلها . وقال مجاهد : هو مناسك الحج وأخذ الشارب ونتف الإبط وحلق العانة وقلم الأظفار . وقيل : التفث هنا رمي الجمار . وقيل : معنى " لِيَقْضُوا تَفَثَهُم " ليصنعوا ما يصنعه المحرم من إزالة شعر وشعث ونحوهما عند حله ، وفي ضمن هذا قضاء جميع المناسك إذ لا يفعل هذا إلا بعد فعل المناسك كلها . قوله : " وَليُوفُوا " . قرأ أبو بكر " وَليُوفُّوا " بالتشديد ، والباقون بالتخفيف . وتقدّم في البقرة أن فيه ثلاث لغات وَفّى ، وَوفَى ، وأَوْفَى . وقرأ ابن ذكوان : " ولِيوفوا " بكسر اللام ، والباقون بسكونها . وهذا الخلاف جار في قوله " وَلِيَطَّوَّفُوا " . والمراد بالوفاء ما أوجبه بالنذر ، وقيل : ما أوجبه الدخول في الحج من المناسك . قال مجاهد : أراد نذر الحج والهدي ، وما ينذره الإنسان من شيء يكون في الحج . وقيل : المراد الوفاء بالنذر مطلقاً وقوله : " وَلِيَطَّوَّفُوا " المراد الطواف الواجب ، وهو طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق وسمي البيت العتيق قال الحسن : القديم لأنه أول بيت وضع للناس . وقال ابن عباس وابن الزبير : لأنه أُعْتِقَ من الجبابرة ، فكم من جبار سار إليه ليهدمه فمنعه الله ، ولما قصده أبرهة فُعِل به ما فعل . فإن قيل : قد تسلَّط الحجاج عليه ؟ فالجواب : أنه ما قصد التسلط على البيت وإنما تحصّن به عبد الله بن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه وقال ابن عيينة : لم يُمْلك قط . وقال مجاهد : أعتق من الغرق . وقيل : لأنه بيت كريمٌ من قولهم : عِتاق الخيل والطير . فصل والطواف ثلاثة أطواف : الأول : طواف القدوم وهو أن من قدم مكة يطوف بالبيت سبعاً ، يرمل ثلاثاً من الحجر الأسود إلى أن ينتهي إليه ، ويمشي أربعاً وهذا الطواف سنة لا شيء على تاركه . والثاني : طواف الإفاضة يوم النحر بعد الرمي والحلق ، ويسمى أيضاً طواف الزيارة وطواف الصدر ، وهو واجب لا يحصل التحلل من الإحرام ما لم يأت به . والثالث : طواف الوداع لا رخصة لمن أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر في أن يفارقها حتى يطوف بالبيت سبعاً ، فمن تركه فعليه دم إلا الحائض والنفساء ، فلا وداع عليهما لما روى ابن عباس قال : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه أرخص للمرأة الحائض . والرمل يختص بطواف القدوم ، ولا رمل في طواف الإفاضة والوداع .