Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 40-42)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ ( مَطَرَ ٱلسَّوْءِ ) } الآية . أراد بالقرية قريات لوط ، وكانت خمس قرى ، فأهلك الله منها أربعاً ونجت واحدة ، وهي ( صقر ) كان أهلها لا يعملون العمل الخبيث . يعني أن قريشاً مَرُّوا مُرُوراً كثيراً إلى الشام على تلك القرى ، { ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ } أي : أهلكت بالحجارة من السماء ، { أفلم يكونوا يرونها } في مرورهم وينظروا إلى آثار عذاب الله ونكاله فيعتبروا ويتذكروا . قوله : " مَطَرَ السَّوْءِ " فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه مصدر على حذف الزوائد أي : أمطار السوء . الثاني : أنه مفعول ثان ؛ إذ المعنى : أعطيتها وأوليتها مطر السوء . الثالث : أنه نعت مصدر محذوف ، أي : أمطاراً مثل مطر السوء وقرأ زيد بن عليّ " مُطِرَتْ " ثلاثياً مبنياً ( للمفعول ) ، ومطر متعد قال : @ 3875 - كَمَنْ بِوَادِيهِ بَعْدَ المَحْلِ مَمْطُورُ @@ وقرأ أبو السمال " مطر السُّوء " بضم السين ، وتقدم الكلام على السوء والسوء في براءة . وقوله : { أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ } إنما عُدِّي ( أتى ) بـ ( على ) ، لأنه ضُمِّن معنى مرَّ . قوله : { بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً } في هذا الرجاء ثلاثة أوجه : أقواها ما قاله القاضي : وهو أنه محمول على حقيقة الرجاء ؛ لأن الإنسان لا يحتمل متاعب التكليف إلا رجاء ثواب الآخرة ، فإذا لم يؤمن بالآخرة لم يَرْجُ ثوابها فلا يتحمل تلك المشاق . وثانيها : معناه لا يتوقعون نشورا ، فوضع الرجاء موضع التوقُّع ؛ لأنه إنما يتوقع العاقبة من يؤمن . وثالثها : معناه : ( لا يخافون ) على اللغة التهامية . وهو ضعيف . قوله : " وإذَا رَأَوْكَ " الآية . لما بين مبالغة المشركين في إنكار نبوته بإيراد الشبهات بين بعد ذلك أنهم إذا رأوا الرسول اتخذوه هزواً ، ولم يقتصروا على ترك الإيمان به بل زادوا عليه بالاستهزاء والاستحقار ، ويقول بعضهم لبعض : { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } . قوله : " إِنْ يَتَّخِذُونَكَ " " إنْ " الأولى نافية ، والثانية مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينهما ، و " هُزُوًّا مفعول ثان ، ويحتمل أن يكون التقدير : موضع هُزْءٍ وأن يكون مهزوءاً بك . وهذه الجملة المنفية تحتمل وجهين : أحدهما : أنها جواب ( إذا ) الشرطية ، واختصت ( إذا ) بأن جوابها متى كان منفياً بـ ( ما ) أو ( إن ) أو ( لا ) لا تحتاج إلى الفاء بخلاف غيرها من أدوات الشرط فعلى هذا يكون قوله : " أَهَذَا الَّذي " في محل نصب بالقول المضمر ، وذلك القول المضمر في محل نصب على الحال ، أي : إن يتخذونك قائلين ذلك . والثاني : أنها جملة معترضة بين ( إذا ) وجوابها . وجوابُها هو ذلك القول المضمر المحكي به " أهذا الذي " والتقدير : وإذا رأوك قالوا أهذا الذي بعث ، فاعترض بجملة النفي ، ومفعول " بعث " محذوف هو عائد الموصول ، أي : بعثه . و " رسولاً " على بابه من كونه صفة فينتصب على الحال ، وقيل : هو مصدر بمعنى رسالة ، فيكون على حذف مضاف ، أي ذا رسول بمعنى رسالة ، أو يجعل نفس المصدر مبالغة ، أو بمعنى : مرسل . وهو تكلف . قوله : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } تقدم نظيره في سبحان . قوله : { لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا } جوابها محذوف ، أي : لضللنا عن آلهتنا . قال الزمخشري : و " لولا " في مثل هذا الكلام جار من حيث المعنى لا من حيث الصيغة مجرى التقيد للحكم ( المطلق ) . فصل قال المفسرون : إن أبا جهل كان إذا مر بأصحابه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مستهزءاً : { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً } " إنْ كَادَ " قد كاد " لَيُضِلُّنَا " أي : قد قارب أن يضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها أي : ( أي لو لم نصبر عليها ) انصرافا عنها ، { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } من أخطأ طريقاً . ( واعلم أن الله تعالى أخبر عن المشركين أنهم متى رأوا الرسول - عليه الصلاة والسلام - أتوا بنوعين من الأفعال . أحدهما : الاستهزاء ، فيقولون : { أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً } وذلك جهل عظيم ، لأن الاستهزاء إما أن يكون بصورته أو بصفته والأول باطل ، لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان أحسن منهم صورة وخلقة ) ، وبتقدير أنه لم يكن كذلك ، لكنه - عليه الصلاة والسلام - ما كان يدعي التميز عنهم بالصورة بل بالحجة . والثاني باطل ، لأنه - عليه الصلاة والسلام - ادَّعى التميز عليهم بظهور المعجز عليه دونهم ، وأنهم ما قدروا على القدح في حجته ، ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ، ثم إنهم لوقاحتهم قلبوا القضية ، واستهزءوا بالرسول ، وذلك يدل على ( أنه ليس للمبطل في كل الأوقات ) إلا السفاهة والوقاحة . والنوع الثاني : قولهم : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } فَسَمُّوا ذلك ضلالاً ، وذلك يدل على أنهم كانوا مبالغين في تعظيم آلهتهم ، ويدل على جده واجتهاده في صرفهم عن عبادة الأوثان فلهذا قالوا : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } ، وذلك يدل على أنهم كانوا مقهورين بالحجة ، ولم يكن في أيديهم إلا مجرد ( الوقاحة ) . قوله : " من أضل " جملة استفهامية معلقة بـ " يَعْلَمُون " فهي سادَّةٌ مسدّ مفعوليها إن كان على بابها ، ومسدّ واحد إن كانت بمعنى ( عرف ) . ويجوز في " من " أن تكون موصولة ، و " أَضَلَّ " خبر مبتدأ مضمر هو العائد على " من " تقديره : من هو أضل ، وإنما حذف للاستطالة بالتمييز ، كقولهم : ما أنا بالذي قائل لك سوءاً . وهذا ظاهر إن كانت متعدية لواحد ، وإن كانت متعدية لاثنين فيحتاج إلى تقدير ثان ولا حاجة إليه . فصل لما وصفوه بالإضلال في قولهم : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } بين تعالى أنه سيظهر لهم من المضل ومن الضال عند مشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه ، فقال : { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، وهذا وعيد شديد على التعامي والإعراض عن الاستدلال والنظر .