Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 10-14)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } الآية وهذا هو الجواب الثاني عن تلك الشبهة ، أي : تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ الذي قالوا ، وأفضل من الكنز والبستان الذي ذكروا ، أي : أنه قادر على أن يعطي الرسول كل ما ذكروه ، ولكنه تعالى يعطي عباده بحسب المصالح ، أو على وفق المشيئة ، ولا اعتراض لأحد عليه في شيء من أفعاله . قال ابن عباس : { خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } أي : مما عيَّروك بفقد الجنة الواحدة ، وهو سبحانه قادر على أن يعطيك جنات كثيرة . وقال في رواية عكرمة : { خَيْراً مِّن ذٰلِكَ } أي : من المشي في الأسواق وابتغاء المعاش . وقوله : " إِنْ شَاءَ " معناه : أنه تعالى قادرٌ على ذلك لا أنه شاكٌّ ، لأن الشك لا يجوز على الله تعالى . وقيل : " إِنْ " ههنا بمعنى ( قَدْ ) ، أي : قد جعلنا لك في الآخرة جنات ومساكن ، وإنما أدخل ( إن ) تنبيهاً للعبادة على أنه لا ينال ذلك إلا برحمته ، وأنه معلق على محض مشيئته ، وليس لأحد من العباد حق على الله لا في الدنيا ولا في الآخرة . قوله : " جَنَّاتٍ " . يجوز أن يكون بدلاً من " خَيْراً " وأن يكون عطف بيان لذلك الخير عند من يجوزه في النكرات ، وأن يكون منصوباً بإضمار أعني . و { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } صفة . قوله : " وَيَجْعَل لَكَ " قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع " يَجْعَلُ " ، والباقون بإدغام لام " يَجْعَل " في لام " لك " وأما الرفع ففيه وجهان : أحدهما : أنه مستأنف . والثاني : أنه معطوف على جواب الشرط . قال الزمخشري : لأن الشرط إذا وقع ماضياً جاز في جوابه الجزم والرفع ، كقوله : @ 3863 - وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْأَلَةٍ يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ @@ قال الزمخشري : وليس هذا مذهب سيبويه بل مذهبه أن الجواب محذوف ، وأن هذا المضارع مَنْوِيٌّ به التقديم ، ومذهب المبرد والكوفيين أنه جواب على حذف الفاء ، ومذهب آخرين أنه جواب لا على حذفها بل لما كان الشرط ماضياً ضعف تأثير ( إن ) فارتفع . فالزمخشري بنى قوله على هذين المذهبين . ثم قال أبو حيان : وهذا التركيب جائز فصيح ، وزعم بعض أصحابنا أنه لا يجيء إلا في ضرورة . وأما القراءة الثانية فتحتمل وجهين : أحدهما : أن سكون اللام للجزم عطفاً على محل ( جعل ) ؛ لأنه جواب الشرط . والثاني : أنه مرفوع ، وإنما سكن لأجل الإدغام . قاله الزمخشري وغيره . وفيه نظر من حيث إن من جملة من قرأ بذلك وهو نافع والأخوان وحفص ليس من أصولهم الإدغام حتى يدعى لهم في هذا المكان . نعم أبو عمرو أصله الإدغام وهو يقر هنا بسكون اللام فيحتمل ذلك على قراءته ، وهذا من محاسن علم النحو والقراءات معاً وقال الواحدي : وبين القراءتين فرق في المعنى ، فمن جزم فالمعنى : إن شاء يجعل لك قصوراً في الدنيا ، ولا يحسن الوقف على " الأَنْهَارُ " ومن رفع حسن الوقف ( على " الأَنْهَار " ) واستأنف { وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً } في الآخرة . وقرأ ابن سليمان وطلحة بن سليمان " وَيَجْعَلَ " بالنصب ، وذلك بإضمار أن على جواب الشرط ، واستضعفها ابن جنيّ ، ومثل هذه القراءة قوله : @ 3864 - فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ رَبيعُ النَّاسِ والبَلَدُ الحَرَامُ وَنَأْخُذ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ أَجَبَّ الظَّهْرِ لَيْسَ لَهُ سَنَامُ @@ بالتثليث في ( نأخذ ) . فصل القصور جماعة