Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 21-24)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } الآية . هذه هي الشبهة الرابعة لمنكري نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وحاصلها : لم ( لم ) تنزَّل الملائكة حتى يشهدوا أن محمداً محق في دعواه ، { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } حتى يخبرنا بأنه أرسله إلينا ؟ فصل قال الفراء : قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } أي : لا يخافون لقاءنا ، فوضع الرجاء موضع الخوف لغة تهاميّة إذا كان معه جحدٌ ، ومنه قوله تعالى : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [ نوح : 13 ] أي : لا تخافون لله عظمةً قال القاضي : لا وجه لذلك ، لأن الكلام متى أمكن حمله على الحقيقة لم يجز حمله على المجاز ، والمعلوم من حال عبّاد الأصنام أنهم كانوا لا يخافون العقاب ، لتكذيبهم ( بالمعاد ) ، فكذلك لا يرجون الثواب لمثل ذلك ، فقوله : { لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } محمول على الحقيقة ، وهو أنهم لا يرجون لقاء ما وعدنا على الطاعة من الثواب والجنة ، ومعلوم أن من لا يرجو ذلك لا يخاف العقاب أيضاً ، فالخوف تابع ( للرجاء ) . فصل دلَّ ظاهر الآية على جواز الرؤية ، لأن اللقاء جنس تحته أنواع ، أحد أنواعه الرؤية ، والآخر الاتصال والمماسّة . وهما باطلان ، فدلَّ على جواز الرؤية ، لأن الرائي يصل برؤيته إلى حقيقة المرئي فسمي الرؤية لقاء . وقالت المعتزلة : تفسير اللقاء برؤية البصر جهل باللغة ، لأنه يقال في الدعاء : لقاك الله الخير . ويقول القائل : لم أَلْقَ الأمير . وإن رآه من بعد إذا حجب عنه ، ويقال في الضرير : لقي الأمير إذا أذن له ولم يحجب ، وقد يلقاه في الليلة الظلماء ولا يراه ، بل المراد من اللقاء هنا المصير إلى حكمه حيث لا حكم لغيره في يوم { لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً } [ الانفطار : 19 ] لا أنه رؤية البصر . قال ابن الخطيب وهذا كلام ضعيف ، لأنَّ اللفظ الموضوع لمعنى مشترك بين معان كثيرة ينطلق على كل واحد من تلك المعاني ، فيصح قوله : لقاك الخير ، ويصح قول الأعمى : لقيت الأمير ، ويصح قول البصير : لقيته ( بمعنى رأيته ، وما لقيته ) بمعنى ما وصلت إليه ، وإذا ثبت هذا فنقول : قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } مذكور في معرض الذم لهم ، فوجب أن يكون رجاء اللقاء حاصلاً ، ومسمى اللقاء مشترك بين الوصول المكاني وبين الوصول بالرؤية ، وقد بطل الأول فتعيّن الثاني . وقولهم : المراد من اللقاء الوصول إلى حكمه . صرف للفظ عن ظاهره بغير دليل ، فثبت دلالة الآية على صحة الرؤية بل على وجوبها ، بل على أنّ إنكار الرؤية ليس إلا من دين ( الكفار ) . قوله : " لَوْلاَ أُنْزِلَ " : هلاّ أنزل " عَلَيْنَا المَلاَئِكَةُ " فيخبرونا أن محمداً صادق { أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } فيخبرنا بذلك { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } ( أي : تعظموا في أنفسهم ) بهذه المقالة . قال الكلبي ومقاتل : نزلت الآية في أبي جهل والوليد وأصحابهما المنكرين للنبوة والبعث . قوله : " عُتُواً " مصدر وقد صحَّ هنا وهو الأكثر وأُعِلَّ في مريم في " عِتِيًّا " ، لمناسبة ذكرت هناك ، وهي تواخي رؤوس الفواصل . فصل قال مجاهد : " عُتُوًّا " طغواً . وقال مقاتل : " عتوًّا " غلوًّا في القول . والعتو : أشد الكفر وأفحش الظلم ، وعتوهم طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به . وقوله : " فِي أَنْفُسِهِمْ " ، لأنهم أضمروا الاستكبار في قلوبهم واعتقدوه ، كما قال : { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم ( بِبَالِغِيهِ ) } [ غافر : 56 ] . وعتوا : تجاوزوا الحد في الظلم . فصل وهذا جواب عن شبهتهم وبيانه من وجوه : أحدها : أن القرآن لما ظهر كونه معجزاً فقد تمت نبوة محمد - عليه السلام - فبعد ذلك يكون اقتراح أمثال هذه الآيات لا يكون إلا محض التعنت والاستكبار . وثانيها : أنَّ نزول الملائكة لو حصل لكان أيضاً من جملة المعجزات ، فلا يدل على الصدق لخصوص كونه نزول الملك بل لعموم كونه معجزاً فيكون قبول ذلك المعجز وردّ المعجز الآخر ترجيحاً لأحد المثلين على الآخر من غير مزيد فائدة ومرجِّح ، وهو محض الاستكبار والتعنت . وثالثها : أنهم بتقدير أن يروا الرب ، ويسألوه عن صدق محمد - عليه السلام - وهو سبحانه يقول : نعم هو رسولي ، فذلك لا يزيد في التصديق على إظهار المعجز على يد محمد - عليه السلام - لأنَّا بيَّنَّا أن المعجزة تقوم مقام التصديق بالقول ، إذ لا فرق وقد ادعى النبوة بين أن يقول : اللهم إن كنت صادقاً فأحْيِ هذا الميت ، فيحييه الله تعالى ، ( والعادة لم تجر بمثله ) ، وبين أن يقول له : صدقت . وإذا كان التصديق بالقول والتصديق الحاصل بالمعجز ( سيّين ) في كونه تصديقاً للمدعى ، كان تعيين أحدهما محض استكبار وتعنت . ورابعها : يمكن أن يكون المراد أنَّ الله تعالى قال : لو علمت أنهم ما ذكروا هذا السؤال لأجل الاستكبار والعتو الشديد لأعطيتهم مقترحهم ، ولكني علمت أنهم ذكروا هذا الاقتراح لأجل الاستكبار والتعنت ، فلو أعطيتهم مقترحهم لما انتفعوا به ، فلا جرم لا أعطيهم ذلك . وخامسها : لعلهم سمعوا من أهل الكتاب أن الله لا يُرَى ، وأنه تعالى لا ينزل الملائكة في الدنيا على عوام الخلق ، ثم إنهم علقوا إيمانهم على ذلك على سبيل الاستهزاء . فصل استدل المعتزلة بهذه الآية على عدم الرؤية ، لأنّ رؤيته لو كانت جائزة لما كان سؤالها عتواً . قالوا : فقوله : { لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً } ليس إلا لأجل سؤال الرؤية ، واستعظم في آية أخرى قولهم : { لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } [ البقرة : 55 ] . فثبت أن الاستكبار والعتو هاهنا إنما حصل لأجل سؤال الرؤية ، وتقدم الكلام على ذلك في سورة البقرة . ونقول هاهنا : إنّا بينا أن قوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } يدل على الرؤية ، وأمّا الاستكبار والعتو فلا يدل ذلك على أن الرؤية مستحيلة ، لأنَّ من طلب شيئاً محالاً لا يقال : إنه عَتَا واستكبر ، ألا ترى قولهم : { ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ } [ الأعراف : 138 ] لم يثبت لهم بطلب هذا المحال عتوًّا واستكباراً بل قال : { إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ } [ الأعراف : 138 ] . ومما يدل على ذلك أن موسى - عليه السلام - لما قال : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] ما