Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 75-76)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلاً } الآية لما ذكر ما يتعلق بالإلهيات ذكر هاهنا ما يتعلق بالنبوات . قال بعضهم : [ تقدير الكلام : ومن الناس رسلاً . ولا حاجة لذلك ، بل قوله " ومن الناس " مقدَّر التقديم ، أي : يصطفي من الملائكة ومن الناس رسلاً ] . قال مقاتل : قال الوليد بن المغيرة { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا } [ ص : 8 ] فأنزل الله هذه الآية فإن قيل : كلمة " من " للتبعيض ، فقوله " من الملائكة " يقتضي أن يكون الرسل بعضهم لا كلهم ، وقوله : { جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً } [ فاطر : 1 ] يقتضي كون كلهم رسلاً ، فكيف الجمع ؟ فالجواب : يجوز أن يكون المذكور ههنا من كان رسلاً إلى بني آدم ، وهم أكابر الملائكة كجبريل وميكائيل وإسرافيل ، والحفظة صلوات الله عليهم ، وأما كل الملائكة فبعضهم رسل إلى البعض . فإن قيل : قوله في سورة الزمر { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ } [ الزمر : 4 ] فدل على أن ولده يجب أن يكون مصطفى ، وهذه الآية تدل على أن بعض الملائكة وبعض الناس من المصطفين ، فلزم بمجموع الآيتين إثبات الولد . فالجواب : أن قوله : { لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ } [ الزمر : 4 ] يدل على أن كل ولد مصطفى ولا يدل على أن كل مصطفى ولد ، فلا يلزم من دلالة هذه الآية على وجود مصطفى كونه ولداً . وأيضاً فالمراد من هذه الآية تبكيت من عبد غير الله من الملائكة ، كأنه سبحانه أبطل في الآية الأولى قول عبدة الأوثان ، وفي هذه الآية أبطل قول عبدة الملائكة ، فبين أن علو درجة الملائكة ليس لكونهم آلهة لأن الله اصطفاهم لمكان عبادتهم ، فكأنه تعالى بيَّن أنهم { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } [ الحج : 74 ] إذ جعلوا الملائكة معبودة مع الله . ثم بين تعالى : بقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } أنه يسمع ما يقولون ، ويرى ما يفعلون ولذلك أتبعه بقوله تعالى : { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } . قال ابن عباس : ما قدموا وما خلفوا وقال الحسن : { مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } ما عملوا ، " وَمَا خَلْفَهُم " ما هم عاملون من بعد . ثم قال : { وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } إشارة إلى القدرة التامة ، والتفرد بالإلهية والحكم ، ومجموعهما يتضمن نهاية الزجر عن الإقدام على المعصية .