القصر ، وهو المسكن الرفيع . قال المفسرون : القصور هي البيوت المشيدة ، والعرب تسمي كل بيت مشيد قصراً . ويحتمل أن يكون لكل جنة قصر فيكون مسكناً ومنتزهاً ، ويجوز أن يكون القصور مجموعة والجنات مجموعة . وقال مجاهد : " إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ جَنَّاتٍ " في الآخرة وقصوراً في الدنيا . روي أنه - عليه السلام - قال : " عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكة ذَهَباً ، فقلتُ : لا يَا رَبِّ ، وَلكِنْ أَشْبَعُ يَوْماً وأَجُوعُ يَوْماً - أَوْ قال ثَلاثاً ، أَوْ نَحْوَ هَذَا - فإِذا جعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَدَعَوْتُكَ ، وإذا شَبِعْتُ حَمِدْتُكَ وشَكَرْتُكَ " وروت عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو شئتُ لسارت معي جبالُ الذهب جاءني ملكٌ فقال : إنَّ ربك يقرأ عليك السلام ويقول إِنْ شِئْتَ كنت نبياً عبداً ، وإن شئْتَ نبياً مَلكاً ، فنظرت إلى جبريل - عليه السلام - فأشار إليَّ أَنْ ضَعْ نَفْسَكَ ، فقلت : نبياً عبداً قالت : وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك لا يأكل متكئاً ، ويقول : آكل كما يَأْكُلُ العبدُ وأجلس كما يجلس العبد وعن ابن عباس قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وجبريل - عليه السلام - معه فقال جبريل : " هذا مَلَكٌ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ استأْذَنَ رَبَّهُ فِي زِيَارَتك " فلم يلبث إلا قليلاً حتى جاءَ المَلَكُ وسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : " إِنَّ اللَّهَ يُخيركَ أَنْ يُعْطِيكَ مفاتيحَ كلِّ شيءٍ لَمْ يُعْطَ أحد قبلك ولا يعطيه أحداً بعدك من غير أن ينقصك مما أداك شيئاً " فقال عليه السلام : بل يجمعهما لي جميعاً في الآخرة " فنزل { تَبَارَكَ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ } الآية . قوله تعالى : { بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ } أي : بالقيامة ، فلا يرجون ثواباً ولا عقاباً فلا يتكلفون النظر والفكر ولهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل . { وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً } . قال أبو مسلم : " أَعْتَدْنَا " أي : جعلناها عتيداً ومعدة لهم ، والسعير : النار الشديدة الاستعار ، وعن الحسن : أنه اسم جهنم . فصل احتج أهل السنة على أن الجنة مخلوقة بقوله تعالى : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133 ] وعلى أن النار التي هي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية . قال الجبائي : يحتمل في قوله : " وَأَعْتَدْنَا " أن المراد منه نار الدنيا ، وبها نعذب الكفار والفساق في قبورهم ، ويحتمل نار الآخرة ، ويكون المعنى : " وأَعْتَدْنَا " أي : سنعدّها ، كقوله تعالى : { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } [ الأعراف : 44 ] . وهذا جواب ساقط ، لأن المراد من السعير إما نار الدنيا ، أو نار الآخرة ، فإن كان الأول فإما أن يكون المراد أنه تعالى يعذبهم في الدنيا بنار الدنيا ، أو يعذبهم في الآخرة بنار الدنيا . والأول باطل ، لأنه تعالى ما عذبهم بالنار في الدنيا ، والثاني - أيضاً - باطل ؛ لأنه لم يقل أحد من الأمة إنه تعالى يعذب الكفرة في الآخرة بنيران الدنيا . فثبت أن المراد نار الآخرة وأنها معدة . وأما حمل الآية على أن الله تعالى سيجعلها معدة فترك للظاهر من غير دليل . قوله : " إِذَا رَأَتْهُمْ " هذه الجملة الشرطية في موضع نصب صفة لـ " سَعِيراً " ، لأنه مؤنث بمعنى النار . قوله : { سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً } فإن قيل : التَّغَيُّظُ لا يُسمع . فالجواب من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه على حذف مضاف ، أي : صوت تغيظها . والثاني : أنه على حذف تقديره : سمعوا ورأوا تغيظاً وزفيراً ، فيرجع كل واحد إلى ما يليق به ، أي : رأوا تغيظاً وسمعوا زفيراً . والثالث : أن يضمن " سَمِعُوا " معنى يشمل الشيئين ، أي : أدركوا لها تغيظاً وزفيراً . وهذان الوجهان الأخيران منقولان من قوله : @ 3865 - وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ في الوَغَى مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحَا @@ ومن قوله : @ 3866 - عَلَفْتُهَا تِبْناً وَمَاءً بَارداً @@ أي : ومعتقلاً رمحاً ، وسقيتها ماء ، أو يُضَمَّن ( مُتَقَلِّداً ) معنى متسلحاً ، و ( علفتها ) معنى أطعمتها تبناً وماءً بارداً . فصل معنى { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } . قال الكلبي والسديّ من مسيرة عام . وقيل : من مسيرة مائة سنة . روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " مَنْ كَذَب علَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأ بَيْنَ عَيْنَي جهنمَ مَقْعَداً " قالوا : وهل لها من عينين ؟ قال : نعم ألم تسمع قول الله - عزَّ وجلَّ - { إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ } " . وقيل : إذا رأتهم زبانيتها . قال الجبائي : إن الله تعالى ذكر النار وأراد الخزنة الموكلين بتعذيب أهل النار ، لأن الرؤية تصح منهم ولا تصح من النار ، فهو كقوله { وَاسْأَلِ القَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] وأراد أهلها . قوله : { وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً } . " مَكَاناً " منصوب على الظرف ، و " منها " في محل نصب على الحال من " مكاناً " . لأنه في الأصل صفة له . و " مُقَرَّنينَ " حال من مفعول " أُلْقُوا " ، و " ثُبُوراً " مفعول به ، فيقولون : واثبوراه ، ويجوز أن يكون مصدراً من معنى " دعوا " ، وقيل : منصوب بفعل من لفظه مقدر تقديره ثبرنا ثبوراً . وقرأ معاذ بن جبل " مُقَرَّنُونَ " بالواو ، ووجهها أن تكون بدلاً من مفعول " أُلْقُوا " وقرأ عمرو بن محمد " ثَبُوراً " بفتح الثاء ، والمصادر التي على ( فعول ) بالفتح قليلة جداً ، وينبغي أن يضم هذا إليها ، وهي مذكورة في البقرة عند قوله { وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ } [ البقرة : 24 ] . فصل قال ابن عباس : يُضَيق جهنم عليهم كما يضيق الزج على الرمح ، وهو منقول أيضاً عن ابن عمر . وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : " إِنَّهُمْ يُسْتَكْرَهُونَ في النار كما يُسْتَكْرَه الوتد في الحائط " . قال الكلبي : الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يخفضهم الداخلون فيزدحمون في تلك الأبواب . قال الزمخشري : الكرب مع الضيق كما أن الفرج مع السعة ، ولذلك وصف الجنة بأن عرضها السموات والأرض . وقوله : " مُقَرَّنِينَ " ( أي : مصفدين قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال . وقيل : مقرنين ) مع الشياطين في السلاسل ، كل كافر مع شيطان ، فعندما يشاهدون هذا العذاب دعوا بالويل والثبور . قال ابن عباس : يقولون : ويلاً . وقال الضحاك : هلاكاً . فيقولون : واثبوراه فهذا حينك وزمانك ، فيقال لهم : { لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً } أي : هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة فادعوا أدعية كثيرة . قال الكلبي : نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبهات .