Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 37-39)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَقَوْمَ نُوحٍ } الآية . يجوز أن يكون " قَوْمَ " منصوباً عطفاً على مفعول " دَمَّرْنَاهم " ، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مضمر قوله : " أَغْرَقْنَاهُمْ " وترجح هذا بتقديم جملة فعلية قبله . هذا إذا قلنا : إن " لما " ظرف زمان ، وأما إذا قلنا إنها حرف وجوب لوجوب فلا يتأتى ذلك ، لأن " أَغْرَقْنَاهُمْ " حينئذ جواب " لما " ، وجوابها لا يفسر ، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدر لا على سبيل الاشتغال ، أي : اذكر قوم نوح . فصل إنما قال : " كذبوا الرسل " إما لأنهم كانوا من البراهمة المنكرين لكل الرسل ، أو لأن تكذيبهم لواحد تكذيب للجميع ، لأن من كذب رسولاً واحداً فقد كذب جميع الرسل . وقوله " أَغْرَقْنَاهُمْ " . قال الكلبي : أمطرنا عليهم السماء أربعين يوماً ، وأخرج ماء الأرض أيضاً في تلك الأربعين ، فصارت الأرض بحراً واحداً . " وَجَعَلْنَاهُمْ " أي : جعلنا إغراقهم وقصتهم " للناس آية " للظالمين أي : لكل من سلك سبيلهم ، " وأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمينَ " في الآخرة " عَذَاباً أَلِيماً " . قوله تعالى : { وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ } الآية ، " وعَاداً " فيه ثلاثة أوجه : أن يكون معطوفاً على " قَوْمِ نُوح " ، وأن يكون معطوفاً على مفعول " جَعَلْنَاهُمْ " وأن يكون معطوفاً على محل " لِلظَّالِمِينَ " لأنه في قوة وعدنا الظالمين بعذاب . قوله : " وأَصْحَابَ الرَّسِّ " فيه وجهان : أحدهما : ( أنه ) من عطف المغاير ، وهو الظاهر . والثاني : أنه من عطف بعض الصفات على بعض . والمراد بـ " أَصْحَابَ الرَّسِّ " ثمود ، لأن الرّسّ البئر التي لم تطو عن أبي عبيدة ، وثمود أصحاب آبار . وقيل : " الرَّسُّ " نهر بالمشرق ( وكانت قرى أصحاب الرس على شاطئ فبعث الله إليهم نبياً من أولاد يهودا بن يعقوب فكذبوه ، فلبث فيهم زماناً يشتكي إلى الله منهم ، فحفروا بئراً ورسوه فيها ، وقالوا : نرجو أن يرضى عنا إلهنا ، وكانوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم وهو يقول : إلهي ترى ضيق مكاني ، وشدة كربي ، وضعف قلبي ، وقلة صلتي فجعل قبض روحي حتى مات ، فأرسل الله ريحاً عاصفة شديدة الحر ، وصارت الأرض من تحتهم كبريتاً متوقداً ، وأظلتهم سحابة سوداء ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص ) ويقال : إنهم أناس عبدة أصنام قتلوا نبيهم ورسوه في بئر أي ؛ دسوه فيها وقال قتادة والكلبي : الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم وهو حنظلة بن صفوان وقيل : هم بقية ثمود قوم صالح ، وهم أصحاب البئر التي ذكر الله تعالى في قوله : { وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ } [ الحج : 45 ] . وقال كعب ومقاتل والسدي : الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيب النجار ، ورسوه في بئر ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة يس . وقيل : هم أصحاب الأخدود ، والرس هو الأخدود الذي حفروه . وقال عكرمة : هم قوم رسوا نبيهم في بئر . وقيل : الرس المعدن ، وجمعه رساس وروي عن علي - رضي الله عنه - : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة الصَّنَوْبَر وسموا أصحاب الرس ؛ لأنهم رسوا نبيهم في الأرض . وروى ابن جرير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " أن الله بعث نبياً إلى أهل قرية ، فلم يؤمن به من أهل القرية أحد إلا عبد أسود ، ثم إنهم حفروا للرسول بئراً وألقوه فيها ، ثم طبقوا عليها حجراً ضخماً ، وكان ذلك الرجل الأسود يحتطب ويشتري له طعاماً وشراباً ، ويرفع الصخرة ويدليه إليه ، فكان ذلك ما شاء الله فاحتطب يوماً ، فلما أراد أن يحملها وجد نوماً ، فاضطجع ، وضرب الله على أذنه تسع سنين ، ثم هَبّ واحتمل حزمته واشترى طعاماً وشراباً ، وذهب إلى الحفرة فلم يجد أحداً ، وكان قومه قد استخرجوه فآمنوا به ، وصدقوه ، وكان ذلك النبي يسألهم عن الأسود ، ويقول لهم إنه أول من يدخل الجنة " . قوله : ( " وقُروناً " ) أي : وأهلكنا قروناً كثيرة بين عاد وأصحاب الرس والقرون : جمع قرن ، قال عليّ - رضي الله عنه - : القرن أربعون سنة ، وهو قول النخعي . وقيل : مائة وعشرون سنة . وقيل غير ذلك . وتقدم الكلام عليه في سورة سبحان عند قوله : { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ } [ الإسراء : 17 ] . قوله : " بَيْنَ ذَلك " " ذلك " إشارة إلى من تقدم ذكره ، وهم جماعات ، فلذلك حسن دخول " بَيْنَ " عليه . وقد يذكر الذاكر بحوثاً ثم يشير إليها بذلك ، ويحسب الحاسب أعداداً متكاثرة ، ثم يقول : فذلك كيت وكيت ، أي ذلك المحسوب أو المعدود . قوله : " وكُلاً " يجوز نصبه بفعل يفسره ما بعده ، أي : وحذرنا أو ذكرنا ، لأنها في معنى ضربنا له الأمثال . ويجوز أن يكون معطوفاً على ما تقدم ، و " ضَرَبْنَا " بيان لسبب إهلاكهم . وأما " كُلاًّ " الثانية فمفعول مقدم . قوله : { ضَرَبْنَا لَهُ ٱلأَمْثَالَ } أي : الأشباه في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار . وقيل : بيَّنَّا لهم وأزحنا عللهم فلما كذبوا " تَبَّرْنَاهُمْ تَتْبِيرا " أي : أهلكناهم إهلاكاً . وقال الأخفش : كسرنا تكسيرا . قال الزجاج : كل شيء كسرته وفتَّتَّه فقد تَبَّرْته .