Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 36-37)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } الآية . العامة على نصب " البُدْنَ " على الاشتغال ، ورجح النصب وإن كان محوجاً للإضمار على الرفع الذي لم يحوج إليه ، لتقدم جملة فعلية على جملة الاشتغال وقرئ برفعها على الابتداء والجملة بعدها الخبر والعامة أيضاً على تسكين الدال . وقرأ الحسن ويروى عن نافع وشيخه أبي جعفر بضمها ، وهما جمعان لبدنة نحو ثَمَرة وثُمُر وثُمْر ، فالتسكين يحتمل أن يكون تخفيفاً من المضموم وأن يكون أصلاً وقيل : البُدُن والبُدْن جمع بَدَن ، والبَدَن جمع بَدَنَة نحو خشبة وخشب ثم يجمع خشباً على خُشْب وخُشُب . وقيل : البُدْن اسم مفرد لا جمع يعنون اسم الجنس . وقرأ ابن أبي إسحاق : " البُدُنّ " بضم الباء والدال وتشديد النون وهي تحتمل وجهين : أحدهما : أنه قرأ كالحسن فوقف على الكلمة وضعف لامها ، كقولهم : هذا فرج ثم أجري الوصل مجرى الوقف في ذلك ويحتمل أن يكون اسماً على فُعُلّ كعُتُلّ . وسميت البدنة بدنة ، لأنها تبدن أي تسمن . وهل تختص بالإبل ؟ الجمهور على ذلك ، قال الزمخشري : والبدن جمع بدنة سميت لعظم بدنها وهي الإبل خاصة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألحق البقر بالإبل حين قال : " البَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ، والبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ " فجعل البقر في حكم الإبل ، فصارت البدنة متناولة في الشريعة للجنسين عند أبي حنيفة وأصحابه ، وإلا فالبدن هي الإبل ، وعليه تدل الآية . وقيل : لا تختص بالإبل ، فقال الليث : البدنة بالهاء تقع على الناقة والبقرة والبعير ، وما يجوز في الهدي والأضاحي ، ولا تقع على الشاة . وقال عطاء وغيره : ما أشعر من ناقة أو بقرة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن البقر فقال : " وهَلْ هِيَ إِلاَ مِنَ البُدْن " ( وقيل : البدن يراد به العظيم السن من الإبل والبقر ) . ونقل النووي في تحرير ألفاظ التنبيه عن الأزهري أنه قال : البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم . ويقال للسمين من الرجال ، وهو اسم جنس مفرد . قوله : { مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } هو المفعول الثاني للجعل بمعنى التصيير . وقوله : { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } الجملة حال من هاء " جَعَلْنَاهَا " ، وإما من " شَعَائِرِ اللَّهِ " وهذان مبنيان على أن الضمير في " فِيْهَا " هل هو عائد على " البُدْن " أو على " شعائر الله " ، والأول قول الجمهور . قوله : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ } . نصب " صَوَافَّ " على الحال ، أي مصطفة جنب بعضها إلى بعض . وقرأ أبو موسى الأشعري والحسن ومجاهد وزيد بن أسلم " صَوَافِي " جمع صافية ، أي : خالصة لوجه الله تعالى . وقرأ عمرو بن عبيد كذلك إلا أنه نون الياء فقرأ " صَوَافِياً " . واستشكلت من حيث إنه جمع متناه ، وخرجت على وجهين : أحدهما : ذكره الزمخشري : وهو أن يكون التنوين عوضاً من حرف الإطلاق عند الوقف ، يعني أنه وقف على " صَوافِي " بإشباع فتحة الياء فتولد