Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 105-122)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ } الآيات . لما قصَّ على محمد - صلى الله عليه وسلم - خبر موسى وإبراهيم - عليهما السلام - تسلية له مما يلقاه من قومه قص عليه أيضاً نبأ نوح ، فقد كان نبؤه أعظم من نبأ غيره ، لأنه دعاهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ، ومع ذلك كذبه قومه . قوله : " كَذَّبَتْ " إنما أَنثَ فعل القوم لأنه مؤنث بدليل تصغير " القوم " على ( قُوَيْمَة ) وقيل : لأن القوم بمعنى أُمَّةٍ ، ولما كانت آحاده عقلاء ذكوراً وإناثاً عاد الضمير عليه باعتبار تغليب الذكور ، فقيل : لهم أخوهم . وحكى عنهم أنهم كذبوا المرسلين لوجهين : أحدهما : أنهم وإن كذبوا نوحاً لكن تكذيبه في المعنى يتضمن تكذيب غيره ، لأن طريقة معرفة الرسل لا تختلف من حيث المعنى ؛ لأن كل واحد من المرسلين جاء بما جاء به الآخر ، فلذلك حكى عنهم أنهم كذبوا المرسلين . وثانيهما : أن قوم نوح كذبوا جميع رسل الله ، إما لأنهم كانوا من الزنادقة أو من البراهمة . قوله : " أَخُوهُمْ " لأنه كان منهم ، من قول العرب : يا أخا بني تميم . يريدون يا واحداً منهم ، فهو أخوهم في النسب لا في الدين " أَلاَ تَتَّقُونَ " أي : عقاب الله ، فحذف مفعول ( تَتَّقُونَ ) . { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } أي : على الوحي ، وكان مشهوراً فيهم بالأمانة كمحمد - صلى الله عليه وسلم - في قريش ، فكأنه قال : كنتُ أميناً من قبل ، فكيف تتهمونني اليوم ؟ ثم قال : " فاتَّقُوا الله " بطاعته وعبادته " وأَطِيْعُون " فيما أمرتكم به من الإيمان والتوحيد ، { وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي : على ما أنا فيه من ادعاء الرسالة . لئلا يظن به أنه دعاهم رغبة في الدنيا ، ثم قال : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } . فإن قيل : فلماذا كرر الأمر بالتقوى ؟ فالجواب : لأنه في الأول أراد : ألا تتقون مخالفتي ، وأنا رسول الله ، وفي الثاني : ألا تتقون مخالفتي ولست آخذاً منكم أجراً ، فهو في المعنى مختلف ، ولا تكرار فيه ، وقد يقول الرجل لغيره : ألا تتقي الله في عقوقي وقد ربيتك صغيراً ، ألا تتقي الله وقد علمتك كبيراً . وإنما قدم الأمر بتقوى الله على الأمر بطاعته ، لأن تقوى الله علة لطاعته ، فقدم العلة على المعلول . قوله { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلأَرْذَلُونَ } " وَاتَّبَعَك " جملة حالية من كاف " لك " . قال الزمخشري : والواو للحال ، وحقها أن يضمر بعدها ( قد ) وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو حيوة : " وَأَتْبَاعُكَ " مرفوعاً جمع تابع " كَصَاحِبٍ وَأَصْحَاب " أو تَبيع كـ " شَرِيْف وأَشْرَاف " ، أو " تبع " كـ ( برم وأَبْرام ) وفي رفعه وجهان : أحدهما : أنه مبتدأ ، و " الأَرْذَلُونَ " خبره ، والجملة حالية أيضاً . والثاني : أنه عطف على الضمير المرفوع في " نُؤْمِنُ " ، وحسَّنَ ذلك الفصل بالجار ، و " الأَرْذَلُونَ " صفته . وقرأ اليمانيُّ : " وأَتْبَاعِكَ " بالجر عطفاً على الكاف في " ذَلِكَ " وهو ضعيف أو ممنوع عند البصريين ، وعلى هذا فيرتفع " الأَرْذَلُونَ " على خبر ابتداء مضمر ، أي : هم الأرذلون وقد تقدم مادّةُ " الأَرْذَلِ " في هود . فصل الرذالة : الخِسَّة والذِّلة ، وإنما استرذلوهم لاتّضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا . وقيل : كانوا من أهل الصناعات الخسيسة كالحياكة والحِجَامَة . وهذه الشبهة في غاية الركاكة ، لأن نوحاً - عليه السلام - بعث إلى الخلق كافة ، فلا يختلف الحال بسبب الفقر والغنى وشرف المكاسب وخستها ، فأجابهم