Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 30-32)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ } الآية . " ذَلِكَ " خبر مبتدأ مضمر ، أي : الأمر والشأن ذلك ، قال الزمخشري : كما يقدم الكاتب جملة من كلامه في بعض المعاني ، فإذا أراد الخوض في معنى آخر قال هذا ، وقد كان كذا . وقدره ابن عطية : فرضكم ذلك أو الواجب ذلك . وقيل : هو مبتدأ خبره محذوف ، أي ذلك الأمر الذي ذكرته . وقيل : في محل نصب أي : امتثلوا ذلك . ونظير هذه الإشارة قول زهير بعد تقدم جمل في وصف هرم بن سنان : @ 3762 - هذَا وَلَيْسَ كَمنْ يَعْيَا بَخُطَّتِهِ وَسْطَ النَّدِيّ إِذَا نَاطِقٌ نَطَقَا @@ والحرمة ما لا يحلّ هَتْكُه ، وجمييع ما كلفه الله بهذه الصفة من مناسك الحج وغيرها ، فيحتمل أن يكون عاماً في جميع تكاليفه ، ويحتمل أن يكون خاصاً فيما يتعلق بالحج . وعن زيد بن أسلم : الحرمات خمس : الكعبة الحرام ، والمسجد الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمشعر الحرام . وقال ابن زيد : الحرمات ههنا : البيت الحرام ، والبلد الحرام ، والشهر الحرام ، والمسجد الحرام ، ( والإحرام ) . وقال الليث : حرمات الله ما لا يحل انتهاكها . وقال الزجاج : الحرمة ما وجب القيام به ، وحرم التفريط فيه . قوله : " فهو " " هُو " ضمير المصدر المفهوم من قوله : " وَمَنْ يُعَظّم " ، أي ؛ فتعظيم حرمات الله خير له ، كقوله تعالى : { ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ } [ المائدة : 8 ] و " خير " هنا ظاهرها التفضيل بالتأويل المعروف ومعنى التعظيم : العلم بوجوب القيام بها وحفظها . وقوله : " عِنْدَ رَبِّهِ " أي : عند الله في الآخرة . وقال الأصم : فهو خير له من التهاون . قوله : { وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } ووجه النظم أنه كان يجوز أن يظن أن الإحرام إذا حرم الصيد وغيره فالأنعام أيضاً تَحْرُم ، فبيَّن تعالى أن الإحرام لا يؤثر فيها ، ثم استثنى منه ما يتلى في كتاب الله من المحرمات من النعم في سورة المائدة في قوله : { غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } [ المائدة : 1 ] ، وقوله : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [ الأنعام : 121 ] . قوله : { إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يجوز أن يكون استثناء متصلاً ، ويصرف إلى ما يحرم من بهيمة الأنعام لسبب عارض كالموت ونحوه . وأن يكون استثناءً منقطعاً ؛ إذ ليس فيها محرم وقد تقدم تقرير هذا أول المائدة . قوله : " مِنَ الأَوْثَانِ " . في " مِنْ " ثلاثة أوجه : أحدها : أنها لبيان الجنس ، وهو مشهور قول المعربين ، ويقدر بقولك الرجس الذي هو الأوثان . وقد تقدم أن شرط كونها بيانية ذلك ويجيء مواضع كثيرة لا يتأتى فيها ذلك ولا بعضه . والثاني : أنها لابتداء الغاية . قال شهاب الدين : وقد خلط أبو البقاء القولين فجعلهما قولاً واحداً . فقال : و " مِنْ " لبيان الجنس ، أي : اجتنبوا الرجس من هذا القبيل وهو معنى ابتداء الغاية ههنا يعني أنه في المعنى يؤول إلى ذلك ولا يؤول إليه البتة . الثالث : أنها للتبعيض . وقد غلّط ابن عطية القائل بكونها للتبعيض فقال : ومن قال إن " من " للتبعيض قلب معنى الآية فأفسده . وقد يمكن التبعيض فيها بأن معنى الرجس عبادة الأوثان ، وبه قال ابن عباس وابن جريج فكأنه قال : فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو العبادة لأن المحرم من الأوثان إنما هو العبادة ، ألا ترى أنه قد يتصور استعمال الوثن في بناء وغيره مما لم يحرم الشرع استعماله ، فللوثن جهات منها عبادتها وهي بعض جهاتها . قاله أبو حيان . والأوثان جمع وثن ، والوثن يطلق على ما صُوِّر من نحاس وحديد وخشب ويطلق أيضاً على الصليب ، " قال عليه السلام لعدي بن حاتم وقد رأى في عنقه صليباً : " أَلْقِ هذَا الوَثَنَ عَنْكَ " وقال الأعشى : @ 3763 - يَطُوفُ العُفَاةُ بِأَبْوَابِهِ كَطَوْفِ النَّصَارَى ببَيْتِ الوَثَنْ @@ واشتقاقه من وَثن الشيء ، أي أقام بمكانه وثبت فهو واثن ، وأنشد لرؤبة : @ 3764 - عَلَى أَخِلاَّءِ الصَّفَاءِ الوُثَّنِ @@ أي : المقيمين على العهد ، وقد تقدم الفرق بين الوثن والصَّنم . فصل قال المفسرون : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } أي ؛ عبادتها ، أي كونوا على جانب منها فإنها رجس ، أي سبب رجس وهو العذاب ، والرجس بمعنى الرجز . وقال الزجاج : " مِن " ههنا للتجنيس ، أي اجتنبوا الأوثان التي هي الرجس { وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ } . واعلم أنه تعالى لما حَثّ على تعظيم حرماته أتبعه بالأمر باجتناب الأوثان وقول الزور ، لأن توحيد الله وصدق القول أعظم الحرمات ، وإنما جمع الشرك وقول الزور في سلك واحد ، لأن الشرك من باب الزور ، لأن المشرك زاعم أن الوثن يحق له العبادة فكأنه قال : فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رأس