Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 10-11)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } الآية . العامل في " إذْ نَادَى " مضمر ، فقدره الزجاج : اتْلُ . وقدره غيره : اذكر . واختلف في النداء الذي سمعه موسى - عليه السلام - من الله تعالى ، فقيل : هو الكلام القديم ، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه سائر الذوات مع أن الدليل دل على أنها معلومة ومرتبة ، فكذا كلامه منزه عن مشابهة الحرف والصوت مع أنه مسموع وقيل : كان نداء من جنس الحروف والأصوات . وقالت المعتزلة : كان ذلك النداء حروفاً وأصواتاً علم به موسى من قبل الله تعالى فصار معجزاً ، علم به موسى أن الله تعالى مخاطب له فلم يحتج مع ذلك إلى واسطة . قوله : { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } . يجوز أن تكون " أَنْ " مفسِّرة ، وأن تكون مصدرية ، أي : بأن . قوله : " قَوْمَ فِرْعَوْنَ " . بدل أو عطف بيان لـ " القَوْمَ الظَّلِمِينَ " . وقال أبو البقاء : إنه مفعول ( تَتَّقُونَ ) على قراءة من ( تَتَّقُونَ ) بالخطاب وفتح النون ، كما سيأتي . ويجوز على هذه القراءة أن يكون منادى . قوله : " أَلاَ يَتَّقُونَ " . العامة على الياء في " يَتَّقُونَ " وفتح النون ، والمراد قوم فرعون ، والمفعول محذوف ، أي : يتقون عقابي ، [ وقرأ عبد الله بن مسلم بن يسار ، وحماد ، وشقيق بن سلمة بالتاء من فوق على الالتفات ، خاطبهم بذلك توبيخاً ] والتقدير : يا قوم فرعون . وقرأ بعضهم : " يَتَّقُونِ " بالياء من تحت ، وكسر النون ، وفيها تخريجان : أحدهما : أن " يَتَّقُونِ " مضارع ، ومفعوله ياء المتكلم اجتزئ عنها بالكسرة . والثاني : جوّزه الزمخشري ، أن تكون " يا " للنداء ، و " اتَّقُونِ " فعل أمر ، كقوله : " أَلاَ يَا اسْجُدُواْ " أي : يا قوم اتقون ، أو يا ناس اتقون . وسيأتي تحقيق مثل هذا في السورة تحتها . وهذا تخريج بعيد . وفي هذه الجملة وجهان : أحدهما : أنها مستأنفة لا محل لها من الإعراب . وجوّز الزمخشري أَن تكون حالاً من الضمير في " الظَّالمِينَ " أي : يظلمون غير متَّقين اللَّهَ وعقابَه ، فأُدخلت همزةُ الإنكار على الحال . وخطأه أبو حيان من وجهين : أحدهما : أنه يلزم عنه الفصل بين الحال وعاملها بأجنبي منهما ، فإن أعرب " قَوْمَ فِرْعَوْنَ " عطف بيان لـ " القَوْمَ الظَّالمينَ " . والثاني : أنه على تقدير تسليم ذلك لا يجوز أيضاً ؛ لأن ما بعد الهمزة لا يعمل فيما قبلها ، قال : وقولك : ( جئتُ أمسرعاً ) ، إن جعلت ( مسرعاً ) معمولاً لـ ( جئت ) لم يجز ، فإن أضمرت عاملاً جاز . والظاهر أن " أَلاَ " للعرض . وقال الزمخشري : إنها ( لا ) النافية ، دخلت عليها همزة الإنكار . وقيل : هي للتنبيه . فصل قوله : { وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ } حين رأى الشجرة والنار { أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمينَ } أي : الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية ، فحكم عليهم بالظلم من وجهين : الأول : ظلموا أنفسهم بكفرهم . والثاني : ظلمهم بني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب . " قَوْمَ فِرْعَوْنَ " عطف " قَوْمَ فِرْعَوْنَ " على " القَوْمَ الظَّالِمينَ " فهما يدلان لفظاً على معنى واحد . " أَلاَ يَتَّقُونَ " أي : يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته . ومن قرأ " تَتَّقُونَ " بالخطاب فعلى الالتفات إليهم وصرف وجوههم بالإنكار والغضب عليهم ، كمن يشكو من جناية والجاني حاضر ، فإذا اندفع في الشكاية ، وحمي غضبه قطع بأنه يخاطب صاحبه ، وأقبل على الجاني يوبخه ويعنفه ويقول له : ألم تتق الله ؟ ألم تستحي من الناس ؟ فإن قيل : فما الفائدة في هذا الالتفات والخطاب مع موسى - عليه السلام - في وقت المناجاة ، والملتفت إليهم غائبون لا يشعرون ؟ . قلنا : أجري ذلك في تكليم المرسل إليهم معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم ، لأنه مبلغهم ، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى ، وكم من آية نزلت في الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين تدبراً بها ، واعتباراً بمواردها .