Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 15-16)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَذٰلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ } الآية . لما وصف العقاب المعد للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة فقال : " أَذَلِكَ خَيْرٌ " . فإن قيل : كيف يقال : العذاب خير أم جنة الخلد ؟ وهل يجوز أن يقول العاقل : السكر أحلى أم الصبر ؟ فالجواب : هذا يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالاً فتمرد وأبى واستكبر فضربه ويقول له : أهذا خير أم ذلك ؟ فصل قال أبو مسلم : جنة الخلد : هي التي لا ينقطع نعيمها ، والخلد والخلود سواء كالشكر والشكور ، قال تعالى : { لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } [ الإنسان : 9 ] . فإن قيل : الجنة اسم لدار مخلدة ، فأي فائدة في قوله : " جَنَّةُ الخُلْدِ " ؟ فالجواب : الإضافة قد تكون للتبيين ، وقد تكون لبيان صفات الكمال ، كقوله تعالى : { ٱلْخَالِقُ ٱلْبَارِئ } [ الحشر : 24 ] وهذا من هذا الباب . فصل احتج المعتزلة بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين : الأول : اسم الجزاء لا يتناول إلا المستحق ، فأما الموعود بمحض التفضيل فلا يسمى جزاء . والثاني : لو كان المراد بالجزاء ما صرتُم إليه بمجرد الوعد فلا يبقى بين قوله : " جَزَاءً " وبين قوله : " مَصِيراً " تفاوت ، فيصير ذلك تكريراً من غير فائدة . والجواب : أنه لا نزاع في كونه جزاء إنما النزاع في أن كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق ، وليس في الآية ما يدل على التعيين . فإن قيل : إن الجنة ستصير للمتقين جزاء ومصيراً لكنها بعد ما صارت كذلك ، فلم قال الله { كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً } ؟ فالجواب من وجهين : الأول : أن ما وعده فهو في تحققه كأنه قد كان ؛ ولأنه قد كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم ( ومصيراً ) . قوله : { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ } هو نظير قوله : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } [ فصلت : 31 ] ، { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ } [ الزخرف : 71 ] . فإن قيل : أهل الدرجات النازلة إذا شاهدوا الدرجات العالية لا بد وأن يريدوها ، فإذا سألوها ربهم ، فإن أعطاها لم يبق بين الناقص والكامل تفاوت في الدرجة ، وإن لم يعطها قدح ذلك في قوله { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ } ، وأيضاً فالأب إذا كان ولده في دركات النيران وأشد العذاب فلو اشتهى أن يخلصه الله تعالى من ذلك العذاب ، ( فلا بد وأن يسأل ربه أن يخلصه منه ) ، فإن فعل قدح ذلك في أن عذاب الكافر مخلد ، وإن لم يفعل قدح ذلك في قوله : { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } [ فصلت : 31 ] ، وفي قوله : ( { لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ } ) . والجواب أن الله تعالى يزيل هذا الخاطر عن قلوب أهل الجنة ويشتغلون بما هم فيه من اللذات عن الالتفات إلى حال غيرهم . قوله : " خَالِدينَ " منصوب على الحال ، إما من فاعل " يَشَاءونَ " وإما من فاعل " لَهُمْ " ، لوقوعه خبراً ، والعائد على " ما " محذوف ، أي : لهم فيها الذي يشاءونه حال كونهم خالدين . قوله : { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ } في اسم " كَانَ " وجهان : أحدهما : أنه ضمير " ما يشاءون " ذكره أبو البقاء . والثاني : أن يعود على الوعد المفهوم من قوله " وُعِدَ المُتَّقُونَ " . و " مَسْؤولاً " على المجاز ، يسأل هل وفى لك أم لا ، أو يسأله من وعد به . فصل قوله : { كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } يدل على أن الجنة حصلت بحكم الوعد لا بحكم الاستحقاق كما تقدم . وقوله : " مَسْؤولاً " أي : مطلوباً ، قيل : إن المتقين سألوا ربهم في الدنيا فقالوا : { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَىٰ رُسُلِكَ } [ آل عمران : 194 ] وقال محمد بن كعب القرظي : الملائكة سألوا ربهم للمؤمنين بقولهم : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ ٱلَّتِي وَعَدْتَّهُمْ } [ غافر : 8 ] . وقيل : إن المكلفين سألوه بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعة الله كان ذلك قائماً مقام السؤال ، قال المتنبي : @ 3867 - وَفِي النَّفْسِ حَاجَاتٌ وَفِيكَ فَطَانَةٌ سُكُوتِي كَلاَمٌ عَنْدَهَا وَخِطَابُ @@ وقيل : " وَعْداً مَسؤولاً " أي : واجباً وإن لم يسأل . قاله الفراء وقيل : " مَسْؤولاً " أي : من حقه أن يكون مسؤولاً ، لأنه حق واجب إما بحكم الاستحقاق على قول المعتزلة ، أو بحكم الوعد على قول أهل السنة .