الزور واجتنبوا قول الزور كله ، ولا تقربوا شيئاً منه ، وما ظنك بشيء من قبيله عبادة الأوثان . وسمى الأوثان رجساً لا للنجاسة لكن لأن وجوب تجنبها أوكد من وجوب تجنب الرجس ، ولأن عبادتها أعظم من التلوث بالنجاسات . قال الأصَمّ : إنما وصفها بذلك لأن عادتهم في القربان أن يتعمدوا سقوط الدماء عليها . وهذا بعيد ، وإنما وصفها بذلك استحقاراً واستخفافاً . والزور من الازورار وهو الانحراف كما أن الإفك ( من أَفِكه إذا صرفه ) وذكر المفسرون في قول الزور وجوهاً : الأول : قولهم : هذا حلال وهذا حرام ، وما أشبه ذلك . والثاني : شهادة الزور ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح فلما سلم قام قائماً ، واستقبل الناس بوجهه ، وقال : " عدلت شهادة الزور الإشراك بالله " وتلا هذه الآية . الثالث : الكذب والبهتان . الرابع : قول أهل الجاهلية في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . قوله : " حُنَفَاءَ لِلَّهِ " حال من فاعل " اجْتَنِبوا " ، وكذلك " غَيْرَ مُشْرِكِين " وهي حال مؤكدة إذ يلزم من كونهم " حنفاء " عدم الإشراك أي مخلصين له ، أي تمسكوا بالأوامر والنواهي على وجه العبادة لله وحده لا على وجه إشراك غير الله به ، فلذلك قال { غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ } . ثم قال : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : سقط من السماء إلى الأرض . قوله : " فَتَخْطَفُهُ " . قرأ نافع بفتح الخاء والطاء مشددة ، وأصلها تختطفه فأدغم . وباقي السبعة " فتَخْطَفُه " بسكون الخاء وتخفيف الطاء . وقرأ الحسن والأعمش وأبو رجاء بكسر التاء والخاء والطاء مع التشديد . وروي عن الحسن أيضاً بفتح الطاء مشددة مع كسر التاء والخاء . وروي عن الأعمش كقراءة العامة إلا أنه بغير فاء " تخطفه " وتوجيه هذه القراءات قد تقدم في أوائل البقرة عند قوله : { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ } [ البقرة : 20 ] . وقرأ أبو جعفر " الرياح " جمعاً . وقوله : " خَرّ " في معنى ( تخر ) ، ولذلك عطف عليه المستقبل وهو " فتَخْطَفُه " . ويجوز أن يكون على بابه ولا يكون " فَتَخْطَفُهُ " عطفاً عليه بل هو خبر مبتدأ مضمر أي : فهو تخطفه . قال الزمخشري : يجوز في هذا التشبيه أن يكون من المركب والمفرق فإن كان تشبيهاً مركباً ، فكأنه قال : من أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكاً ليس وراءه إهلاك بأن صور حاله بصورة حال مَنْ خَرّ من السماء فاختطفته الطير فتفرق مُزَعاً في حواصلها ، أو عصفت به الرياح حتى هوت به في بعض المطاوح البعيدة . وإن كان مفرقاً فقد شبه الإيمان في علوّه بالسماء ، والذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء والأهواء التي تتوزع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الذي يطوح به في وادي الضلال بالريح التي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المتلفة . والسحيق البعيد ، ومنه : سَحَقَهُ الله ، أي : أبعده ، ومنه قول عليه السلام : " سُحْقاً سُحْقاً " أي بُعْداً بُعْداً . والنخلة السحوق الممتدة في السماء من ذلك . قوله تعالى : { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } الآية . إعراب " ذَلِك " كإعراب " ذَلِكَ " المتقدم وتقدم تفسير الشعيرة واشتقاقها في المائدة . والمعنى : ذلك الذي ذكرت من اجتناب الرجس ، وقول الزور ، وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب . قال ابن عباس : شعائر الله البُدْن والهدايا . وأصلها من الإشعار وهو إعلامها لتعرف أنها هَدْي ، وتعظيمها استحسانها واستسمانها . وقيل : شعائر الله أعلام دينه . وقيل : مناسك الحج . قوله : { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } . أي : فإن تعظيمها من أفعال ذوي تقوى القلوب ، فحذفت هذه المضافات ، ولا يستقيم المعنى إلا بتقديرها ، لأنه لا بد من راجع من الجزاء إلى ( من ) ليرتبط به ، وإنما ذكرت القلوب ، لأن المنافق قد يظهر التقوى من نفسه وقلبه خال عنها ، فلهذا لا يكون مجدّاً في الطاعات ، وأما المخلص الذي تمكنت التقوى من قلبه فإنه يبالغ في أداء الطاعات على سبيل الإخلاص . واعلم أن الضمير في قوله : { فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } فيه وجهان : أحدهما : أنه ضمير الشعائر على حذف مضافه ، أي : فإن تعظيمها من تقوى القلوب . والثاني : أنه ضمير المصدر المفهوم من الفعل قبله ، أي : فإن التعظيم من تقوى القلوب والعائد على اسم الشرط من هذه الجملة الجزائية مقدر تقديره : فإنها من تقوى القلوب منهم . ومن جوَّز إقامة ( أل ) مقام الضمير - وهم الكوفيون - ، أجاز ذلك هنا ، والتقدير : من تقوى قلوبهم كقوله : { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } [ النازعات : 41 ] . والعامة على خفض " القلوب " ، وقرئ برفعها ، فاعلة للمصدر قبلها وهو " تقوى " .