Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 25-29)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : " وَيَوْمَ تَشَقَّقُ " العامل في " يَوْمَ " إمّا ( اذكر ) ، وإمّا ينفرد الله بالمُلْكِ يَوْمَ تشقق ، لدلالة قوله : { ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ لِلرَّحْمَـٰنِ } عليه . وقرأ الكوفيون وأبو عمرو [ هنا وفي ( ق ) " تَشَقَّقُ " بالتخفيف ، والباقون بالتشديد ، وهما واضحتان ، حذف الأولون ] تاء المضارعة أو تاء التفعل على خلاف في ذلك ، والباقون أدغموا تاء التفعل في الشين لما بينهما من المقاربة ، وهما كـ " تَظَاهَرُونَ " و " تَظَّاهَرُونَ " حذفاً وإدغاماً ، وقد مضى في البقرة . قوله : " بِالغَمَامِ " في هذه الباء ثلاثة أوجه : أحدها : على السببية ، أي : بسبب الغمام ، يعني بسبب طلوعها منها ، ونحوه { السَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [ المزمل : 18 ] كأنه الذي يتشقق به السماء . الثاني : أنها للحال ، أي : مُلتَبِسَةً بالغمام . الثالث : أنها بمعنى ( عَنْ ) ، أي : عن الغَمَام كقوله : { ( يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ ) } [ ق : 44 ] ، [ والباء وعن يتعاقبان ، تقول : رميت عن القوس وبالقوس ] . قوله : " وَنُزِّلَ المَلاَئِكَةُ " فيها اثنتا عشرة قراءة ثنتان في المتواتر ، وعشر في الشاذ . فقرأ ابن كثير من السبعة " وَنُنْزِلُ " بنون مضمومة ثم أخرى ساكنة وزاي خفيفة مكسورة مضارع ( أَنْزَلَ ) ، و " المَلاَئِكَةَ " بالنصب مفعول به ، وكان من حق المصدر أن يجيء بعد هذه القراءة على ( إِنْزَال ) . قال أبو علي : لما كان ( أَنْزَلَ ) و ( نَزَّلَ ) يجريان مجرى واحداً أجزأ مصدر أحدهما عن مصدر الآخر ، وأنشد : @ 3872 - وَقَدْ تَطَوَّيْتُ انْطِوَاءَ الحِضْبِ @@ لأنَّ تَطَوَّيْتُ وانْطَويْتُ بمعنى ، ومثله : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] [ أي : تَبَتُّلاً ] وقرأ الباقون من السبعة " وَنُزِّلَ " بضم النون وكسر الزاي المشددة وفتح اللام ماضياً مبنيًّا للمفعول ، " المَلاَئِكَةُ " بالرفع لقيامه مقام الفاعل ، وهي موافقةٌ لمصدرها . وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء " وَنَزَّلَ " بالتشديد ماضياً مبنيًّا للفاعل ، وهو الله تعالى ، " المَلاَئِكَةَ " مفعول به . وعنه - أيضاً - " وَأَنْزَلَ " مبنيًّا للفاعل عداه بالتضعيف مرة ، وبالهمزة أخرى ، والاعتذار عن مجيء مصدره على التفعيل كالاعتذار عن ابن كثير . وعنه - أيضاً - " وَأُنْزِلَ " مبنيًّا للمفعول . وقرأ هارون عن أبي عمرو " وَتُنَزِّلُ المَلاَئِكَةُ " بالتاء من فوق وتشديد الزاي ورفع اللام مضارعاً مبنيًّا للفاعل ، " المَلاَئِكَةُ " بالرفعِ مضارع " نَزَّلَ " بالتشديد ، وعلى هذه القراءة ، فالمفعول محذوف ، أي : وتُنَزِّلُ المَلاَئِكَةُ ما أُمِرَتْ أن تُنَزِّله . وقرأ الخفَّاف عنه ، وجناح بن حبيش " وَنَزَلَ " مخففاً مبنيًّا للفاعل ، " المَلاَئِكَةُ " بالرفع . وخارحة عن أبي عمرو - أيضاً - وأبو معاذ " ونُزِّلَ " بضم النون وتشديد الزاي ، ونصب " المَلاَئِكَةَ " ، والأصل : ونُنْزِلُ بنونين