Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 90-104)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ } أي : أن الجنة تكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويفرحون بأنهم المحشورون إليها . { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ } أي : أُظْهِرَت . وقرأ مالك بن دينار : " وبَرَزت " بفتح الباء والراء خفيفة مبنياً للفاعل مسنداً لـ " الجحيم " ، فلذلك رفع ، والمراد بـ " الغاوين " الكافرون . { وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ } : يمنعونكم من العذاب بنصرتهم ، أو ينفعون أنفسهم بانتصارهم . قوله : " فَكُبْكِبُوا " أي : أُلْقوا وَقُلِبَ بعضهم على بعض . قال الزمخشري : الكَبْكَبَة . تَكرِير الكبِّ ، جعل التكرير في اللفظ دليلاً على التكرير في المعنى . وقال ابن عطية نحواً منه ، قال : وهو الصحيح ، لأن تكرير الفعل بَيِّنٌ نحو : صَرَّ وَصَرْصَرَ ، وهذا هو مذهب الزجاج . وفي مثل هذا البناء ثلاثة مذاهب : أحدها : هذا . والثاني : وهو مذهب البصريين أن الحروف كلها أصول . والثالث : وهو قول الكوفيين : أن الثالث مبدل من مثل الثاني : فأصل " كَبْكَبَ " : كَبَّبَ ، بثلاث باءات ، ومثله " لَمْلَمَ ، وَكَفْكَفَ " ، هذا إذا صح المعنى بسقوط الثالث ، فأما إذا لم يصح المعنى بسقوطه كانت كلها أصولاً من غير خلاف نحو : " سِمْسِم ، وخِمْخِم " . وواو " كُبْكِبُوا " قيل : للأَصنام ، إجراء لها مجرى العقلاء . وقيل : ( لعابديها ) . فصل قال ابن عباس : جمعوا . وقال مجاهد : دُهْوِرُوا . وقال مقاتل : قذفوا وقال الزجاج : طُرِحَ بعضُهم على ( بعض ) . وقال القتيبي : أُلْقُوا على رؤوسهم { هُمْ والغَاوُوْن } يعني : الشياطين ، قاله قتادة ومقاتل . وقال الكلبي : كَفَرَةُ الجن . { وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ } أتباعه من الجن والإنس . وقيل : ذريته . قوله : { وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } جملة حالية معترضة بين القول ومعموله ومعمول الجملة القسمية . قوله : { إِن كُنَّا لَفِي } . مذهب البصريين : أن " إن " مخففة ، واللام فارقة . ومذهب الكوفيين : أن " إن " نافية ، واللام بمعنى " إلا " . فصل المعنى : قال الغاوون للشياطين والمعبودين { وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ } مع المعبودين ، ويجادل بعضهم بعضا : { تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } يذكرون ذلك حين يروا صورها على وجه الاعتراف ( بالخطأ العظيم وعلى ) وجه الندامة لا على وجه المخاطبة ، لأنها جماد لا تخاطب ، وأيضاً فلا ذَنْبَ لها بأن عَبَدها غيرها . ومما يدل على أن ذلك ليس بخطاب لها في الحقيقة قولهم : { وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلاَّ ٱلْمُجْرِمُونَ } قوله : " إِذْ نُسَوِّيكُمْ " . " إِذْ " منصوب إمَّا بـ " مُبِينٍ " , وإما بمحذوف , أي : ضلَلْنَا في وقت تَسْوِيتنا لَكُم بالله في العبادة . ويجوز على ضعف أن يكون معمولاً لـ " ضَلاَلٍ " والمعنى عليه إلا أن ضعفه صِنَاعِيّ وهو أن المصدر الموصوف لا يعمل بعد وصفه . فصل " نُسَوِّيكُمْ " نَعْدِلُكُم " بِربِّ العَالَمِينَ " فنعبدكم , " وَمَا أَضَلَّنَا " : دعانا إلى الضلال " إِلاَّ المُجْرِمُونَ " . قال مقاتل : يعني الشياطين . وقال الكلبي : إلا أولونا الذين اقتدينا ( بهم ) . قوله : { فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ } أي : من يشفع لنا ؟ كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين والمؤمنين , " وَلاَ صَدِيقٍ " وهو الصادق في المودة بشرط الدين . قال جابر بن عبد الله : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَقُولُ فِي الجَنَّةِ : ما فَعَلَ صَدِيقي فُلان ؟ وصَديقُه في الجحيم , فَيَقُولُ الله تعالى : أخْرِجُوا لَهُ صَدِيقَهُ إلى الجَنَّة . فيقول مَنْ بَقِيَ : فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ " . قال الحسن : " استكثروا من الأصدقاء المؤمنين , فإن لهم شفاعة يوم القيامة " والحميم : القريب , من قولهم : حامة فلان , أي : خاصته . وقال الزمخشري : الحميم : من الاحتمام , وهو الاهتمام أو من الحامة وهي الخاصة , وهو الصديق الخالص والنفي هنا يحتمل نفي الصديق من أصله , أو نفي صفته فقط , فهو من باب : @ 3914 - عَلَـى لاَحِـبٍ لاَ يُهْتَـدَى بِمَنَـارِهِ @@ و " الصديق " يحتمل أن يكون مفرداً وأن يكون مستعملاً للجمع , كما يستعمل العَدو لَهُ , فيقال : هم صديق , وهم عدو , وقد تقدم . وإنما جمع " الشافعين " ووحَّد " الصديق " لكثرة الشفعاء في العادة وقله الصديق . قوله : { فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } لَوْ يجوز أن تكون المُشرَبَة معنى التمني , فلا جواب لها على المشهور , ويكون نصب " فَنَكُونَ " جواباً للتمني الذي أَفْهَمتهُ " لَوْ " ويجوز أن تكون على بابها , وجوابها محذوف , أي : لوَجَدْنا شفعاء وأصدقاء , أو لعملنا صالحاً وعلى هذا فنصب الفعل بـ " أن " مضمرة عطفاً على " كرة " أي : لو أنَّ لَنَا كَرَّةً ( فكوناً ) كقولها : @ 3915 - لَلُبْسُ عَبَـاءَةٍ وَتَقَـرَّ عَيْنِـي @@ فصل قال الجبائي : قولهم : { فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ليس بخبر عن إيمانهم , لكنه خبر عن عزمهم , لأنه لو كان خبراً عن إيمانهم لوجب أن يكون صدقاً , لأن الكذب لا يقع من أهل الآخرة , وقد أخبر الله تعالى بخلاف ذلك في قوله : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] وقد تقدم في سور الأنعام بيان فساد هذا الكلام . قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً } أي : فيما ذكره من قصة إبراهيم - عليه السلام - لآية لمن يريد أن يستدل بذلك ثم قال : { وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ } حمله أكثر المفسرين على ( قوم إبراهيم , ثم بين تعالى أن مع كل هذه الدلائل فأكثر قومه لم يؤمنوا به , فيكون هذا تسلية للرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يجده ) من تكذيب قومه . { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } أي : أنه قادر على تعجيل الانتقام لكنه رحيم بالإمهال لكي يؤمنوا .