Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 33-35)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أي : في الشعائر بمعنى الشرائع ، أي : لكم في التمسك بها . وقيل : في بهيمة الأنعام ، وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك . ورواه مقسمٌ عن ابن عباس . وعلى هذا فالمنافع درها ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهرها إلى أجل مسمى ، وهو أن يسميها ويوجبها هدياً ؛ فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها . وروي عن ابن عباس أن في البدن منافع مع تسميتها هدياً بأن تركبوها إن احتجتم إليها ، وتشربوا لبنها إن احتجتم إليه ، إلى أجل مسمّى إلى أن تنحروها . وهذا اختيار الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق ، وهو أَوْلى ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - " مَرَّ برجلٍ يَسُوقُ بَدَنَةً وهو في جهد ، فقال عليه السلام : " ارْكَبْهَا " . فقال يا رسول الله إنها هدي . فقال : " ارْكَبْهَا ويلك " . قال عليه السلام : " اركبوا الهدي بالمعروف حتى تجدوا ظهراً " واحتج أبو حنيفة على أنه لا يملك من منافعها بأنه لا يجوز له أن يؤجرها للركوب فلو كان مالكاً لمنافعها لملك عقد الإجارة عليها كمنافع سائر المملوكات . وأجيب بأن هذا قياس في معارضة النص فلا عبرة به ، وأيضاً فإن أم الولد لا يملك بيعها ويمكنه الانتفاع بها فكذا ههنا . ومن حمل المنافع على سائر الواجبات يقول : " لَكُمْ فِيهَا " أي : في التمسك بها منافع إلى أجل ينقطع التكليف عنده . والأول قول جمهور المفسرين لقوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي : لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم وأعظم هذه المنافعِ محلها إلى البيت العتيق ، أي : وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت كقوله { هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [ المائدة : 95 ] . وقوله : " مَحِلُّهَا " يعني حيث يحل نحرها ، وأما " البيت العتيق " فالمراد به الحرم كله لقوله : { فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا } [ التوبة : 28 ] أي : الحرم كله ، فالمنحر على هذا القول مكة ، ولكنها نزهت عن الدماء إلى منى ، ومنى من مكة قال عليه السلام : " كل فجاج مكة منحر ، ( وكل فجاج منى منحر ) " قال القفال : هذا إنما يختص بالهدايا التي تبلغ منى ، فأما الهدي المتطوع به إذا عطب قبل بلوغ مكة فإن محلها موضعه . ومن قال : الشعائر المناسك فإن معنى قوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } أي : محل الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق أن يطوفوا به طواف الزيارة ( يوم النحر ) . قوله تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً } الآية . قرأ الأخوان هذا وما بعده " منسِكاً " بالكسر . والباقون بالفتح . فقيل : هما بمعنى واحد ، والمراد بالمنسك مكان النسك أو المصدر . وقيل : المكسور مكان ، والمفتوح مصدر . قال ابن عطية : والكسر في هذا من الشاذ ولا يسوغ فيه القياس ، ويشبه أن يكون الكسائي سمعه من العرب . قال شهاب الدين : وهذا الكلام منه غير مرضي ، كيف يقول : ويشبه أن يكون الكسائي سمعه . والكسائي يقول : قرأت به . فكيف يحتاج إلى سماع مع تمسكه بأقوى السماعات ، وهو روايته لذلك قرأنا متواتراً . وقوله : من الشاذ : يعني قياساً لا استعمالاً فإنه فصيح في الاستعمال ، وذلك أن فعل يفعُل بضم العين في المضارع قياس الفعل منه أن يفتح عينه مطلقاً ، أي : سواء أريد به الزمان أم المكان أم المصدر ، وقد شذت ألفاظ ضبطها النحاة في كتبهم مذكورة في هذا الكتاب . فصل " وَلِكُلِّ أُمَّةٍ " ( أي : جماعة مؤمنة سلفت قبلكم من عهد إبراهيم عليه السلام " جَعَلْنَا مَنْسَكاً " ) أي ضرباً من القربان ، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه عند ذبحها ونحرها فقال : { لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ } أي : عند الذبح والنحر لأنها لا تتكلم . وقال : " بَهِيمة الأَنْعَام " قيد بالنعم ، لأن من البهائم ما ليس من الأنعام كالخيل والبغال والحمير لا يجوز ذبحها في القرابين ، وكانت العرب تسمي ما تذبحه للصَّنَم العتر والعتيرة كالذبح والذبيحة . قوله : { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } في كيفية النظم وجهان : الأول : أن الإله واحد ، وإنما اختلفت التكاليف باختلاف الأزمنة والأشخاص لاختلاف المصالح . والثاني : { فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } لا تذكروا على ذبائحكم غير اسمه . " فَلَهُ أَسْلِمُوا " انقادوا وأطيعوا ، فمن انقاد لله كان مخبتاً فلذلك قال بعده " وَبَشِّر المُخْبِتِينَ " . قال ابن عباس وقتادة : المخبت المتواضع الخاشع وقال مُجاهد : المطمئن إلى الله . والخبت المكان المطمئن من الأرض . قال أبو مسلم : حقيقة المخبت من صار في خبت من الأرض تقول : أخبت الرجل إذا صار في الخبت كما يقال : أنجد وأَتْهَمَ وأشَأم . وقال الكلبي : هم الرقيقة قلوبهم . وقال عمرو بن أوس : هم الذين لا يظلمون وإذا ظُلِموا لم ينتصروا . قوله : { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } . يجوز أن يكون هذا الموصول في موضع جر أو نصب أو رفع ، فالجر من ثلاثة أوجه : النعت للمخبتين ، أو البدل منهم ، أو البيان لهم . والنصب على المدح . والرفع على إضمارهم وهو مدح أيضاً ، ويسميه النحويون قطعاً . والمعنى : إذا ذكر الله ظهر عليهم الخوف من عقاب الله والخشوع والتواضع لله ، والصابرين على ما أصابهم من البلايا والمصائب من قبل الله ، لأنه الذي يجب الصبر عليه كالأمراض والمحن ، فأما ما يصيبهم من قبل الظَّلَمة فالصبر عليه غير واجب بل لو أمكنه دفع ذلك لزمه الدفع ولو بالمقاتلة . قوله : " والمُقِيْمي الصَّلاَةِ " في أوقاتها . والعامة على خفض " الصَّلاَة " بإضافة المقيمين إليها . وقرأ الحسن وأبو عمرو في رواية بنصبها على حذف النون تخفيفاً كما تحذف النون لالتقاء الساكنين . وقرأ ابن مسعود والأعمش بهذا الأصل " والمُقِيْمِينَ الصَّلاة " بإثبات النون ونصب الصلاة . وقرأ الضحاك : " والمُقِيْم الصَّلاَة " بميم ليس بعدها شيء . وهذه لا تخالف قراءة العامة لفظاً وإنما يظهر مخالفتها لها وقفاً وخطاً . ثم قال : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } أي : يتصدقون فهم خائفون خاشعون متواضعون لله مشتغلون بخدمة ربهم بالبدن والنفس والمال .