وصفه الله بالاستكبار والعتوّ ، لأنه - عليه السلام - طلب الرؤية شوقاً ، وهؤلاء لمَّا طلبوها امتحاناً وتعنتاً لا جرم وصفهم بذلك . قوله : " يَوْمَ يَرَونَ " فيه أوجه : أحدها : أنه منصوب بإضمار فعل يدل عليه قوله : " لاَ بُشْرَى " أي : يُمْنَعُونَ البُشْرَى يَوْمَ يَرَونَ . الثاني : أنه منصوب بـ ( اذكر ) ، فيكون مفعولاً به . الثالث : أنَّه منصوب بـ ( يعذبون ) مقدراً . ولا يجوز أن يعمل فيه نفس " البُشْرَى " لوجهين : أحدهما : أنها مصدر والمصدر لا يعمل فيما قبله . والثاني : أنَّها منفية بـ ( لا ) ، ( وما بعد ( لا ) ) لا يعمل فيما قبلها . قوله : " لاَ بُشْرَى " هذه الجملة معمولة لقول مضمر ، أي : يَرَون الملائكة يقولون لا بُشْرَى ، فالقول حال من " المَلاَئِكَة " ، وهو نظير التقدير في قوله : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ } [ الرعد : 23 ] إلى قوله : { سَلاَمٌ عَلَيْكُم } [ الرعد : 24 ] . قال أبو حيان : واحتمل " بُشْرَى " أن يكون مبنيًّا مع " لاَ " ، واحتمل أن يكون في نية التنوين منصوب اللفظ ، ومنع من الصرف للتأنيث اللازم فإنه كان مبنيًّا مع " لا " احتمل أن يكون " يَوْمَئِذٍ " خبراً و " لِلْمُجْرِمِينَ " خبراً بعد خبر ، أو نعتاً لـ " بُشْرَى " ، أو متعلقاً بما تعلَّق به الخبر ، وأن يكون " يَوْمَئِذٍ " صفة لـ " بُشْرَى " والخبر " لِلْمُجْرِمِينَ " ، ويجيء خلاف سيبويه والأخفش هل الخبر لنفس " لاَ " أو الخبر للمبتدأ الذي هو مجموع " لاَ " وما بني معها . وإن كان في نية التنوين وهو معرب ، ( جاز أن يكون " يَوْمَئِذٍ " ، و " لِلْمُجْرِمِينَ " خبرين ، و ) جاز أن يكون " يَوْمَئِذٍ " خبراً و " لِلْمُجْرِمِينَ " صفة ، والخبر إذا كان الاسم ليس مبنياً لنفس " لاَ " بإجماع . قال شهاب الدين : قوله : واحتمل أن يكون في نية التنوين إلى آخره لا يتأتَّى إلاَّ على قول أبي إسحاق ، وهو أنه يرى أنَّ اسم ( لاَ ) النافية للجنس معربٌ ، ويعتذر عن حذف التنوين بكثرة الاستعمال ويستدل عليه بالرجوع إليه في الضرورة ، وينشد : @ 3870 - أَلاَ رَجُلاً جَزَاهُ اللَّهُ خَيْراً @@ ويتأوله البصريون على إضمار : ألا ترونني رجلاً ، وكان يمكن الشيخ أن يجعله معرباً كما ادّعى بطريق أخرى ، وهو : أن يجعل " بُشْرَى " عاملة في " يَوْمَئِذٍ " أو في " لِلْمُجْرِمِينَ " ، فيصير من قُبَيْل المطوَّل ، والمطوَّل معربٌ ، لكنه لم يلم بذلك ، وسيأتي شيء من هذا في كلام أبي البقاء رحمه الله . ويجوز أن يكون " بُشْرَى " معرباً منصوباً بطريق أخرى ، وهي أن تكون منصوبة بفعل مقدَّر ، أي : لا يُبَشَّرُونَ بُشْرَى ، كقوله تعالى : { لاَ مَرْحَباً ( بِهِمْ ) } [ ص : 59 ] ، ( و ) لا أهلاً ولا سهلاً ، إلاَّ أن كلام الشيخ لا يمكن تنزيله على هذا لقوله : جاز أن يكون " يَوْمَئِذٍ " و " لِلْمُجْرِمِينَ " خبرين ، فقد حكم أن لها خبراً ، وإذا جُعِلَت منصوبة بفعل مقدر لا يكون [ لـ ( لا ) ] حينئذ خبر ، لأنها داخلة على ذلك الفعل المقدر ، وهذا موضع حسنٌ . قوله : " يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ " قد تقدَّم في " يَوْمَئِذٍ " أوجه : وجوَّز أبو البقاء أن يكون منصوباً بـ " بُشْرَى " ، قال : إذا قدَّرت أنها منونة غير