Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 25, Ayat: 43-44)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } الآية . " أَرَأَيْتَ " كلمة تصلح للإعلان والسؤال ، وههنا تعجب ممن هذا وصفه ونعته . وقوله : { مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } مفعولا الاتخاذ من غير تقديم ولا تأخير ، لاستوائهما في التعريف . وقال الزمخشري : فإن قلت : لم أخر " هَوَاهُ " والأصل قولك : اتخذ الهوى إلهاً . قلت : ما هو إلا تقديم المفعول الثاني على الأول للعناية ( به ) كما تقول : علمت منطلقاً زيداً لفضل عنايتك بالمنطلق . قال أبو حيان : وادعاء القلب ، يعني : أن التقديم ليس بجيد ، لأنه من ضرائر الأشعار . قال شهاب الدين : قد تقدم فيه ثلاثة مذاهب ، على أن هذا ليس من القلب المذكور في شيء إنما هو تقديم وتأخير فقط . وقرأ ابنُ هُرمز " إِلاَهَةً هَوَاهُ " على وزن فعالة ، والإِلهة بمعنى المَأْلُوه ، والهاء للمبالغة كـ " عَلاَّمَة وَنسَّابة ) . و " إِلاَهَةً " مفعول ثاني قدم لكونه نكرة ولذلك صرف . وقيل : إلاهة هي الشمس ، ورد هذا بأنه كان ينبغي أن يمتنع من الصرف للعلمية والتأنيث . وأجيب بأنها يدخل عليها ( أل ) كثيراً فلما نزعت منها صارت نكرة جارية مجرى الأوصاف . ويقال : أُلاهة بضم الهمزة للشمس وقرأ بعض المَدَنيِّين " آلِهَةً هَوَاهُ " جمعُ إله ، وهو أيضاً مفعول مقدم وجمع باعتبار الأنواع ، فقد كان الرجل يعبد آلهة شتى . ومفعول " أَرَأَيْتَ " الأول " مَنْ " والثاني الجملة الاستفهامية . فصل قال ابن عباس : الهوى إله يعبد . وقال سعيد بن جبير : كان الرجل من المشركين يعبد الحجر ، فإذا رأى حجراً أحسن منه طرح الأول وأخذ الآخر وعبده . { أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً } أي : حافظاً تحفظه من اتباع هواه ، أي لست كذلك ، ونظيره : { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } [ الغاشية : 22 ] { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } [ ق : 45 ] { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ } [ البقرة : 256 ] ، قال الكلبي : نسختها آية القتال . { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون } يسمعون ما تقول سماع طالب الإفهام ، أو يعقلون ما يعاينون من الحجج والأعلام . و " أم " هنا منقطعة بعنى : بل . { إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ } في عدم انتفاعهم بالكلام ، وعدم تدبرهم ، وتفكرهم ، بل هم أضل سبيلاً لأن البهائم تهتدي لمراعيها ومشاربها ، وتَنْقَاد لأربابها التي تتعهدها ، ( وتطلب ما ينفعها ، وتجتنب ما يضرها ، وقلوب الأنعام خالية عن العلم ، وعن الاعتقاد الفاسد ، وهؤلاء قلوبهم خالية عن العلم ومليئة من الاعتقاد والباطل ، وعدم علم الأنعام لا يضر بأحد ، وجهل هؤلاء منشأ للضرر العظيم ، لأنهم يصدون الناس عن سبيل الله ، والبهائم لا تستحق عقاباً على عدم العلم ، وهؤلاء يستحقون على عدم العلم أعظم العقاب ) ، وهؤلاء الكفار لا يعرفون طريق الحق ولا يطيعون ربهم الذي خلقهم ورزقهم ، ولأن الأنعام تسجد وتسبح الله ، وهؤلاء الكفار لا يفعلون فإن قيل : لم قال : { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ } فحكم بذلك على الأكثر دون الكل ؟ فالجواب : لأنه كان فيهم من يعرف الله ويعقل الحق إلا أنه ترك الإسلام لحبّ الرياسة لا للجهل . فإن قيل : إنه تعالى لما نفى عنهم السمع والعقل فكيف ذمهم على الإعراض عن الدين ، وكيف بعث الرسول إليهم ، فإن من شرط التكليف العقل ؟ فالجواب : ليس المراد أنهم لا يعقلون بل المراد أنهم لم ينتفعوا بذلك العقل ، فهو كقول الرجل لغيره إذا لم يفهم : إنما أنت أعمى وأصم .