Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 73-74)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } الآية لما بين أنهم يعبدون من دون الله ما لا حجة لهم به ولا علم ذكر هاهنا ما يدل على إبطال قولهم . قوله : " ضُرِبَ مَثَلٌ " قال الأخفش : ليس هذا مثل وإنما المعنى جعل الكفارُ لله مثلاً . قال الزمخشري : فإن قلت : الذي جاء به ليس مثلاً ، فكيف سماه مثلاً ؟ قلت قد سميت الصفة والقصة الرائعة المتلقاة بالامتحان والاستغراب مثلاً تشبيهاً لها ببعض الأمثال المسيرة لكونها مستغربة مستحسنة . وقيل : معنى " ضَرَبَ " جعل ، كقولهم : ضَرَبَ السلطان البَعْثَ ، وضرب الجِزْيَة على أهل الذمة . ومعنى الآية : فجعل لي شَبَهٌ وشُبِّه بي الأوثان ، أي : جعل المشركون الأصنام شركائي فعبدوها . وقيل : هو مثل من حيث المعنى ، لأنه ضرب مثل من يعبد الأصنام بمن يعبد ما لا يخلق ذباباً . " فَاسْتَمِعُوا لَه " أي : فتدبروه حق تدبره لأن نفس السماع لا ينفع ، وإنما ينفع بالتدبر . قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ } قرأ العامة " تَدْعُونَ " بتاء الخطاب والحسن ويعقوب وهارون ومحبوب عن أبي عمرو بالياء من تحت وهو في كلتيهما مبني للفاعل . وموسى الأسواري واليماني " يُدْعَوْنَ " بالياء من أسفل مبنياً للمفعول . والمراد الأصنام . فإن قيل : قول " ضُرِبَ " يفيد فيما مضى ، والله تعالى هو المتكلم بهذا الكلام ابتداء فالجواب : إذا كان ما يورد من الوصف معلوماً من قبل جاز ذلك فيه ، ويكون ذكره بمنزلة إعادة أمر تقدم . قوله : " لَنْ يَخْلُقُوا " . جعل الزمخشري نفي " لَنْ " للتأبيد وتقدم البحث معه في ذلك . والذباب معروف ، وهو واحد ، وجمعه القليل : أذِبَّه ، وفيه الكسرة ، ويجمع على ذِبَّان وذُبَّان بكسر الذال وضمها وعلى ذُبّ . والمِذَبَّة ما يطرد بها الذباب . وهو اسم جنس واحدته ذبابة تقع للمذكر والمؤنث فتفرد بالوصف . قوله : { وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ } قال الزمخشري : نصب على الحال كأنه قال يستحيل خلقهم الذباب حال اجتماعهم لخلقه وتعاونهم عليه فكيف حال انفرادهم . وقد تقدم أن هذه الواو عاطفة هذه الجملة الحالية على حال محذوفة ، أي : انتفى خلقهم الذباب على كل حال ولو في هذه الحالة المقتضية لخلقهم ، فكأنه تعالى قال : إن هذه الأصنام لو اجتمعت لا تقدر على خلق ذبابة على ضعفها فكيف يليق بالعاقل جعلها معبوداً . قوله : { وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً } السلب اختطاف الشيء بسرعة ، يقال : سلبه نعمته . والسلب : ما على القتيل ، وفي الحديث : " مَنْ قَتَل قَتِيلاً فَلَهُ سَلَبه " . وقوله : { لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ } الاستنقاذ : استفعال بمعنى الإفعال ، يقال : أنقذه من كربته ، أي : أنجاه منه وخلصه ، ومثله : أَبَلَّ المريض واسْتَبَلّ . فصل كأنه تعالى قال : أترُكُ أمر الخلق والإيجاد وأتكلمُ فيما هو أسهل منه ، فإن الذباب إذا سَلَبَ منها شيئاً فهي لا تقدر على استنقاذ ذلك الشيء من الذباب . واعلم أن الدلالة الأولى صالحة لأن يتمسك بها في نفي كون المسيح والملائكة آلهة ، وأما الثانية فلا . فإن قيل : هذا الاستدلال إما أن يكون لنفي كون الأوثان خالقة عالمة حية مدبرة ، وإما لنفي كونها مستحقة للتعظيم ، والأول فاسد ، لأن نفي كونها كذلك معلوم بالضرورة ، فلا فائدة في إقامة الدلالة عليه . وأما الثاني فهذه الدلالة لا تفيده ، لأنه لا يلزم من نفي كونها حيّة أن لا تكون معظمة ، فإن جهات التعظيم مختلفة ، فالقوم كانوا يعتقدون فيها أنها طلسمات موضوعة على صور الكواكب ، أو أنها تماثيل الملائكة والأنبياء المتقدمين . فالجواب : أما كونها طلسمات موضوعة على الكواكب بحيث يحصل منها الضر والنفع ، فهو يبطل بهذه الدلالة ، فإنها لم تنفع نفسها في هذا القدر وهو تخليص النفس عن الذبابة فلأن لا تنفع غيرها أولى . وأما أنها تماثيل الملائكة والأنبياء المتقدمين ، فقد تقرر في العقل أنَّ تعظيمَ غير الله ينبغي أن يكون أقل من تعظيم الله ، والقوم كانوا يعظمونها نهاية التعظيم ، وحينئذ كان يلزم التسوية بينها وبين الخالق سبحانه في التعظيم ، فمن هاهنا استوجبوا الذم . فصل قال ابن عباس : كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ، فإذا جفَّ جاءت الذباب فاستلبته وقال السدي : كانوا يضعون الطعام بين يدي الأصنام فيقع الذباب عليه فيأكلن منه . وقال ابن زيد : كانوا يحلون الأصنام باليواقيت واللآلئ وأنواع الجواهر ، ويطيبونها بأنواع الطيب ، فربما يسقط منها واحدة فأخذها طائر وذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها { ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } قيل : هو إخبار . وقيل : تعجب . والأول أظهر . قال ابن عباس : الطالب الذباب يطلب ما يسلب من الطيب عن الصنم ، والمطلوب الصنم يطلب الذباب منه السلب . وقيل : العكس الطالب الصنم والمطلوب الذباب ، فالصنم كالطالب لأنه لو طلب أن يخلقه ويستنقذ منه ما استلبه لعجز عنه ، والذباب بمنزلة المطلوب . وقال الضحاك : الطالب العابد والمطلوب المعبود ، لأن كون الصنم طالباً ليس حقيقة بل على سبيل التقدير . وقيل : المعنى ضعف أي ظهر قبح هذا المذهب كما يقال عند المناظرة : ما أضعف هذا المذهب ، وما أضعف هذا الوجه . قوله : { ما قدروا الله حق قدره } أي : ما عظموه حق تعظيمه ، حيث جعلوا هذه الأصنام على نهاية خساستها شركاء له في المعبودية . { إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } : " قويّ " لا يتعذر عليه فعل شيء " عزيز " لا يقدر أحد على مغالبته ، فأي حاجة إلى القول بالشريك . قال الكلبي : في هذه الآية وفي نظيرها في سورة الأنعام : أنها نزلت في مالك ابن الصيف وكعب بن الأشرف ، وكعب بن أسد ، وغيرهم من اليهود ، حيث قالوا : إن الله تعالى لما فرغ من خلق السموات والأرض أعيا من خلقها ، فاستلقى واستراح ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى ، فنزلت هذه الآية تكذيباً لهم ، ونزل قوله : { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ ق : 38 ] .