Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 214-220)

Tafsir: al-Lubāb fī ʿulūm al-kitāb

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } . روى عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم - { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا عليّ ، إنَّ اللَّه أمرني أَنْ أنذر عشيرتي الأقربين ، وضقت بذلك ذرعاً ، وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال : يا محمد : إلاَّ تفعل ما تؤمر يعذبك ربك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عُسَّا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به " . ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له وهم يؤمئذٍ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً او ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب ، فلما اجتمعوا دعاني بالطعام الذي صنعت ، فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جَذْبَةً من اللحم ، فشقها بأسنانه ، ثم ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم قال : خذوا باسم الله ، فأكل القوم حتى ما لهم بشيء حاجة ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال : اسْقِ القومَ . فجئت بذلك العُسْ فشربوا حتى رووا جميعاً ، وأيم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكلمهم بَدَرهُ أبو لهب فقال : سحركم صاحبكم : فتفرق القوم ، ولم يكلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : الغد يا علي ، إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول ، فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فأعدّ لنا من الطعام مثل ما صنعت ثم اجمعهم ففعلت ، ثم دعاني بالطعام فقدمته ، ففعل كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا ، ثم تكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا بني عبد المطلب : إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه ، فإيكم يؤازرني على أمري ويكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ؟ فأحجم القوم عنها جميعاً ، فقلت وأنا أحدثهم سنّاً : أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه ، قال : فأخذ برقبتي ثم قال : إنَّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب . قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع " . وعن ابن عباس قال : " لما نزلت : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صَبَاحَاه ، فقالوا : من هذا ؟ فاجتمعوا إليه ، فقال : " أرأيتم إنْ أَخبرتكم أن خَيْلاً تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مُصَدِّقِيَّ " ؟ قالوا : ما جَرَّبْنَا عليك كذباً . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبّاً لك ما جمعتنا إلا لهذا ، ثم قام ، فنزلت { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ } [ المسد : 1 ] " . قوله : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ } : ألن جانبّك { لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . واعلم أن الطائر إذا أراد أن ينحط كسر جناحه وخفضه ، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه ، فجعل خفض الجناح كناية عن التواضع ولين الجانب . قوله : " فِإِنْ عَصَوْكَ " : في هذه الواو وجهان : أحدهما : أنها ضمير الكفار ، أي : فإن عصاك الكفار في أمرك لهم بالتوحيد . والثاني : أنها ضمير المؤمنين ، أي : فإن عصاك المؤمنون في فروع الإسلام وبعض الأحكام بعد تصديقك والإيمان برسالتك ، وهذا في غاية البعد { فَقُلْ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ } ( من الكفر وعبادة غير الله ) . فصل قال الجُبَّائيّ : هذا يدل على أنه - عليه السلام - كان بريئاً من معاصيهم ، وذلك يوجب أن الله تعالى أيضاً بريء من عملهم كالرسول ، وإلا كان مخالفة لله ، كما لو رضي عن شخص فإن الله راضٍ عنه ، وإذا كان تعالى بريئاً من عملهم فلا يكون فاعلاً له . والجواب : أنه تعالى بريء من المعاصي ، بمعنى أنه ما أمر بها بل نهى عنها ، فأما بمعنى أنه لا يريدها فلا نسلم ، بدليل انه علم وقوعها ، وكل ما كان معلوم الوقوع فهو واجب الوقوع ، وإلاَّ لانقلب علمه جهلاً ، وهو محال ، والمفضي إلى المحال محال ، وعلم ما هو واجب الوقوع لا يراد عدم وقوعه ، فثبت قولنا . قوله : " وَتَوَكَّلْ " . قرأ نافع وابن عامر بالفاء . والباقون بالواو . فأما قراءة الفاء فإنه جُعِل فيها ما بعد الفاء كالجزاء لما قبلها مترتباً عليه . وقراءة الواو لمجرد عطف جملة على أخرى . والتوكل : عبارة عن تفويض الرجل أمره إلى من يكل أمره ويقدر على نفعه وضره . ثم قال : { عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } ليكفيك كيد الأعداء بعزته وينصرك عليهم برحمته . قوله : " الَّذِي يَرَاَكَ " يجوز أن يكون مرفوع المحل خبراً لمبتدأ محذوف ، أو منصوبه على المدح ، أو مجروره على النعت أو البدل أو البيان . قال أكثر المفسرين : معناه : يراك حين تقوم إلى صلاتك . وقال مجاهد : يراك أينما كنت . وقيل : حين تقوم لدعائهم . قوله : " وَتَقَلُّبَكَ " . عطف على مفعول " يَرَاكَ " أي : ويرى تَقَلُّبَكَ ، وهذه قراءة العامة . وقرأ جناح بن حبيش بالياء من تحت مضمومة ، وكسر اللام ، ورفع الباء ، جعله فعلاً ، مضارع ( قَلَّبَ ) بالتشديد ، وعطفه على المضارع قبله ، وهو " يَرَاكَ " أي : الذي يُقَلِّبُكَ . فصل معنى تقلبه أي : تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك ، قال عكرمة وعطية عن ابن عباس : " فِي السَّاجِدِينَ " أي : في المصلين . وقال مقاتل والكلبي : أي : مع المصلين في الجماعة ، أي : يراك حين تقوم وحدك للصلاة ، ويراك إذا صليت مع المصلين جماعة . وقال مجاهد : يرى تقلب بصرك في المصلين ، فإِنَّهُ كان يبصر من خلفه كما يبصر من أمامه . قال عليه السلام : " واللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ ولا رُكُوعُكُمْ ، وإِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي " وقال الحسن : { تقلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } أي : تصرفك وذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين . وقال سعيد بن جبير : يعني : وتصرّفك في أحوالك كما كانت الأنبياء من قبلك . والسَّاجدون : هم الأنبياء . وقال عطاء عن ابن عباس : أراد : وتقلبك في أصلاب الأنبياء من نبي إلى نبي حتى أخرجك في هذه الأمة . { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } السميع لما تقوله ، العليم بما تنويه .