Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 32-34)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ } الآية . هذه شبهة خامسة لمنكري النبوة ؛ فإن أهل مكة قالوا : تزعم أنك رسول من عند الله ، فهلا تأتينا بالقرآن جملة ( واحدة ) ، كما أتي موسى بالتوراة جملة ، وكما أتي عيسى بالإنجيل جملة ، وداود بالزبور . قال ابن جريج : من أوله إلى آخره في ثنتين أو ثلاث وعشرين سنة . و " جملة " حال من " القرآن " ؛ إذ هي في معنى مجتمعاً . قوله : " كذلك " الكاف إما مرفوعة المحل ، أي : الأمر كذلك ، و " لِنُثَبِّتَ " علة لمحذوف ، أي : لنثبت فعلنا ذلك . وإما منصوبته على الحال ، أي : أنزل مثل ذلك ، أو على النعت لمصدر محذوف ، و " لنثبت " متعلقة بذلك الفعل المحذوف وقال أبو حاتم : هي جواب قسم . وهذا قول مرجوح نحا إليه الأخفش ، وجعل منه " ولتصغى " ، وقد تقدم في الأنعام . وقرأ عبد الله " ليثبت " بالياء أي الله تعالى . فصل هذا جواب عن شبهتهم ، وبيانه من وجوه : أحدها : أنه - عليه السلام - لم يكن من أهل الكتابة والقراءة ، فلو نزل ذلك عليه جملة واحدة كان لا يضبطه وجاز عليه فيه الخطأ والغلط . وثانيها : أن من كان الكتاب عنده ، فربما اعتمد على الكتاب وتساهل في الحفظ ، فالله تعالى ما أعطاه الكتاب جملة واحدة بل كان ينزل عليه وظيفة ، ليكون حفظه له أكمل ، فيكون أبعد عن المساهمة وقلة التحصيل . وثالثها : أنه تعالى لو أنزل الكتاب جملة واحدة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة على الخلق ، فكان يثقل عليهم ذلك فلما نزل مفرقاً منجماً نزلت التكاليف قليلاً قليلاً ، فكان تحملها أسهل . ورابعها : أنه إذا شاهد جبريل حالاً بعد حال يقوى قلبه بمشاهدته على أداء ما حمل ، وعلى الصبر على عوارض النبوة ، وعلى احتمال الأذى وعلى التكاليف الشاقة . وخامسها : أنه لما تم شرط الإعجاز فيه مع كونه منجماً ثبت كونه معجزاً ؛ فإنه لو كان ذلك مقدوراً للبشر لوجب أن يأتوا بمثله منجماً مفرقاً ، ولما عجزوا عن معارضة نجومه المفرقة ، فعن معارضة الكل أولى . وسادسها : كان القرآن ينزل بحسب أسئلتهم ووقائعهم ، فكانوا يزدادون بصيرة ، وكان ينضم إلى الفصاحة الإخبار عن الغيوب . وسابعها : أن السفارة بين الله وبين أنبيائه ، وتبليغ كلامه إلى الخلق منصب عظيم ، فيحتمل أن يقال : إنه تعالى لو أنزل القرآن على محمد دفعة واحدة لبطل المنصب على جبريل - عليه السلام - فلما أنزله مفرقاً منجماً بقي ذلك المنصب العالي عليه ، فلذلك جعلة الله تعالى منجماً . فصل قوله : " كذلك " يحتمل أن يكون من تمام كلام المشركين ، أي : جملة واحدة كذلك أي كالتوراة والإنجيل . ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى ذكره جواباً لهم ، أي : كذلك أنزلناه ، مفرقاً . فإن قيل : " كذلك " إشارة إلى شيء تقدمه ، والذي تقدمه هو إنزالة جملة ، ( فكيف فسره بـ " كَذلِكَ أَنْزَلْنَاهُ " ) مفرقاً ؟ فالجواب : أن الإشارة ( إلى الإنزال مفرقاً لا إلى جملة . قوله : " ورتلناه ترتيلاً " الترتيل : التفريق ومجيء الكلمة بعد الأخرى بسكوت ) يسير دون قطع النفس ، ومنه ثغر رَتِلٌ ومُرتل ، أي : مفلج الأسنان بين أسنانه فرج يسيرة . قال الزمخشري : ونزل هنا بمعنى أنزل لا غير كخبر بمعنى أخبر وإلا تدافعا . يعني أن نزل بالتشديد يقتضي بالأصالة التنجيم والتفريق ، فلو لم يجعل بمعنى أنزل الذي لا يقتضي ذلك ، لتدافع مع قوله " جُمْلَةً " لأن الجملة تنافي التفريق ، وهذا بناء منه على معتقده ، وهو أن التضعيف يدل على التفريق ، وقد نص على كذلك في مواضع من الكشاف في سورة البقرة ، وأول آل عمران ، وآخر الإسراء ، وحكى هناك عن ابن عباس ما يقوي ظاهره صحة قوله . فصل " وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً " قال ابن عباس : بيناه بياناً . والترتيل التبيين في ترسل وتثبيت . وقال السديّ : فصلناه تفصيلا . وقال مجاهد : بعضه في أثر بعض . وقال النخعي والحسن وقتادة : فرقناه تفريقاً آية بعد آية . قوله : " ولا يَأْتُونَك " يعني المشركين " بمثل " يَضربونه في إبطال أمرك { إلا جئناك بالحق } الذي يدفع ما جاءوا به من المثل ويبطله كقوله { بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ } [ الأنبياء : 18 ] في ما يريدون من الشبه ( مثلاً ، وسمى ما يدفع به الشُّبَه ) حقاً . قوله : { إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } هذا الاستثناء مفرغ ، والجملة في محل نصب على الحال ، أي : لا يأتونك بمثل إلا في حال إيتائنا إياك كذا ، والمعنى : ولا يأتونك بسؤال عجيب إلا جئناك بالأمر الحق ، " وأحْسَنَ تَفْسِيراً " أي : بياناً وتفضيلاً ، و " تفسيراً " تمييز . والمفضّل عليه محذوف : تفسيراً من مثلهم . والتفسير : تفعيل من الفَسْرِ ، وهو كشف ما قد غطي . ثم ذكر مآل المشركين فقال : { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } بساقون ويجرُّون إلى جهنم ، روي أنهم يمشون في الآخرة مقلوبين وجوههم على القفا ، وأرجلهم إلى فوق ، وقال عليه السلام : " إنّ الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم " والأولى أولى ، لأنه ورد أيضاً . قوله : " الّذِينَ يُحْشَرُونَ " يجوز رفعه خبر مبتدأ محذوف ، أي : هم الذين ويجوز نصبه على الذم ، ويجوز أن يرتفع بالابتداء وخبره الجملة من قوله { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } ، ويجوز أن يكون " أُولَئِكَ " بدلاً أو بياناً للموصول ، و " شَرٌّ مَكَاناً " خبر الموصول . قوله : { أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً } منزلاً ومصيراً من أهل الجنة " وأضل سبيلاً " وأخطأ طريقاً وههنا سؤال كما تقدم في قوله : { أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً } [ الفرقان : 24 ] . ولما تكلم في التوحيد ، ونفي الأنداد وإثبات النبوة وأحوال القيامة شرع في ذكر القصص على الطريقة المعلومة .