نوح عنه بالجواب الحق ، وهو قوله : { وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي : ما أعلم أعمالهم وصنائعهم ، وليس عليّ من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء ، إنما كُلِّفت أن أدعوهم إلى الله ولي منهم ظاهر أمرهم . قوله : " وَمَا عِلْمِي " يجوز في " مَا " وجهان : أظهرهما : أنها استفهامية في محل رفع بالابتداء ، و " عِلْمِي " خبرها ، والباء متعلقة به . والثاني : أنها نافية ، والباء متعلقة بـ " علمي " أيضاً ، قاله الحوفي . ويحتاج إلى إضمار خبر ليصير الكلام به ( جملة ) . قوله : { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي } " إِنْ " نافية ، أي : ما حسابهم إلا على ربي ، ومعناه : لا نعتبر إلا الظاهر من أمرهم دون ما يخفى . قوله : " لَوْ تَشْعُرُوْن " جوابها محذوف ، ومفعول " تشعرون " أيضاً ، والمعنى " لَوْ تَشْعُرُونَ " تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم . قال الزجاج : الصناعات لا تَضُرُّ في الدِّيَانَاتِ . وقيل : معناه : إني لم أعلم أن الله يهديهم ويضلكم ، ويوفقهم ويخذلكم . وقرأ الأعرج وأبو زُرعة : " لَوْ يَشْعُرُونَ " بياء الغيبة ، هو التفات ، ولا يحسُنُ عَوْدُه على المؤمنين . قوله : { وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وذلك كالدلالة على أن القوم سألوه إبعادهم فبيّن أن الدين يمنعه عن طردهم ، وقد آمنوا به ، وبيَّن أن الغرض من تحمل الرسالة كونه نذيراً : فقال : { إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : إني أُخَوِّف من كذبني ولم يقبل مني ، فمن قبل فهو القريب ، ومن رد فهو البعيد ، فلما أجابهم بهذا الجواب لم يكن منهم إلا التهديد , فقالوا : { لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجومِينَ } . قال مقاتل والكلبي : من المقتولين بالحجارة . وقال الضحاك : من المشئومين . فعند ذلك حصل اليأس لنوح من فلاحهم ، وقال : { رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ } . وليس الغرض منه إخبار الله تعالى بالتكذيب لعلمه بأنه عالم الغيب والشهادة ، ولكنه أراد : لا أدعوك عليهم لما آذوني ، وإنما أدعوك لأجلك ولأجل دينك ولأنهم كذبوك في وحيك ورسالتك : { فَٱفْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً } أي : فاحكم بيني وبينهم . و " فَتْحاً " يجوز أن يكون مفعولاً به بمعنى المفتوح ، وان يكون مصدراً مؤكداً . والفَتَاحَةُ : الحكومة . والفَتَّاح : الحكم ، لأنه يفتح المستغلق . والمراد : إنزال العقوبة عليهم لقوله عقيبه : " وَنَجِّنِي " ، ولولا أن المراد إنزال العقوبة لما كان لذكر النجاة بعده معنى . قوله : " وَنَجِّنِي " المُنجَّى منه محذوف لفهم المعنى ، أي : مما يَحِلُّ بقومي ، و " مِنَ المُؤْمِنِينَ " بيان لقوله : " مَنْ مَعِيَ " . قوله : { فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } . قال الزمخشري : الفُلك : السفينة ، واحدها : فُلْك ، قال الله تعالى : { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ } [ النحل : 14 ] فالواحد بوزن ( قُفْل ) والجمع بوزن ( أًسْد ) وَالمَشْحُون : " المَمْلُوء المُوقَر " ، يقال : شَحَنَها عليهم خَيْلاً ورجَالاً أي ملأها والشَّحْنَاء : العداوة لأنهما تملأ الصدور إحناً . والفُلْك هنا مفرد بدليل وصفه بالمفرد ، وقد تقدم الكلام عليه في البقرة . فصل دلَّت الآية على أن الذين نجوا معه كان فيهم كثرة ، وأن الفلك امتلأ بهم وبما صحبهم من الحيوانات ، ثم إنه تعالى بعد أن نجاهم أغرق الباقين فقال : { ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَاقِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } .