Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 210-213)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ ٱلشَّيَاطِينُ } . العامة على الياء ورفع النون ، وهو جمع تكسير . وقرأ الحسن البصري وابن السميفع والأعمش بالواو مكان الياء والنون مفتوحة ، إجراء له مجرى جمع السلامة وهذه القراءة ( قَدْ ردَّها ) جمع كثير من النحويين . قال الفراء : غلط الشَّيخ ، ظنَّ أنَّها النون التي على هجائين . فقال النضر بن شميل : إن جاز أن يحتجَّ بقول العجاج ورؤبة فهلا جاز أن يحتجَّ بقول الحسن وصاحبه - يعني : محمد بن السميفع - مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ به إلاَّ وقد سمعا فيه . وقال النحاس : هو غلظ عند جميع النحويين . وقال المهدوي : هو غير جائز في العربية . وقال أبو حاتم : هي غلطٌ منه أو عليه . وقد أثبت هذه القراءة جماعة من أهل العلم ودفعوا عنها الغلط ، فإنَّ القارىء بها من العلم بمكان مكينٍ . وأجابوا عنها بأجوبة صالحة . فقال النضر بن شميل : قال يونس بن حبيب : سمعت أعرابياً يقول : دخلت بساتين من ورائها بَسَاتُون . فقلت : ما أشبه هذا بقراءة الحسن . وخرَّجها بعضهم على أنها جمع ( شَيَّاطٍ ) بالتشديد ، مثال مبالغة . مثل : ( ضَرَّاب وقَتَّال ) على أن يكون مشتقاً من : شَاطَ يَشِيطُ ، أي : أُحرق ، ثم جُمِع جمع سلامة مع تخفيف الياء ، فوزنه : ( فَعَالُونَ ) مخففا من ( فَعَّالِينَ ) بتشديد العين . ويدل على ذلك أنَّهما وغيرهما قرءوا بذلك ، أعني : بتشديد الياء ، وهذا منقول عن مؤرج السَّدوسيّ . ووجَّهها آخرون بأنَّ ( آخره لما ) كان يشبه يبرين ، وفلسطين ، أجري إعرابه تارة على النون ، وتارة بالحرف ، كما قالوا : هذه يبرين وفلسطين ويبرون وفلسطون ، وتقدم القول في ذلك في البقرة . والهاء في " بِه " تعود على القرآن . وجاءت هذه الجمل الثلاثة منفية على أحسن ترتيب ، نَفَى أوَّلاً تنزيل الشياطين به ، لأنَّ النفي في الغالب يكون في الممكن ، وإن كان الإمكان هنا منتفياً ثم نفى ثانياً ابتغاء ذلك ، أي : ولو فرض الإمكان لم يكونوا أهلاً له . ثم نفى ثالثاً الاستطاعة والقدرة ، ثم ذكر علة ذلك وهي انعزالهم عن السماع من الملأ الأعلى ، لأنهم يرجمون بالشهب لو ( تَسَمَّعُوا ) . فصل لما احتج على صدق محمد - عليه السلام - بكون القرآن تنزيل رب العالمين ، لوقوعه في الفصاحة القصوى ، ولاشتماله على قصص المتقدمين من غير تفاوت ، مع أنه - عليه السلام - لم يتعلم من أحد ، وكان الكفار يقولون : هذا من إلقاء الجنّ والشياطين كسائر ما ينزل به على الكهنة ، فأجاب الله تعالى بأنَّ ذلك لا يتسهل للشياطين ، لأنهم معزولون عن استماع كلام اهل السماء برجمهم بالشهب . فإن قيل : العلم بكون الشياطين ممنوعين عن ذلك لا يحصل إلا بخبر النبي الصادق فإذا أثبتنا كون محمد - عليه السلام - صادقاً بفصاحة القرآن ، وإخباره عن الغيب ، ولا يثبت كون الفصاحة والإخبار عن الغيب معجزاً إلا إذا ثبت كون الشياطين ممنوعين عن ذلك . ( فلزم الدور . فالجواب : لا نسلم أن العلم بكون الشياطين ممنوعين عن ذلك ) لا يستفاد إلا من قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأنا نعلم بالضرورة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كان يلعن الشياطين ، ويأمر الناس بلعنهم ، فلو كان ذلك إنما حصل من إلقاء الشياطين لكان الكفار أولى بأن يحصل لهم مثل هذا العلم ، فيجب أن يكون اقتدار الكفار على مثله أولى . ولما لم يكن كذلك علمنا أن الشياطين ممنوعون ، لأنهم معزولون عن تعرف الغيوب . ثم إنه تعالى لما ذكر هذا الجواب خاطب الرسول - عليه السلام - فقال : { فَلاَ تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ } . قال ابن عباس : يحذر به غيره ، يقول : أنت أكرم الخلق عليَّ ولو اتخذت إلهاً غيري لعذبتك . وقوله : " فَتَكُونَ " منصوب في جواب النهي .