حذفت ( إحداهما ) وقرأ أبو عمرو وابن كثير في رواية عنهما بهذا الأصل " ونُنَزِّلَ " بنونين وتشديد الزاي . وقرأ أُبيّ " وَنُزِّلَتْ " بالتشديد مبنيًّا للمفعول ، " وَتُنُزِّلَتْ " بزيادة تاء في أوله ، وتاء التأنيث ( فيهما ) . وقرأ أبو عمرو في طريقة الخفاف عنه " وَنُزِلَ " بضم النون وكسر الزاي خفيفة مبنيًّا للمفعول . قال صاحب اللوامح : فإن صحت هذه القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، تقديره : ونُزِلَ نُزُول الملائكة ، فحذف النزول ونقل إعرابه إلى " المَلاَئِكَة " بمعنى : نَزَلَ نَازِلُ الملائكة ، لأنَّ المصدر يجيء بمعنى الاسم ، وهذا مما يجيء على مذهب سيبويه ترتيب بناء اللازم للمفعول به ، لأنَّ الفعل يدل على مصدره . قال شهاب الدين : وهذا تمحُّلٌ كثير دعت إليه ضرورة الصناعة . وقال ابن جني : وهذا غير معروف ، لأنَّ ( نَزَلَ ) لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا للملائكة ، ووجهه أن يكون مثل زكم الرَّجُلُ وجنَّ ، فإنه لا يقال إلا أزكمه ، وأجنّه الله ، وهذا باب سماع لا قياس . ونظير هذه القراءة ما تقدم في سورة الكهف في قراءة من قرأ { فَلاَ نُقِيم لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً } [ الكهف : 105 ] بنصب وزن من حيث تعدية القاصر ، وتقدم ما فيها . فصل الغَمَامُ : هو الأبيض الرقيق مثل الضباب ، ولم يكن إلاَّ لبني إسرائيل في تيههم . والألف واللام في " الغمام " ليس للعموم بل للمعهود ، وهو ما ذكره في قوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [ البقرة : 210 ] قال ابن عباس : تتشقق سماء الدنيا فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس ، [ ثم تشقق السماء ثانية ، فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس ] ثم كذلك حتى تشقق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها ، ثم ينزل الكَرُوبِيُّون ، ثم حملة العرش . فإن قيل : ثبت بالقياس أن نسبة الأرض إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة ، فكيف بالقياس إلى الكرسي والعرش ، فملائكة هذه المواضع ( بأسرها ، فكيف تتسع الأرض لكل هؤلاء ) ؟ فالجواب : قال بعض المفسرين : الملائكة يكونون في الغمام ، والغمام يكون ) مقرّ الملائكة . قوله : " المُلْكُ يَوْمَئذٍ " فيها أوجه : أحدها : أن يكون " المُلْكُ " مبتدأ والخبر " الحَقُّ " و " يَوْمَئِذٍ " متعلق بـ " الملك " ، و " للرَّحْمَنِ " متعلق بـ " الحَقّ " ، أو بمحذوف على التبيين ، أو بمحذوف على أنه صفة للحق . الثاني : أنَّ الخبر " يَوْمَئِذٍ " ، و " الحَقُّ " نعت للملك ، [ و " للرحمن " على ما تقدم ] . [ الثالث : أنَّ الخبر " للرَّحْمَن " و " يَوْمَئِذٍ " متعلق بـ " الملك " ، و " الحَقُّ " نعت للملك ] . قيل : ويجوز نصب الحق بإضمار ( أَعْنِي ) . فصل المعنى : أَنَّ الملك الذي هو الملك حقاً ملك الرحمن يوم القيامة . قال ابن عباس : يريد أَنَّ يوم القيامة لا ملك يقضي غيره . ومعنى وصفه بكونه حقاً : أنه لا يزول ولا يتغير . فإن قيل : مثل هذا الملك لم يكن قط إلا للرحمن ، فما الفائدة في قوله : " يَوْمَئِذٍ " ؟ . فالجواب لأَنّ في ذلك اليوم لا مالك له سواه لا في الصورة ، ولا في المعنى ، فتخضع له الملوك وتعنو له الوجوه ، وتذل له الجبابرة بخلاف سائر الأيام . { وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً } أي : شديداً ، وهذا الخطاب يدلُّ على أنه لا يكون على المؤمنين عسيراً ؛ جاء في الحديث " أنه يهوّن يوم القيامة على المؤمن حتى يكون أَخَفَّ عليه من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا " قوله : { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ } يَوْمَ معمول لمحذوف ، أو معطوف على " يَوْمَ تَشَقَّقُ " . و " يَعضُّ " مضارع عَضَّ ، ووزنه فَعِل بكسر العين بدليل قولهم : عَضِضْتُ أَعَضُّ . وحكى الكسائي فتحها في الماضي ، فعلى هذا يقال : أَعِضُّ بالكسر في المضارع . والعَضُّ هنا كناية عن شدة الندم ، ومثله : حَرَقَ نَابَهُ ، قال : @ 3873 - أَبى الضَّيْم والنُّعْمَان يَحْرِقُ نَابَهُ عَلَيْهِ فَأَفْضَى والسّيُوفُ مَعَاقِلُه @@ وهذه الكناية أبلغ من تصريح المكني عنه . فصل ( أل ) في " الظَّالم " تحتمل العهد والجنس على خلاف في ذلك . فالقائلون بالعهد اختلفوا على قولين : الأول : قال ابن عباس : " أراد بالظالم : عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس ، كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً ، ودعا إليه جيرته وأشراف قومه ، وكان يكثر مجالسة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعجبه حديثه ، فقدم ذات يوم من سفر ، فصنع طعاماً ، ودعا الناس ، ودعا الرسول ، فلما قرب الطعام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله " فقال عقبة : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أَنّ محمداً رسول الله ، فأكل الرسول من طعامه ، وكان عقبة صديقاً لأبيّ بن خلف ، فلما أتى أُبي بن خلف قال له : يا عقبة صبأت ، قال : لا والله ما صبأت ، ولكن دخل عليّ فأبَى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له ، فاستحييت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت له ، فطعم . فقال : ما أنا بالذي أرضى منك أبداً إلا أن تأتيه وتبزق في وجهه ، وتطأ على عنقه ، ففعل ذلك عقبة ، فقال عليه السلام : لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوتك بالسيف " ، فقتل عقبة يوم بدر صبراً ، وأما أبيّ بن خلف فقتله النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده يوم أحد . قال الضحاك : لما بزق عقبةُ في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد بزاقه في وجهه ، فاحترق خداه ، فكان أثر ذلك فيه حتى الموت . وقال الشعبي : كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية : وجهي من وجهك حرام إن بايعت محمداً ، فكفر وارتد ، فأنزل الله - عزَّ وجلَّ - { وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ } يعني : عُقبة ، يقول : { يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } ، أي : ليتني اتبعت محمداً فاتخذت معه سبيلاً إلى الهدى . وقرأ أبو عمرو { يَا لَيَتَنِي اتَّخَذْتُ } بفتح الياء ، والآخرون بإسكانها . الثاني : قالت الرافضة : الظالم هو رجل