Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 18-22)
Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } . اعلم أن في الكلام حذفاً ، وهو أنهما أتياه وقالا ما أمر الله به ، فعند ذلك قال فرعون ما قال . روي أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب : إن هنا إنساناً يزعم أنه رسول رب العالمين . فقال : ائذن له لعلنا نضحك منه ، فأديا إليه الرسالة ، فعرف موسى ، فعدد عليه نعمه أولاً ثم إساءة موسى إليه . أما النعم فهي قوله : { أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً } والوليد : الصبي ، لقرب عهده من الولادة . وقيل : الغلام ، تسيمة له بما كان عليه . و " وَلِيداً " حال من مفعول [ نُرَبِّك ] ، وهو فعيل بمعنى مفعول . قوله { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } قرا أبو عمرو في رواية بسكون الميم " عُمْرِكَ تخفيفاً لـ " فُعُل " ، و " مِنْ عُمْرِكَ " حال من " سِنِينَ " . قيل : لبث عندهم ثلاثين سنة ، وقيل : وكَز القبطي ، وهو ابن اثنتي عشرة سنة قوله " وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ " . قرأ الشعبي : " فِعْلَتَكَ " بالكسر على الهيئة ، لأنها نوع من القتل ، وهي الوَكْزَةُ { وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } . يجوز أن يكون حالاً . قال ابن عباس : أي : وأنت من الكافرين لنعمتي أي : وأنت إذ ذاك ممن تكفرهم الساعة ، وقد افترى عليه أو جهل أمره ؛ لأنه كان يعاشرهم بالتَّقيَّة ، فإن الكفر غير جائز على الأنبياء قبل النبوة . ويجوز أن يكون مستأنفاً ، ومعناه وأنت ممن عادته كفران النعم ، ومن كانت هذه حاله لم يستبعد منه قتل خواص ولي نعمه . وقيل : " مِنَ الكَافِرينَ " بفرعون وإلاهيَّته ، أو من الذين يكفرون في دينهم ، فقد كانت لهم آلهة يعبدونها بدليل قوله : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } [ الأعراف : 127 ] قوله : { قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } . " إذاً " هنا حرف جواب فقط . قال الزمخشري : إنها جوابٌ وجزاءٌ معاً قال : فإِنْ قُلْتَ : ( إذاً ) حرف جواب وجزاءً معاً ، والكلام وقع جواباً لفرعون ، فكيف وقع جزاء ؟ قلت : قول فرعون : " وفَعَلْتَ فَعْلتكَ " فيه معنى أنك جازيت نعمتي بما فعلت ، فقال له موسى : نعم فعلتها مجازياً لك تسليماً لقوله ، كأن نعمته كانت عنده جديرة بأن تُجَازَى بنحو ذلك الجزاء . قال أبو حيان : وهذا مذهب سيبويه ، يعني : أنها للجزاء والجواب معاً ، قال : ولكن شراح الكتاب فهموا أنها قد تتخلف عن الجزاء ، والجواب معنى لازم لها . فصل واعلم أن فرعون عدد عليه نعمه من تربيته وتبليغه مبلغ الرجال ، ووبخه بما جرى على يده من قتل أجناده ، وعظم ذلك بقوله : { وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِي فَعَلْتَ } . ولما ذكر فرعون التربية ذكر القتل ، وكانت تربيته معلومة ما أنكرها موسى - عليه السلام - وقد تقرر في العقول أن الرسول إلى الغير إذا كان معه معجزة وحجة لم يتغير حاله بأن يكون المرسل إليه أنعم عليه أو لم ينعم ، صار قول فرعون غير مؤثر فالإعراض عنه أولى ، ولكن أجاب عن القتل بما لا شيء أبلغ منه في الجواب ، فقال : { فَعَلْتُهَآ إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } أي : من الجاهلين ، أي : لم يأتني من عند الله شيء ، أو من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله ، لأنه وكزه تأديباً ، ومثل ذلك ربما حَسُن . وقيل : من المخطئين ، فبين أنه فعله على وجه لا تجوز المؤاخذة به ، فيعد كافراً لنعمه . قوله : { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } . العامة على تشديد ميم " لَمَّا " وهي " لَمَّا " التي هي حرف وجوب عند سيبويه . أو بمعنى " حِينَ " عند الفارسي . وروي عن حمزة بكسر اللام وتخفيف الميم ، أي : لِتَخَوُّفِي مِنْكُمْ ، و " ما " مصدرية . وهذه القراءة تشبه قراءته في " آل عمران " : { لَمَآ آتَيْتُكُم } [ آل عمران : 81 ] . وقد تقدمت مستوفاة . ( قال الزمخشري : إنما جمع الضمير في " مِنْكُمْ " و " خِفْتُكُمْ " مع إفراده في " تَمُنُّهَا " و " عَبَّدْتَ " ، لأن الخوف والفرار لم يكونا منه وحده ، ولكن منه ومن ملئه المؤتمرين بقتله لقوله : { إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [ القصص : 20 ] ، وأما الامتنان والتعبد فمنه وحده ) . فصل والمعنى : إني فعلت ذلك الفعل وأنا ذاهل عن كونه مهلكاً ، وكان مني في حكم السهو ، فلم أستحق التخويف الذي يوجب الفرار ، ومع ذلك فررت منكم لما خفتكم عن قولكم : { إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } [ القصص : 20 ] فبين بذلك ألاّ نعمة له عليه في الفعلة ، بل بأن يكون مسيئاً فيه أقرب . فصل وقد ورد لفظ " الفرار " على أربعة : الأول : بمعنى الهرب ، كهذه الآية ، ومثله { لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ } [ الأحزاب : 16 ] . الثاني : بمعنى الكراهية ، قال تعالى : { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ } [ الجمعة : 8 ] أي : تكرهونه . الثالث : بمعنى اشتغال المرء بنفسه ، قال تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } [ عبس : 34 - 35 ] أي : لا يلتفت إليهم ، لاشتغاله بنفسه . الرابع : بمعنى التباعد ، قال تعالى : { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } [ نوح : 6 ] أي : تباعداً . ثم بين نعم الله عليه بعد الفرار ، فكأنه قال : أسأتم وأحسن الله إليَّ بأن وهب لي حكماً . قرأ عيسى : " حُكُماً " بضم الكاف إتباعاً . والمراد بالحكم : العلم والفهم ، قاله مقاتل : وقيل : النبوة . والأول أقرب ، لأن المعطوف غير المعطوف عليه ، والنبوة مفهومة من قوله : { وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . قوله : " وَتِلْكَ نِعْمَةٌ " فيه وجهان : أحدهما : أنه خبر على سبيل التهكم ، أي : إنْ كَانَ ثمَّ نعمة فليست إلاَّ أنك جعلت قومي عبيداً لك . وقيل : " ثَمَّ " حرف استفهام محذوف لفهم المعنى ، أي : " أَوَ تِلْكَ " ، وهذا مذهب الأخفش ، وجعل من ذلك : @ 3898 - أَفْـرَحُ انْ أُرْزَأَ الـكِـرَامَ @@ وقد تقدم هذا مشبعاً في النساء عند قوله : { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [ النساء : 79 ] وفي غيره . قوله : " أَنْ عَبَّدْتَ " فيه أوجه : أحدها : أنه في محل رفع عطف بيان لـ " تِلْكَ " كقوله : { وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ } [ الحجر : 66 ] . الثاني : أنها في محل نصب مفعولاً من أجله . الثالث : أنها بدل من " نِعْمَة " . الرابع : أنها بدل من هاء " تَمُنُّهَا " . الخامس : أنها مجرورة بباء مقدرة ، أي : بأَنْ عَبَّدْتَ . السادس : أنها خبر مبتدأ مضمر ، أي : هي أن عَبَّدْتَ . السابع : أنها منصوبة بإضمار " أعني " والجملة من " تَمُنُّهَا " صفة لـ " نِعْمَة " و " تَمُنُّ " يتعدى بالباء ، فقيل : هي محذوفة ، أي : تَمُنُّ بها . وقيل : ضُمِّنَ " تَمُنُّ " معنى " تَذْكُرُ " . ويقال : عبّدت الرجل وأعبدته وتعبدته واستعبدته : [ إذا اتخذته عبداً ] . فصل اختلفوا في تأويل " أَنْ عَبَّدْتَ " : فحملها بعضهم على الإقرار ، وبعضهم على الإنكار . وعلى كلا القولين فهو جواب لقوله : { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا } [ الشعراء : 18 ] . فمن قال : هو إقرار ، قال : عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل ، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل ، أي : بلى و { تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ } وتركتني فلم تستعبدني . ومن قال : هو إنكار قال : قوله : " وَتِلْكَ نِعْمَةٌ " هو على طريق الاستفهام ، كما تقدم في إعرابها ، يعني : أَوَ تِلْكَ نعمة ، فحذفت ألف الاستفهام ، كقوله : { فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } [ الأنبياء : 34 ] وقال الشاعر : @ 3899 - تَـرُوحُ مِنَ الحَـيِّ أَمْ تَبْتَكِـرْ وَمَاذَا يَضِيـرُكَ لَـوْ تَنْتَظِـرْ @@ أي : أتروح من الحي ، وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة : @ 3900 - لَـمْ أَنْـسَ يَـوْمَ الرَّحِيـلِ وَقْفَتِهَـا وَطَرْفُهَـا فِـي دُمُوعِهَـا غَـرِقُ وَقَـوْلَهَـا والرِّكـابُ واقِفَـةٌ تَتْرُكُنِـي هكَـذَا وَتَنْطَـلِقُ @@ أي : أتتركني . يقول : تمنّ عليَّ أن ربيتني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستعباد والمعاملة القبيحة . أو يريد : كيف تَمُنُّ عليَّ بالتربية ، وقد استعبدت قومي ؟ ومن أُهين قومه ذلّ ، فتعبّدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ . وقال الحسن : إنك استعبدت بني إسرائيل ، فأخذت أموالهم وأنفقت منها عليَّ فلا نعمة لك بالتربية . وقيل : إن الذي تولى تربيتي هم الذين استعبدتهم فلا نعمة لك عليَّ ، لأن التربية كانت من قبل أمي ومن قومي ، ليس لك إلا مجرد الاسم ، وهذا ما يعدّ إنعاماً . وقيل : معناه : تَمُنَّ عليَّ بالتربية وأنت لولا استعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم لما دُفِعْتُ إليك حتى ربيتني وكفلتني ، فإنه كان لي من أهلي من يربِّيني ويكفلني ، ولم يلقوني في اليمِّ ، فأيّ نعمة لك عليَّ . وقيل : معناه أنك تدَّعي أن بني إسرائيل عبيدك ، ولا مِنَّة للمولى على العبد في تربيته .