Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 25, Ayat: 45-49)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ } الآية . لما بين جهل المعرضين عن دلائل التوحيد ، وبين فساد طريقهم ذكر أنواعاً من الدلائل الدالة على وجود الصانع ، فأولها الاستدلال بحال الظل في زيادته ونقصانه ، وتغير أحواله قوله : " ألم تر " فيه وجهان : أحدهما : أنه من رؤية العين . والثاني : أنه من رؤية القلب ، يعني : العلم ، فإن حملناه على رؤية العين ، فالمعنى : أَلَمْ تَرَ إلى الظل كيف مده ربُّك ، وإن حملناه على العلم وهو اختيار الزجاج ، فالمعنى : ألم تعلم ، وهذا أولى ، لأن الظل إذا جعلناه من المبصرات فتأثير قدرة الله في تمديده غير مرئي بالاتفاق ولكنه معلوم من حيث أن كل مبصر فله مؤثر ، فحمل هذا اللفظ على رؤية القلب أولى من هذا الوجه . وهذا الخطاب وإن كان ظاهره للرسول فهو عام في المعنى ، لأن المقصود بيان نعم الله تعالى بالظل ، وجميع المكلفين مشتركون في تنبيههم لهذه النعمة و " كَيْفَ " منصوبة بـ " مَدَّ " ، وهي معلقة لـ " تَرَ " فهي في موضع نصب ، وقد تقدم القول في { أَلَمْ تَرَ } [ البقرة : 243 ] . فصل الظل عبارة عن عدم الضوء مما شأنه أن يضيء ، وهو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، جعله ممدوداً ، لأنه ظل لا شمس معه ، كما قال في ظل الجنة { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ } [ الواقعة : 30 ] إذ لم يكن معه شمس ، { وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً } دائماً ثابتاً لا يزول ولا تذهبه الشمس . وقال أبو عبيدة : الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة ، والفيء ما نسخ الشمس . سمي فيئاً ، لأنه فاء من جانب المغرب إلى جانب المشرق ، { ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً } ، أي : على الظل دليلاً ، ومعنى دلالتها عليه أنه لو لم تكن الشمس لما عرفت الظل ، ولولا النور ما عرف الظلمة ، والأشياء تُعْرَفُ بأضدادها . قال الزمخشري : فإن قُلتَ : " ثم " في هذين الموضعين كيف موقعها قلت موقعها لبيان تفاضل الأمور الثلاث ، كأن الثاني أعظم من الأول ، والثالث أعظم منهما تشبيهاً لتباعد ما بينهما في الفضل بتباعد ما بينهما في الوقت . قوله : " ثُمَّ قَبَضْنَاهُ " يعني : الظل { إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } بالشمس التي تأتي عليه ، والقبض جمع المنبسط من الشيء ، معناه : أن الظل يعم جميع الأرض قبل طلوع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قبض الله الظل جزءاً فجزءاً " قَبْضاً يَسِيراً " أي : خفياً ، وقيل : المراد من قبضها يسيراً قبضها عند قيام الساعة ، وذلك قبض أسبابها ، وهي الأجرام التي تلقي الظلال . وقوله : " يَسِيراً " كقوله : { حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } [ ق : 44 ] قوله تعالى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِبَاساً } الآية . هذا هو النوع الثاني شبه الليل من حيث يستر الكل ويغطي باللباس الساتر للبدن ، ونبه على ( ما لنا فيه ) من النفع بقوله : " والنَّوْمَ سُباتاً " والسبات : هو الراحة ، أي : راحة لأبدانكم ، وقطعاً لعملكم ، وأصل السبت : القطع ، والنائم مسبوت ، لأنه انقطع عمله وحركته . قال أبو مسلم : السبات : الراحة ، ومنه يوم السبت ، لما جرت به العادة من الاستراحة فيه ، ويقال للعليل إذا استراح من تعب العلة مسبوت . وقال الزمخشري : السبات : الموت ، والمسبوت الميت ، لأنه مقطوع الحياة ، قال : وهذا كقوله : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِٱللَّيْلِ } [ الأنعام : 60 ] . وإنما قلنا إن تفسيره بالموت أولى من تفسيره بالراحة ، لأن النشور في مقابلته . { وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً } قال أبو مسلم : هو بمعنى الانتشار والحركة ، كما سمى تعالى نوم الإنسان وفاة فقال : { يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا } [ الزمر : 42 ] كذلك وفق بين القيام من النوم والقيام من الموت في التسمية بالنشور . قوله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَا } الآية . هذا هو النوع الثالث ، وقد تقدم الكلام على نظيرتها في الأعراف . { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } يعني : المطر ، { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً } قال الزمخشري : فإن قلت : إنزال الماء موصوفاً بالطهارة وتعليله بالإحياء والسقي يؤذن بأن الطهارة شرط في صحة ذلك كما تقول : حملني الأمير على فرس جواد لأصيد عليه الوحش . قلت : لما كان سقي الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصف بالطهارة إكراماً لهم ، وتتميماً للمنّة عليهم . وطهور : يجوز أن يكون صفة مبالغة منقولاً من ظاهر ، كقوله تعالى : { شَرَاباً طَهُوراً } [ الإنسان : 21 ] ، وقال : @ 3876 - إلى رُجَّحِ الأَكْفَالِ غِيدٌ مِنَ الصِّبَا عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورُ @@ وأن يكون اسم ما يتطهر به كالسحور لما يتسحَّر به ، والفطور لما يتفطَّر به ، قال عليه السلام في البحر : " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ " أراد به المطهر ، فالماء مطهر ، لأنه يطهر الإنسان من الحدث والنجاسة ، كما قال في آية أخرى { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } [ الأنفال : 11 ] فثبت أن التطهير مختص بالماء . ( وذهب أصحاب الرأي إلى أن الطهور هو الطاهر حتى جوزوا إزالة النجاسة بالمائعات الطاهرة كالخل وماء الورد ، والمرق ، ولو جاز إزالة النجاسة بها لجاز رفع الحدث بها . وقال عليه السلام : " التّراب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج " ولو كان معنى الطهور هو الطاهر لكان معناه التراب طاهر للمسلم ، وحينئذ لا ينتظم الكلام ، وكذا قوله عليه الصلاة والسلام : " طهور إناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسل سبعاً " ولو كان الطهور هو الطاهر لكان معناه : طاهر إناء أحدكم ، وحينئذ لا ينتظم الكلام ) . ويجوز أن يكون مصدراً كـ ( القبول والولوع ) . وقوله : " لِنُحْيِيَ بِهِ " فيه وجهان : أظهرهما : أنه متعلق بالإنزال . والثاني : وهو صعب أنه متعلق بـ ( طهور ) . ووصف " بَلْدَةً " بـ " مَيِّت " وهي صفة للمذكر ، لأنها بمعنى البلد . قوله : " وَنُسْقِيَهُ " العامة على ضمّ النون ، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية عنهما وأبو حيوة وابن أبي عبلة بفتحها ، وقد تقدم أنه قرئ بذلك في النحل والمؤمنون وتقدم الكلام ( على ذلك ) . قوله : " مِمَّا خَلَقْنَا " يجوز أن يتعلق " مِنْ " بـ " نُسْقِيَهُ " ، وهي لابتداء الغاية ، ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنها حال من " أَنْعَاماً " ، ونكرت الأنعام والأناسي ، ( قال الزمخشري ) : لأن علية الناس وجلهم مجتمعون بالأودية والأنهار ، فيهم غنية عن سقي الماء وأعقابهم وهم كثير منهم لا يعيشهم إلا ما ينزل الله من رحمته وسقيا ( سمائه ) . قوله : " وَأَنَاسِيَّ " فيه وجهان : أحدهما : وهو مذهب سيبويه أنه جمع إنسان ، والأصل إنسان ، وأناسين ، فأبدلت النون ياء ، وأدغمت فيها الياء قبلها نحو ظربان وظرابي . والثاني : وهو قول الفراء والمبرد والزجاج أنه جمع إنسي . وفيه نظر ، لأن فعالي إنما يكون جمعاً لما فيه ياء مشددة لا تدل على نسب نحو كرسي وكراسي ، فلو أريد بـ ( كرسي ) النسب لم يجز جمعه على كراسي ، ويبعد أن يقال : إن الياء في إنْسِيّ ليست للنسب ، وكان حقه أن يجمع على ( أناسية ) نحو مهالبة في المهلبي ، وأزارقة في الأزرقي . وقرأ يحيى بن الحارث الذماري والكسائي في رواية " وأناسِيَ " بتخفيف الياء . قال الزمخشري : بحذف ياء أفاعيل ، كقولك ( أناعم في أناعيم ) . قال الزمخشري : فإن قلت : لم قدم إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسي . قلت : لأن حياة الأناسي بحياة أرضهم وحياة أنعامهم ، فقدم ما هو سبب حياتهم ، ولأنهم إذا ظفروا بسقيا أرضهم ، وسقي أنعامهم لم يعدموا سقياهم فإن قيل : لم خص الإنسان والأنعام هاهنا بالذكر دون الطير والوحش مع انتفاع الكل بالماء ؟ فالجواب : لأن الطير والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام ، لأن حوائج الأناسي ومنافعهم متعلقة بها فكان الإنعام عليهم ( بسقي أنعامهم كالإنعام عليهم ) بسقيهم . وقال : " أَنَاسِيَّ كَثيراً " ولم يقل : كثيرين ، لأنه قد جاء فعيل مفرداً ويراد به الكثرة كقوله : { وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً } [ الفرقان : 38 ] { وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [ النساء : 69 ] .