بعينه ، وإن المسلمين عرفوا اسمه وكتموه ، وجعلوا فُلاناً بدلاً من اسمه ، وذكروا فاضلين من أصحاب الرسول . ومن حمل الألف واللام على العموم ، لأنها إذا دخلت على الاسم المفرد أفادت العموم بالقرينة ، وهي أنَّ ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعلية الوصف ، فدلّ على أنَّ المؤثر في العض على اليدين كونه ظالماً ، فيعم الحكم لعموم علته . وهذا القول أولى من التخصيص بصورة واحدة ، ونزوله في واقعة خاصة ( لا ينافي العموم ) ، بل تدخل فيه تلك الصورة وغيرها . والمقصود من الآية زجر الكل عن الظلم ، وذلك لا يحصل إلا بالعموم . فصل قال الضحاك : يأكل يديه إلى المرفق ثم تنبت ، ولا يزال هكذا كلما أكلها نبتت وقال المحققون : هذه اللفظة للتحسر والغم ، يقال : عَضَّ أنامله ، وعضَّ على يديه . قوله : " يَقُولُ " هذه الجملة حال من فاعل " يَعَضُّ " وجملة التمني بعد القول محكيةٌ به ، وتقدم الكلام في مباشرة ( يَا ) لـ " لَيْتَ " في النساء . قوله : " يَا وَيْلَتَى " . قرأ الحسن " يَا وَيْلَتِي " بكسر التاء وياء صريحة بعدها ، وهي الأصل . وقرأ الدَّوْرِيُّ بالإمالة . قال أبو علي : وترك الإمالة أحسن ، لأن أصل هذه اللفظة الياء فبدلت الكسرة فتحة والياء ألفاً فراراً من الياء ، فَمَنْ أَمَالَ رجع إلى الذي منه فَرَّ أولاً . وهذا منقوض بنحو ( بَاعَ ) فإن أصله الياء ، ومع ذلك أمالوا ، وقد أمالوا { يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ } [ الزمر : 56 ] و " يَا أَسَفَى " وهما كـ ( ياء ) " وَيْلَتِي " في كون ألفهما عن ياء المتكلم . و " فُلاَن " كناية عن عَلَمِ من يعقل ، وهو متصرف . و " فُلُ " كناية عن نكرة مَنْ يعقل من الذكور ، و " فُلَةُ " عن مَنْ يعقل من الإناث . والفُلاَنُ والفُلاَنةُ بالألف عن غير العاقل ، ويختص ( فُلُ ) ، و ( فُلَةُ ) بالنداء إلاَّ في ضرورة كقوله : @ 3874 - فِي لَجَّةٍ أَمْسِكْ فُلاَناً عَنْ فُلِ @@ وليس ( فُلُ ) مرخماً من ( فلان ) خلافاً للفراء . وزعم أبو حيان أنَّ ابن عصفور وابن مالك ، وابن العلج وهموا في جعلهم ( فُلُ ) كناية عن عَلَمِ مَنْ يعقل ( فلان ) . ولام ( فُلُ ) و ( فُلاَنُ ) فيها وجهان : أحدهما : أنها واو . والثاني : أنها ياء . فصل تقدم الكلام في " يَا وَيْلَتَى " في هود . { لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً } يعني أبيّ بن خلف { لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ } عن الإيمان والقرآن ، { بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي } يعني الذكر مع الرسول " وَكَانَ الشَّيْطَانُ " وهو كل متمرد عاتٍ من الجن والإنس ، وكل من صدَّ عن سبيل الله فهو شيطان . وقييل : أشار إلى خليله . وقيل : أراد إبليس ، فإنه الذي حمله على أن صار خليلاً لذلك المُضِل ، ومخالفة الرسول ، ثم خذله ، وهو معنى قوله : " للإنْسَانِ خَذُولاً " أي : تاركاً يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب . وقوله : " وَكَانَ الشَّيْطَانُ " يحتمل أَنْ تكون هذه الجملة من مقول الظالم فتكون منصوبة المحل بالقول . وأن تكون من مقول الباري تعالى فلا محل لها ، لاستئنافها .