Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 123-140)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ } الآية . الكلام في فاتحة هذه القصة كالكلام في فاتحة قصة نوح . وقوله : " تَعْبَثُون " جملة حالية من فاعل " تبنون " . والرِّيعْ - بكسر الراء وفتحها - : جمع " رِيْعَة " وهو في اللغة : المكان المرتفع ، قال ذو الرمّة . @ 3916 - طِـرَاقُ الخَـوَافِي مُشْـرِقٌ فَـوْقَ رِيْعَـةٍ نَـدَى لَيْـلِـهِ فِـي ريْشِـهِ يَتَـرَقْرَقُ @@ وقال أبو عبيدة : وهو الطريق ، وأنشد للمسيَّب بن علس يصف ظعناً : @ 3917 - فِي الآلِ يَخْفِضُهَا وَيَرفَعُهَا رِيْعٌ يَلُوْحُ كَأَنَّهُ سَحْلُ @@ والرَّيع - بالفتح - : ما يحصل من الخراج . فصل قال الوالبي عن ابن عباس : الرَّيْع : كل شرف . وقال الضحاك ومقاتل : بكل طريق وهو رواية العوفي عن ابن عباس . وعن مجاهد قال : هو الفج بين جبلين وعنه أيضاً أنه المنظر . و " الآية " : العَلَم . قال ابن عباس : كانوا يبنون بكل ريع علماً يعبثون فيه بمن يمر في الطريق إلى هود - عليه السلام - . وقيل : كانوا يبنون في الأماكن المرتفعة ليعرف بذلك غناهم ، فنهُوا عنه ، ونسبوا إلى العبث . وقال سعيد بن جبير ومجاهد : هي بروج الحمام ، لأنهم كانوا يلعبون بالحمام . قوله : { وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ } قال مجاهد : قصوراً مُشَيَّدة . وقال الكلبي : هي الحصون . وقال قتادة : مآخذ المآء يعني : الحياض , واحدتها مَصْنَعة . " لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُون " . العامة على تخفيفه مبنياً للفاعل . وقتادة : بالتشديد مبنياً للمفعول ، ومنه قور امرىء القيس : @ 3918 - وَهَـلْ يَنْعَمَـنْ إِلاَّ سَعِيْـدٌ مُخَلَّـدٌ قَلِيْـلُ الهُمُـوْم مَـا يَبيْـتُ بِـأَوْجَـال @@ و " لَعَل " هنا على بابها . وقيل : للتعليل . ويؤيده قراءة عبد الله : " كَيْ تَخْلِدُون " . وقيل : للاستفهام ، قاله زيد بن عليّ ، وبه قال الكوفيون . وقيل : معناه التشبيه ، أي : كأنكم تخلدون . ويؤيده ما في حرف أبيّ : " كَأَنَّكم تُخلدون " بضم التاء مخففاً ومشدداً . وقرىء : " كأَنَّكُم خَالِدُونَ " ولم يعلم من نص عليها أنها تكون للتشبيه . والمعنى : كأنكم تبقون فيها خالدين . قوله : " وَإِذَا بَطَشْتُم " أي : وإذا أردتم ، وإنما احتجنا إلى تقدير الإرادة لئلا يتحد الشرط والجزاء ، و " جَبَّارِين " حال . واعلم أن اتخاذ الأبنية العالية يدل على حب الدنيا ، واتخاذ المصانع يدل على حب البقاء ، والجبارية تدل على حب التفرد بالعلو ، وهذه صفات الإِلهية وهي ممتنعة الحصول للعبد ولما ذكر هود هذه الأشياء قال : { فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } زيادة في دعائهم إلى الآخرة ، وزجراً لهم عن حب الدنيا والاشتغال بالسرف والتجبر ، ثم وصل هذا الوعظ بما يؤكد القبول بأن نبههم على نعم الله تعالى عليهم فقال : { وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ [ بِمَا تَعْلَمُونَ } أي : أعطاكم من الخير ما تعلمون ، ثم فصل ذلك الإعطاء فقال ] : { أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } أي : بساتين وأنهار ، { إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ } . قال ابن عباس : " إِن عَصَيْتُمُوني " عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيم . قوله : " أَمَدَّكُم بأَنْعَام " فيه وجهان : أحدهما : أن الجملة الثانية بيان للأولى وتفسير لها . والثاني : أن " بأنعام " بدل من قوله : " بِمَا تَعْلَمُون " بإعادة العامل ، كقوله : { ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً } [ يس : 20 - 21 ] . قال أبو حيان : والأكثرون لا يجعلون هذا بدلاً وإنما يجعلونه تكريراً ، وإنما يجعلون بدلاً بإعادة العامل إذا كان حرف جر من غير إعادة متعلقه نحو : " مَرَرْتُ بزيد بأخيك " ولا يقولون : " مررت بزيد مررت بأخيك " على البدل . قوله : { أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ } معادلة لقوله : " أَوَعَظْتَ " . وإنما أتى بالمعادل كذا دون قوله : " أم لم تعظ " لتواخي الفواصل . وأبدى له الزمخشري معنى فقال : وبينهما فرق ، لأن المعنى : سواء علينا أفلعت هذا الفعل الذي هو الوعظ أم لم تكن أصلاً من أهله ومباشريه ، فهو أبلغ في قلة اعتدادهم بوعظه من قولك : " أم لم تعظ " . وقرأ العامة : " أَوَعَظْتَ " بإظهار الظاء قبل التاء . وروي عن أبي عمرو والكسائي وعاصم ، وبها قرأ الأعمش وابن محيصن بالإدغام . وهي ضعيفة ، لأن الظاء أقوى ، ولا يدغم الأقوى في الأضعف ، على أنه قد جاء من هذا في القرآن العزيز أشياء متواترة يجب قبولها نحو : " زُحْزِحَ عَنْ " و " لَئِنْ بَسَطْتَ " . فصل لما وعظهم ورغبهم وخوفهم أجابوه بقولهم : " سَوَاءٌ عَلَيْنَا " أي : مستو عندنا أوعظت أم لم تكن من الواعظين أظهروا قلة أكتراثهم بكلامه ، ثم قالوا : { إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ } . قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بفتح الخاء وسكون اللام ، أي : اختلاق الأولين وكذبهم ، كقوله : " وَتَخْلُقُونَ إفْكاً " والباقون بضمتين . فقيل : معناهما : الاختلاق ، وهو الكذب . وكذا قرأ ابن مسعود . وقيل : عادة الأولين من قبلنا حياة وموت هو خلق الأولين وعادتهم . وروى الأصمعي عن نافع ، وبها قرأ أبو قلابة ضم الخاء وسكون اللام ، وهي تخفيف المضمومة . ثم قالوا : { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } أظهروا بذلك تقوية نفوسهم فيما تمسكوا به من إنكار المعاد ، فعند هذا بين الله تعالى أنه أهلكهم ، وقد سبق بيان كيفية الهلاك .