Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 30-31)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ } . قال أكثر المفسرين : إنَّ هذا القول وقع مع الرسول . وقال أبو مسلم : بل المراد أنَّ الرسول يقوله في الآخرة كقوله : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] . والأول أولى ، لأنَّ قوله : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } تسلية للرسول ، ولا يليق ذلك إلا إذا وقع القول منه . و " مَهْجُوراً " مفعول ثان لـ " اتَّخَذُوا " ، أو حال . وهو مفعول من الهجر - بفتح الهاء - وهو التَّرْكُ والبُعْدُ . أي : جعلوه متروكاً بعيداً ، لم يؤمنوا به ، ولم يقبلوه ، وأعرضوا عن استماعه . وقيل : هو من الهُجر - بالضم - أي : مهجوراً فيه . ثم حذف الجار بدليل قوله : { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } [ المؤمنون : 67 ] . وهجرهُم فيه : قولهم فيه : إنه شعر ، وسحر ، وأساطير الأولين ، وكذب وهُجْر ، أي : هذيان . قال عليه السلام : " من تعلم القرآن وعلق مصحفاً ، ولم يتعاهده ، ولم ينظر فيه ، جاء يوم القيامة متعلقاً به ، يقول : يا رب العالمين عبدك هذا اتخذني مهجوراً اقض بيني وبينه " وجعل الزمخشري " مَهْجُوراً " هنا مصدراً بمعنى الهجر قال كالمَجْلُود والمعقول . قال شهاب الدين : وهو غير مقيسٍ ، ضَبَطَهُ أهل اللغة في أُلَيْفاظ فلا يُتعدى إِلاَّ بنقل . قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً } الآية . جعل ذكر ذلك تسلية للرسول ، وأن له أسوة بسائر الرسل ، فليصبر على ما يلقاه من قومه كما صبر أولُو العزم من الرسل . { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } . قال المفسرون : الباء زائدة بمعنى كفى ربك " هَادِياً ونَصِيراً " منصوبان على الحال ، وقيل : على التمييز " هَادِياً " إلى مصالح الدين والدنيا ، " ونَصِيراً " على الأعداء . فصل احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه تعالى خلق الخير والشر ، لأنَّ قوله : { جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً } يدل على أن تلك العداوة من جعل الله تعالى ، وتلك العداوة كفر . قال الجبائي : المراد من الجعل التبيين ، لأنه تعالى لمَّا بيّن أنهم أعداؤه ، فقد جعل أنهم أعداء ، كما إذا بيَّن الرجل أَنَّ فلاناً لص ، فقد جعله لصاً ، وكما يقال في الحاكم : إنه عدّل فلاناً ، وفسّق فلاناً ، وجرّحه . وقال الكعبي : إنه تعالى لما أمر ( الأنبياء ) بعداوة الكفار ، وعداوتهم للكفار تقتضي ( عداوة الكفار ) لهم ، فلهذا جاز أن يقول : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ } ، لأنه - سبحانه - هو الذي حمله ودعاه إلى ما استعقب تلك العداوة . وقال أبو مسلم : يحتمل في العدو أنه البعيد الغريب ، إذ المعاداة المباعدة ، كما أن النصرة قرب من المظاهرة ، وقد باعد الله بين المؤمنين والكافرين . والجواب عن الأول : أنَّ التبيين لا يسمي التيه جعلاً ، لأن من بين لغيره وجود الصانع وقدمه لا يقال : إنه جعل الصانع وجعل قدمه . والجواب عن الثاني : أنَّ الذي أمره الله تعالى ( بِهِ ) هل له تأثير في وقوع العداوة في قلوبهم ، أو ليس له فيه تأثير ؟ . فإن كان الأول فقد تم الكلام ، لأنّ عداوتهم للرسول كفر ، فإذا أمر الله الرسول بما له أثر في تلك العداوة ، فقد أمر بما له أثر في وقوع الكفر ، وإِنْ لم يكن له فيه تأثير ألبتة كان منقطعاً عنه بالكلية ، فيمتنع إسناده إليه ، وهذا هو الجواب عن أبي مسلم . فإن قيل : قوله - عليه السلام - : ( " يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً " في المعنى كقول نوح - عليه السلام ) - { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 5 - 6 ] فكما أن المقصود من هذا إنزال العذاب فكذا هنا ، فكيف يليق هذا بمن وصفه الله بالرحمة في قوله { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [ الأنبياء : 107 ] . فالجواب : أن نوحاً - عليه السلام - لما ذكر ذلك دعا عليهم وأما محمد - عليه السلام - لما ذكر هذا ما دعا عليهم بل انتظر ، فلما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً } ( من المجرمين ) كان ذلك كالأمر له بالصبر على ذلك وترك الدعاء عليهم ( فافترقا ) . فإن قيل : قوله : " جعلنا " صيغة تعظيم ، والعظيم إذا ذكر نفسه في معرض التعظيم ، وذكر أنه يعطي ، فلا بد وأن تكون العطية عظيمة كقوله : ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم وقوله : { إنا أعْطَيْنَاكَ } [ الكوثر : 1 ] ، فكيف يليق بهذه الصيغة أن تكون تلك العطية هي العداوة التي هي منشأ الضرر في الدين والدنيا ؟ فالجواب : خلق العدو تسبب لازدياد المشقة التي هي موجبة لمزيد الثواب .