مبنيَّة مع ( لا ) ، ويكون الخبر " لِلْمُجْرِمِينَ " . وجوَّز - أيضاً - هو والزمخشري أن يكون " يَوْمَئِذٍ " تكريراً ( لـ " يَوْم ) يَرَوْنَ " وردَّه أبو حيان سواء أريد بالتكرير التوكيد اللفظيّ أم أريد به البدل قال : لأنَّ " يَوْمَ " منصوب بما تقدم ذكره من ( اذكر ) ( أو من ) ( يَعْدَمُونَ ) البشرى ، وما بعد ( لاَ ) العاملة في الاسم لا يعمل فيه ما قبلها ، وعلى تقدير ما ذكراه يكون العامل فيه ما قبل ( لاَ ) . وما ردَّه ليس بظاهر ، لأنَّ الجملة المنفية معمولةٌ للقول المضمر الواقع حالاً من " المَلاَئِكَةِ " ، و " الملائكة " معمولةٌ لـ " يَرَوْنَ " ، و " يَرَوْنَ " معمول لـ " يَوْمَ " خُصِّصَا بالإضافة ، فـ ( لا ) وما في حيزها من تتمة الظرف الأول من حيث إنها معمولة لبعض ما في حيزه ، فليست بأجنبية ولا مانعةٍ من أن يعمل ما قبلها فيما بعدها . والعجب له كيف تخيل هذا وغفل عما تقدم فإنه واضح مع التأمل . و " لِلْمُجْرِمِينَ " من وضع الظاهر موضع المضمر شهادةً عليهم بذلك . والضمير في " يقُولُونَ " يجوز عوده للكفار ( أو للملائكة ) . و " حِجْراً " من المصادر الملتزم إضمار ناصبها ، ولا يتصرَّف فيه نحو معاذ الله ، وقعدك ، وعمرك ، وهذه كلمة كانوا يتكلمون بها عند لقاء عدوٍّ وهجوم نازلة ، ونحو ذلك يضعونها موضع الاستعاذة ، قال سيبويه : ويقول الرجل للرجل : أتفعل كذا فيقول : حِجْراً وهي من حجره : إذا منعه ، لأنَّ المستعيذ طالب من الله أن يمنع المكروه ولا يلحقه ، وكان المعنى : أسأل الله أن يمنعه منعاً ويحجره حجراً . والعامة على كسر الحاء ، والضحاك ، والحسن ، وأبو رجاء على ضمِّها وهو لغة فيه . قال الزمخشري : ومجيئه على فِعْل أو فُعْل في قراءة الحسن تصرُّفٌ فيه لاختصاصه بموضع واحد كما كان قعدك وعمرك كذلك وأنشد لبعض الرجاز : @ 3871 - قَالَتْ وَفِيهَا حَيْدَةٌ وذُعْرُ عَوْذٌ بِرَبِّي مِنْكُم وَحُجْرُ @@ وهذا الذي أنشده الزمخشري يقتضي تصرُّف " حِجْراً " . وقد تقدم نص سيبويه على أنه يلتزم النصب . وحكى أبو البقاء فيه لغةً ثالثةً وهي الفتح ، قال : وقد قرئ بها . فعلى هذا كمل فيه ثلاثة لغاتٍ مقروء بهنَّ . و " مَحْجُوراً " صفة مؤكدة للمعنى كقولهم : ذيل ذائل ، والذيل : الهوان ، ومَوْتٌ مَائِتٌ ، والحِجْرُ : العقل ، لأنه يمنع صاحبه . فصل قوله : { يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ } عند الموت . قاله ابن عباس ، وقال الباقون : يريد يوم القيامة { لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ } للكافرين . قالت المعتزلة : الآية تدلّ على القطع بوعيد الفساق وعدم العفو ، قوله : " لاَ بُشْرَى … لِلْمُجْرِمِينَ " نكرة في سياق النفي فتعمّ جميع أنواع البشر في جميع الأوقات ، بدليل أن من أراد تكذيب هذه القضية قال : بل له بُشْرَى في الوقت الفلاني ، فلما كان ثبوت البشرى في وقت من الأوقات يذكر لتكذيب هذه القضية ، علمنا أن قوله : " لاَ بُشْرَى " يقتضي نفي جميع البشرى في كل الأوقات ، وشفاعة الرسول لهم من أعظم البشرى فوجب أن لا يثبت ذلك لأحد من المجرمين ، والكلام على التمسك بصيغ العموم ، وقد تقدم مراراً . فصل اختلفوا في القائلين " حِجْراً مَحْجُوراً " : فقال ابن جريج : كانت العرب إذا نزلت بهم شدة ، ورأوا ما