منها ألف ، يسمى حرف الإطلاق ، ثم عوض عنه هذا التنوين ، وهو الذي يسميه النحويون تنوين الترنم . والثاني : أنه جاء على لغة من يصرف ما لا ينصرف . وقرأ الحسن " صَوَافٍ " بالكسر والتنوين ، وجهها أنه نصبها بفتحة مقدرة فصار حكم هذه الكلمة كحكمها حالة الرفع والجر في حذف الياء وتعويض التنوين نحو هؤلاء جوار ، ومررت بجوار وتقدير الفتحة في الياء كثير كقولهم : @ 3765 - أَعْطِ القَوْسَ بَارِيْهَا @@ وقوله : @ 3766 - كَأَنَّ أَيْدِيْهِنَّ بِالقَاعِ القَرِقْ أَيْدِي جَوَارٍ يَتَعَاطَيْنَ الوَرِقْ @@ وقول الآخر : @ 3767 - وَكَسَوْتُ عَارٍ لَحْمَه @@ ويدل على هذه قراءة بعضهم " صَوَافِيْ " بياء ساكنة من غير تنوين نحو رأيت القاضي يا فتى . بسكون الياء . ويجوز أن يكون سكن الياء في هذه القراءة للوقف ثم أجرى الوصل مجراه . وقرأ العبادلة ومجاهد والأعمش " صَوَافِنَ " بالنون جمع صافنة ، وهي التي تقوم على ثلاثة وطرف الرابعة أي : على طرف سنبكه ، لأن البدنة تعلق إحدى يديها ، فتقوم على ثلاثة إلا أن الصوافن إنما يستعمل في الخيل كقوله : " الصَّافِنَاتُ الجِيَاد " كما سيأتي ، فيكون استعماله في الإبل استعارة . فصل سميت البدنة بدنة لعظمها يريد الإبل العظام الصحاح الأجسام ، يقال : بَدَنَ الرجل بُدْناً وبَدَانَةً : إذا ضَخُم ، فأما إذا أسن واسترخى يقال : بَدَّنَ تَبْدِيْناً . { جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } أي : من أعلام دينه ، سميت شعائر ، لأنها تشعر ، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هَدْي . { لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } النفع في الدنيا والأجر في العقبى . { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } عند نحرها " صَوَافَّ " أي قياماً على ثلاث قوائم قد صفت رجليها وإحدى يديها ويدها اليسرى معقولة فينحرها كذلك لما روى زياد بن جبير قال : رأيت ابن عمر أتى على رجل قد أناخ بدنة ينحرها فقال : ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال مجاهد : الصواف إذا علقت رجلها اليسرى وقامت على ثلاث . قال المفسرون : قوله : { فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا } فيه حذف أي اذكروا اسم الله على نحرها ، وهو أن يقال عند النحر : باسم الله والله أكبر ولا إله إلا الله والله أكبر اللهم منك وإليك . والحكمة في اصطفافها ظهور كثرتها للناظر فتقوى نفوس المحتاجين ، ويكون التقرب بنحرها عند ذلك أعظم أجراً ، وإعلاء اسم الله وشعائر دينه . فصل إذا قال : لله عليَّ بدنة ، هل يجوز نحرها في غير مكة ؟ قال أبو حنيفة ومحمد يجوز وقال أبو يوسف : لا يجوز إلا بمكة . واتفقوا في من نذر هدياً أن عليه ذبحه بمكة . ومن قال : لله عليَّ جزور أنه يذبحه حيث شاء . وقال أبو حنيفة : البدنة بمنزلة الجزور ، فوحب أن يجوز له نحرها حيث يشاء ، بخلاف الهدي فإنه قال : { هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [ المائدة : 95 ] فجعل بلوغ الكعبة من صفة الهدي . واحتج أبو يوسف بقوله : { وَٱلْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ } فكان اسم البدنة يفيد كونها قربة فكان كاسم الهدي . وأجاب أبو حنيفة بأنه ليس كل ما كان ذبحه قربة اختص بالحرم ، فإن الأضحية قربة وهي جائزة في سائر الأماكن . قوله : { فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا } أي سقطت بعد النحر فوقعت جنوبها على الأرض . وأصل الوجوب السقوط ، يقال : وجبت الشمس إذا سقطت للمغيب ، ووجب الجدار : أي سقط ، ومنه الواجب الشرعي كأنه وقع علينا ولزمنا . قال أوس بن حجر : @ 3768 - أَلَمْ تُكْسَفِ الشَّمْسِ شَمْسُ النَّهَا ر والبَدْرُ لِلْجَبَلِ الوَاجِبِ @@ قوله : { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } أمر إباحة { وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ وَٱلْمُعْتَرَّ } اختلفوا في معناهما ، فقال عكرمة وإبراهيم وقتادة : القانع الجالس في بيته المتعفف يقنع بما يعطى ولا يسأل . والمعتر الذي يسأل . قال الأزهري : قال ابن الأعرابي : يقال : عَرَوْتُ فلاناً وأعْتَرَيْتُه وعَرَرْتَه واعْتَرَرْته : إذا أتيته تطلب معروفه ونحوه . قال أبو عبيدة : روى العوفي عن ابن عباس : القانع الذي لا يتعرض ولا يسأل ، والمعتر الذي يريك نفسه ويتعرض ولا يسأل . فعلى هذين التأويلين يكون القانع من القناعة ، يقال : قَنِعَ قَنَاعَةً : إذا رضي بما قسم له . وقال سعيد بن جبير والحسن والكلبي : القانع الذي يسأل ، والمعتر الذي يتعرض ولا يسأل . وقيل : القانع الراضي بالشيء اليسير من قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً فهو قانع . والقنع بغير ألف هو السائل . ذكره أبو البقاء . وقال الزمخشري القانع السائل من قَنَعْتُ وكَنَعْتُ إذا خضعت له وسألته قنوعاً ، والمُعتَرّ : المتعرض بغير سؤال أو القانع الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال من قَنِعْتُ قَنَعاً وقَنَاعَةً ، والمعتر المتعرض للسؤال . انتهى . وفرق بعضهم بين المعنيين بالمصدر فقال : " قَنَعَ يَقْنَع قُنُوعاً " أي : سأل ، وقناعةً أي : تعفف ببلغته واستغنى به ، وأنشد للشماخ : @ 3769 - لَمَالُ المَرْءِ يُصْلِحه فيُغْنِي مَفَاقِرهُ أَعَفُّ مِنَ القُنُوْعِ @@ وقال ابن قتيبة : المعتر المتعرض من غير سؤال ، يقال : عَرّهُ واعْتَرّهُ وَعَرَاهُ واعْتَرَاهُ أي : أتاه طالباً معروفه ، قال : @ 3770 - لَعَمْرُكَ مَا المُعْتَرُّ يَغْشَى بِلاَدَنَا لِنَمْنَعَهِ بِالضَّائِعِ المُتَهَضِّمِ @@ وقول الآخر : @ 3771 - سَلِي الطَّارِقَ المُعْتَرَّ يا أُمَّ مَالِكٍ إِذَا ما اعْتَرَانِي بَيْنَ قِدْرِي وَمَجزَرِي @@ وقرأ أبو رجاء : " القَنِعَ " دون ألف ، وفيها وجهان : أحدهما : أن أصلها القانع فحذف الألف كما قالوا : مِقْوَل ، ومِخْيَط وجَنَدِل وعُلَبِط في مِقْوَال ، ومِخْيَاط ، وجَنَادِل ، وعُلاَبِط . والثاني : أن القانع هو الراضي باليسير ، والقَنِع السائل كما تقدم تقريره . قال الزمخشري : والقنع الراضي لا غير . وقرأ الحسن : " والمُعْتَرِي " اسم فاعل من اعْتَرَى يَعْتَرِي وقرأ إسماعيل ويروى عن أبي رجاء والحسن أيضاً " والمُعْتَرِ " بكسر الراء اجتزاء بالكسر عن لام الكلمة . وقرئ " المُعْتَرِي " بفتح التاء ، قال أبو البقاء : وهو في معناه أي : في معنى " المُعْتَر " في قراءة العامة . قال بعضهم : والأقرب أن القانع هو الراضي بما يدفع إليه من غير سؤال وإلحاح ، والمعتر : هو الذي يعترض ويطالب ويعتريهم حالاً بعد حال فيفعل ما يدل على أنه لا يقنع بما يدفع إليه أبداً . وقال ابن زيد : القانع المسكين ، والمعتر الذي ليس بمسكين ، ولا يكون له ذبيحة ، ويجيء إلى القوم فيتعرض لهم لأجل لحمهم . قوله : " كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا " . الكاف نعت مصدر أو حال من ذلك المصدر ، أي مثل وصفنا ما وصفنا من نحرها قياماً سخرناها لكم نعمة منا لتتمكنوا من نحرها . " لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون " لكي تشكروا إنعام الله عليكم . قوله : { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا } العامة على القراءة بياء الغيبة في الفعلين ، لأن التأنيث مجازي ، وقد وجد الفصل بينهما . وقرأ يعقوب بالتاء فيهما اعتباراً باللفظ . وقرأ زيد بن عليّ { لُحُومَهَا وَلاَ دِمَاءَها } بالنصب والجلالة بالرفع ، " وَلكِنْ يُنَالُهُ " بضم الياء على أن القائم مقام الفاعل " التَّقْوَى " . و " مِنْكُم " حال من التقوى ، ويجوز أن يتعلق بنفس " يناله " . فصل لما كانت عادة الجاهلية إذا نحروا البدن لطخوا الكعبة بدمائها قربة إلى الله عزَّ وجلَّ فأنزل الله هذه الآية { لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا } . قال مقاتل : لن يرفع إلى الله لحومها ولا دماؤها . { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } أي ولكن يرفع إليه منكم الأعمال الصالحة ، وهي التقوى والإخلاص وما أريد به وجه الله . فصل قالت المعتزلة : دلَّت هذه الآية على أمور : أحدها : أن الذي ينتفع به فعله دون الجسم الذي ينحره . وثانيها : أنه سبحانه غني عن كل ذلك وإنما المراد أن يجتهد العبد في امتثال أمره . وثالثها : أنه لما لم ينتفع بالأجسام التي هي اللحوم والدماء وانتفع بتقواه ، وجب أن يكون تقواه فعلاً له ، وإلا كان تقواه بمنزلة اللحوم . ورابعها : أنه لما شرط القبول بالتقوى ، وصاحب الكبيرة غير مُتَّقٍ ، فوجب أن لا يكون عمله مقبولاً وأنه لا ثواب له . والجواب : أما الأولان فحقان ، وأما الثالث فمعارض بالداعي والعلم . وأما الرابع : فصاحب الكبيرة وإن لم يكن متقياً مطلقاً ، ولكنه مُتَّقٍ فيما أتى به من الطاعة على سبيل الإخلاص ، فوجب أن تكون طاعته مقبولة ، وعند هذا تنقلب الآية حجة عليهم . قوله : " كَذَلِكَ سَخَّرهَا " الكاف نعت مصدر أو حال من ذلك المصدر " وَلِتُكَبِّرُوا " متعلق به أي إنما سخرها كذلك لتكبروا الله ، وهو التعظيم بما يفعله عند النحر وقبله وبعده . و { عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ } متعلق بالتكبير ، عُدِّي بعلى لتضمنه معنى الشكر على ما هداكم أرشدكم لمعالم دينه ومناسك حجه ، وهو أن يقول : الله أكبر ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا وأولانا ، ثم قال بعده على سبيل الوعد لمن امتثل أمره " وَبَشِّر المُحْسِنِيْن " كما قال من قبل " وَبَشِّر المُخْبِتِيْن " قال ابن عباس : المحسنين الموحدين . والمحسن الذي يفعل الحسن من الأعمال فيصير محسناً إلى نفسه بتوفير الثواب عليه .