يكرهون ، قالوا : " حِجْراً مَحْجُوراً " ، فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة . قال مجاهد : يعني : عوذاً مَعَاذاً ، فيستعيذون به من الملائكة . وقال ابن عباس : تقول الملائكة : حراماً محرماً أن يدخل الجنة إلا من قال : لا إله إلا الله . قال مقاتل : إذا خرج الكفار من قبورهم قالت لهم الملائكة " حِجْراً مَحْجُوراً " أي : حرام محرم عليكم أن تكون لكم البشرى . قوله : { وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ } أي : وعمدنا إلى عملهم . قوله : { فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } . الهَبَاءُ والهَبْوَةُ : التراب الدقيق . قاله ابن عرفة . قال الجوهري : يقال فيه : هَبَا يَهْبُو : إذا ارتفع ، وأَهْبَبْتُهُ أَنَا إِهْبَاءً . وقال الخليل والزجاج : هو مثل الغبار الداخل في الكوَّة يتراءى مع ضوء الشمس فلا يمس بالأيدي ولا يرى في الظل . وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد . وقيل : الهَبَاءُ ما تطاير من شرر النَّار إذا أُضْرِمَتْ ، والواحدة هباءة على حد تَمْر وتَمْرَة . و " مَنْثُوراً " أي : مفرَّقاً ، نثرت الشيء فرَّقته . والنَّثْرَةُ لنجوم متفرقة . والنَّثْرُ : الكلام غير المنظوم على المقابلة بالشعر . قال ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير : هو ما تسفيه الرياح ، وتذريه من التراب ، ( وحطام الشجر ) . وقال مقاتل : هو ما يسطع من حوافر الدواب عند السير . وفائدة الوصف به أنَّ الهَبَاءَ تراه منتظماً مع الضوء ، فإذا حرّكته تفرَّق ، فجيء بهذه الصفة لتفيد ذلك . وقال الزمخشري : أو مفعول ثالث لـ " جَعَلْنَاهُ " أي : فَجَعَلْنَاهُ جامعاً لحقارة الهَبَاء والتناثر ، كقوله : " كُونُوا " { قِرَدَةً خَاسِئِينَ } [ الأعراف : 66 ] أي : جامعين للمسخ والخسأ . قال أبو حيان : وخالف ابن درستويه ، فخالف النحويين في منعه أن يكون لـ ( كان ) خبران وأزيد ، وقياس قوله في ( جعل ) أن يمنع أن يكون لها خبر ثالث . قال شهاب الدين : مقصوده أن كلام الزمخشري مردودٌ قياساً على ما منعه ابن درستويه من تعديد خبر ( كَانَ ) . قوله : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } أي : من هؤلاء المشركين المستكبرين . " وَأَحْسَنُ مَقِيلاً " موضع قائلة . وفي ( أَفْعَل ) هاهنا قولان : أحدهما : أنها على بابها من التفضيل ، والمعنى : أن المؤمنين خير في الآخرة مُسْتَقَراً من مُسْتَقَرِّ الكفار " وَأَحْسَنُ مَقِيلاً " من مقيلهم ، لو فرض أن يكون لهم . والثاني : أن يكون لمجرَّد الوصف من غير مفاضلةٍ . فصل قال المفسرون : يعني أن أهل الجنة لا يمرّ بهم يوم إلا قدر النهار من أوله إلى قدر القائلة حتى يسكنوا مساكنهم من الجنة . قال ابن مسعود : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، وقرأ : " ثُمَّ إن مَقِيلَهُمْ لإلى الجَحِيمِ " وهكذا كان يقرأ . وقال ابن عباس في هذه الآية : الحساب ذلك اليوم في أوله . وقال قوم : حين قالوا في منازلهم . قال الأزهري : القيلولة والمقيل : الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم ، لأن الله قال : " وَأَحْسَنُ مَقِيلاً " والجنة لا نوم فيها . وروي " أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس " .